الاثنين، 31 مارس 2014

الغياثي - غياث الأمم في التياث الظلم

غياث الأمم في التياث الظلم

الغياثي






تقديم للدكتور محمد العبدة

لم تكن موضوعات السياسة الشرعة والحكم غائبة عن نظر علماء المسلمين في العصور الأولى، وإن لم يدونوها في كتاب مستقل، فالدولة الإسلامية التي نشأت في المدينة لم تنقطع بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي دولة بكل ما تعني الكلمة من مدلولات سياسية، وقد تحدث القرآن طويلاً عن العدل والظلم وعن الشورى والتمكين، قال تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.." الحج/41 وقال تعالى: "ولقد مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.." يوسف/56 كما دوّن علماء الحديث الآثار المروية عن الرسول (ص) حول الإمرة والأميروالإمام العادل والسمع والطاعة في غير معصية، وكتب العلماء مبكراً عن (الخراج و(الأموال) وعلاقات السلم والقتال، والعلاقات الدولية في كتب (السير)وقد أصل الإمام الشافعي لموضوع الإجماع وخاصة إجماع الصحابة على مبدأ الإختيار بالنسبة للخلافة ،

في نهاية القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع وفي معترك الصراع بين الخلافة العباسية السنية وتسلط البويهيين الشيعة وظهور نظريات حول الإمامة من قبل الفرق الأخرى كالإسماعيلية ، في معترك هذا الصراع كتب الإمام الماوردي الفقيه الشافعي كتابه ( الأحكام السلطانيه ) ولكنه كان يؤصل ويكتب تحت ضغط الواقع ، واقع نفوذ الأسرة البويهية على الخلافة ، وكذلك تشظي الخلافة العباسية بظهور أمراء الإستيلاء في مناطق مختلفة والإرتباط الشكلي بالخلافة . كانت محاولته أقرب للإعتراف بالواقع وإنقاذ مايمكن إنقاذه والحؤول دون سقوط هيبة الخلافة وتحت ضغط هذا الواقع كتب عن إمارة الإستيلاء وولاية العهد وشروط الوزارة مسوغا لأمور يراها من باب الواقعية . ثم جاء الإمام الجويني وكتب في السياسة الشرعية ( غياث الأمم في التياث الظلم ) فكان فيما كتب أكثر أصالة وبعدا عن التأثر بمناهج وآراء الأمم الأخرى ، وغير متـأثر بآراء الفلاسفة أو المتكلمين ( ) وتتابعت الكتابات في هذا الشأن ومن أهمها ( سراج الملوك ) للطرطوشي و ( السياسة الشرعية ) لابن تيمية والتفت فيه إلى التأصيل الشرعي والنواحي العملية،وأما ما كتب بعد القرن الخامس عن تدبير الممالك ونصائح الملوك، أومايسمونه ( مرايا الملوك ) فهي جمع من حكم الفرس أو الهند ولا تعبّر عن السياسات الشرعية،وأكثرها كتب لتثبيت سلطة هؤلاء الحكام والغريب أن يذهب هؤلاء الكتاب إلى (الفرس) و (أرد شير) ويجمعون حكمة من هنا وحكمة من هناك، ولماذا لم يتعبوا أنفسهم ويؤصلوا للسياسة الشرعية من القرآن والسنة وتجربة الخلفاء الراشدين، ولا مانع بعد ذلك من الاستفادة من تنظيمات بشرية سياسية وإدارية.

تميز كتاب الغياثي للجويني بأنه بعد أن أصل لموضوع الحكم ووظائف الدولة افترض حالتين يمكن أن تقعا للإمة الإسلامية : أولا : حالة عدم وجود إمام للمسلمين ، ثانيا : عدم وجود الأئمة المجتهدين أوالمفتين الموثوقين ناقلي المذهب

فكيف يكون حال المسلمين، وكيف يتصرفون! ولم يكن – رحمه الله – ممن يفترض الافتراضات الخيالية  أو يمارس رياضة ذهنية، بل كانت التجربة والملاحظة والنظر في واقع المسلمين في عصره هو الذي حدا به إلى هذه الإفتراضات ليضع لها الحلول المناسبة، يقول: "إني وضعت هذا الكتاب لأمر عظيم فإني تخيلت الشريعة وانقراض حملتها وعاينت في عهدي الأئمة( 6) ينقرضون ولا يخلفون والمتسمون بالطلب يرضون بالاستطراف ، مطلبهم مسائل خلافية يباهون بها


وهو سفر كبير، لا بد من الاستفادة منه ونحن نعاني ما نعاني، ونتلمس طريق النهضة.


آفاق العصر الأمريكي

آفاق العصر الأمريكي

السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد



أصدر الدكتور جمال سند السويدي مؤخرا كتابا جديدا بعنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد» يضع فيه خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة على الطريق لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد، ويعدّ الكتاب إضافة نوعية جديدة إلى المكتبة العربية والعالمية، في محاولة لتقديم نظرة موضوعية تحليلية معمّقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات، بعيداً عن الانطباعات والانحيازات والرؤى الشخصية غير العلمية، وإسهاماً في تسليط الضوء على بنية ومسارات وهيكلية القوة والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال السنوات والعقود المقبلة، بما يسهم في فهم ما يدور إقليمياً وعالمياً، ويساعد على بلورة رؤى إستراتيجية واضحة للمستقبل.

يرصد الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها في النظام العالمي الجديد. فالكتاب الجديد صدر تحت عنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الذي يضع فيه د.السويدي خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد من خلال نظرة موضوعية تحليلية متعمقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات. ويدور الكتاب حول ظاهرة العولمة وتأثيراتها وأبعادها، وحول سبل تعظيم مردودها، إضافة إلى رصد المتغيرات المتسارعة والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم، بعد أن دفعت بوصلة التقديرات المستقبلية إلى التذبذب بين مختلف الاتجاهات في حراك متسارع دونما استقرار. إذ أدت التفاعلات الدولية خلال أكثر من ستة عقود، إلى التحول من «نظام دولي» تجري فيه التفاعلات بين الدول ومؤسساتها الرسمية؛ إلى «نظام عالمي جديد» تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم خلاله عولمة الاقتصاد والاتصالات والإعلام والتعليم والثقافة والنظام القيمي. ويسعى السويدي في هذا الكتاب إلى توضيح حقائق وتسليط الضوء على مؤشرات إحصائية وتحليلية يستنير بها من يشاء، واستخدم تلك المؤشرات في معرفة النظام العالمي في حاضره ومستقبله وتأثيراتها، التي تؤطر لنقاشات رشيدة حول النظام العالمي الجديد في حاضـره ومستقبله. فالنظام العالمي الجديد كما يرى السويدي من خلال هذا الكتاب القيَم يوضح بواعث الصـراع ومدى تنوعه من «صراعات حضارية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، أو تعليمية»، أو قضايا تتداخل فيها كل هذه الأبعاد أو بعضها، وهنا يتساءل هل الصـراعات العالمية المحتملة بين الأمم والدول ستنشأ وتتمحور حول الحضارات والأديان والثقافات أم حول المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسـي وما يرتبط بذلك من تفاعلات العولمة في شتى تجلياتها؟ فالعالم يواجه خلال الفترة الراهنة زخماً متداخلاً من التحديات والمخاطر والتهديدات التي تؤثر في صياغة مستقبله، بعضها أفقي يدور داخل الدول ويتسم بكونه عابراً للحدود والجنسيات والأعراق والمذاهب، وبعضها الآخر رأسـي يجري بين الدول أو مجموعات من الدول تحقق مستويات نمو مختلفة، نتيجة للتنافس في تحقيق المصالح الاستراتيجية، أو جراء وجود مشكلات حدودية، أو السعي نحو الهيمنة، وسط قوى دولية كبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. فالكتاب يسلط الضوء على بنية النظام العالمي الجديد والتعرف إلى العوامل المؤثرة فيه، من خلال سعى المؤلف إلى بناء تصور مستقبلي حول هيكل القوى والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال العقدين المقبلين، إذ يعتقد أن مقومات القوة الشاملة للولايــات المتحدة الأمريكية، وهي القطب المهيمــن على النظام العالمي الجديد، لاتزال تؤهلها لمواصلة إحكام قبضتها على مفاصل النظام العالمي الجديد وإدارة شؤونه. إلا أن مستويات السيطرة وسلوكيات الهيمنة ومظاهر الأحادية القطبية تتفاوت وفقاً لتوازنات القوى والصـراع بين القوى الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان واقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل من ناحية أخرى. إن كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيــادة والنفــوذ في النظام العالمي الجديد»، نافذة يأخذك من خلالها د. جمال سند السويدي في إطلالة على المشهد العالمي الحالي، مع إضاءات يستعيد فيها من الأحداث والوقائع التاريخية التي أسست وتؤطر للنظام العالمي الجديد، بأسلوب مبسط. - See more at: http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=47#sthash.3GdYowv3.dpuf
يرصد الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها في النظام العالمي الجديد. فالكتاب الجديد صدر تحت عنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الذي يضع فيه د.السويدي خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد من خلال نظرة موضوعية تحليلية متعمقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات. ويدور الكتاب حول ظاهرة العولمة وتأثيراتها وأبعادها، وحول سبل تعظيم مردودها، إضافة إلى رصد المتغيرات المتسارعة والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم، بعد أن دفعت بوصلة التقديرات المستقبلية إلى التذبذب بين مختلف الاتجاهات في حراك متسارع دونما استقرار. إذ أدت التفاعلات الدولية خلال أكثر من ستة عقود، إلى التحول من «نظام دولي» تجري فيه التفاعلات بين الدول ومؤسساتها الرسمية؛ إلى «نظام عالمي جديد» تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم خلاله عولمة الاقتصاد والاتصالات والإعلام والتعليم والثقافة والنظام القيمي. ويسعى السويدي في هذا الكتاب إلى توضيح حقائق وتسليط الضوء على مؤشرات إحصائية وتحليلية يستنير بها من يشاء، واستخدم تلك المؤشرات في معرفة النظام العالمي في حاضره ومستقبله وتأثيراتها، التي تؤطر لنقاشات رشيدة حول النظام العالمي الجديد في حاضـره ومستقبله. فالنظام العالمي الجديد كما يرى السويدي من خلال هذا الكتاب القيَم يوضح بواعث الصـراع ومدى تنوعه من «صراعات حضارية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، أو تعليمية»، أو قضايا تتداخل فيها كل هذه الأبعاد أو بعضها، وهنا يتساءل هل الصـراعات العالمية المحتملة بين الأمم والدول ستنشأ وتتمحور حول الحضارات والأديان والثقافات أم حول المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسـي وما يرتبط بذلك من تفاعلات العولمة في شتى تجلياتها؟ فالعالم يواجه خلال الفترة الراهنة زخماً متداخلاً من التحديات والمخاطر والتهديدات التي تؤثر في صياغة مستقبله، بعضها أفقي يدور داخل الدول ويتسم بكونه عابراً للحدود والجنسيات والأعراق والمذاهب، وبعضها الآخر رأسـي يجري بين الدول أو مجموعات من الدول تحقق مستويات نمو مختلفة، نتيجة للتنافس في تحقيق المصالح الاستراتيجية، أو جراء وجود مشكلات حدودية، أو السعي نحو الهيمنة، وسط قوى دولية كبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. فالكتاب يسلط الضوء على بنية النظام العالمي الجديد والتعرف إلى العوامل المؤثرة فيه، من خلال سعى المؤلف إلى بناء تصور مستقبلي حول هيكل القوى والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال العقدين المقبلين، إذ يعتقد أن مقومات القوة الشاملة للولايــات المتحدة الأمريكية، وهي القطب المهيمــن على النظام العالمي الجديد، لاتزال تؤهلها لمواصلة إحكام قبضتها على مفاصل النظام العالمي الجديد وإدارة شؤونه. إلا أن مستويات السيطرة وسلوكيات الهيمنة ومظاهر الأحادية القطبية تتفاوت وفقاً لتوازنات القوى والصـراع بين القوى الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان واقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل من ناحية أخرى. إن كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيــادة والنفــوذ في النظام العالمي الجديد»، نافذة يأخذك من خلالها د. جمال سند السويدي في إطلالة على المشهد العالمي الحالي، مع إضاءات يستعيد فيها من الأحداث والوقائع التاريخية التي أسست وتؤطر للنظام العالمي الجديد، بأسلوب مبسط. - See more at: http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=47#sthash.3GdYowv3.dpuf
يرصد الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها في النظام العالمي الجديد. فالكتاب الجديد صدر تحت عنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الذي يضع فيه د.السويدي خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد من خلال نظرة موضوعية تحليلية متعمقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات. ويدور الكتاب حول ظاهرة العولمة وتأثيراتها وأبعادها، وحول سبل تعظيم مردودها، إضافة إلى رصد المتغيرات المتسارعة والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم، بعد أن دفعت بوصلة التقديرات المستقبلية إلى التذبذب بين مختلف الاتجاهات في حراك متسارع دونما استقرار. إذ أدت التفاعلات الدولية خلال أكثر من ستة عقود، إلى التحول من «نظام دولي» تجري فيه التفاعلات بين الدول ومؤسساتها الرسمية؛ إلى «نظام عالمي جديد» تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم خلاله عولمة الاقتصاد والاتصالات والإعلام والتعليم والثقافة والنظام القيمي. ويسعى السويدي في هذا الكتاب إلى توضيح حقائق وتسليط الضوء على مؤشرات إحصائية وتحليلية يستنير بها من يشاء، واستخدم تلك المؤشرات في معرفة النظام العالمي في حاضره ومستقبله وتأثيراتها، التي تؤطر لنقاشات رشيدة حول النظام العالمي الجديد في حاضـره ومستقبله. فالنظام العالمي الجديد كما يرى السويدي من خلال هذا الكتاب القيَم يوضح بواعث الصـراع ومدى تنوعه من «صراعات حضارية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، أو تعليمية»، أو قضايا تتداخل فيها كل هذه الأبعاد أو بعضها، وهنا يتساءل هل الصـراعات العالمية المحتملة بين الأمم والدول ستنشأ وتتمحور حول الحضارات والأديان والثقافات أم حول المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسـي وما يرتبط بذلك من تفاعلات العولمة في شتى تجلياتها؟ فالعالم يواجه خلال الفترة الراهنة زخماً متداخلاً من التحديات والمخاطر والتهديدات التي تؤثر في صياغة مستقبله، بعضها أفقي يدور داخل الدول ويتسم بكونه عابراً للحدود والجنسيات والأعراق والمذاهب، وبعضها الآخر رأسـي يجري بين الدول أو مجموعات من الدول تحقق مستويات نمو مختلفة، نتيجة للتنافس في تحقيق المصالح الاستراتيجية، أو جراء وجود مشكلات حدودية، أو السعي نحو الهيمنة، وسط قوى دولية كبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. فالكتاب يسلط الضوء على بنية النظام العالمي الجديد والتعرف إلى العوامل المؤثرة فيه، من خلال سعى المؤلف إلى بناء تصور مستقبلي حول هيكل القوى والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال العقدين المقبلين، إذ يعتقد أن مقومات القوة الشاملة للولايــات المتحدة الأمريكية، وهي القطب المهيمــن على النظام العالمي الجديد، لاتزال تؤهلها لمواصلة إحكام قبضتها على مفاصل النظام العالمي الجديد وإدارة شؤونه. إلا أن مستويات السيطرة وسلوكيات الهيمنة ومظاهر الأحادية القطبية تتفاوت وفقاً لتوازنات القوى والصـراع بين القوى الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان واقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل من ناحية أخرى. إن كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيــادة والنفــوذ في النظام العالمي الجديد»، نافذة يأخذك من خلالها د. جمال سند السويدي في إطلالة على المشهد العالمي الحالي، مع إضاءات يستعيد فيها من الأحداث والوقائع التاريخية التي أسست وتؤطر للنظام العالمي الجديد، بأسلوب مبسط. - See more at: http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=47#sthash.3GdYowv3.dpuf
يرصد الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها في النظام العالمي الجديد. فالكتاب الجديد صدر تحت عنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الذي يضع فيه د.السويدي خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد من خلال نظرة موضوعية تحليلية متعمقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات. ويدور الكتاب حول ظاهرة العولمة وتأثيراتها وأبعادها، وحول سبل تعظيم مردودها، إضافة إلى رصد المتغيرات المتسارعة والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم، بعد أن دفعت بوصلة التقديرات المستقبلية إلى التذبذب بين مختلف الاتجاهات في حراك متسارع دونما استقرار. إذ أدت التفاعلات الدولية خلال أكثر من ستة عقود، إلى التحول من «نظام دولي» تجري فيه التفاعلات بين الدول ومؤسساتها الرسمية؛ إلى «نظام عالمي جديد» تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم خلاله عولمة الاقتصاد والاتصالات والإعلام والتعليم والثقافة والنظام القيمي. ويسعى السويدي في هذا الكتاب إلى توضيح حقائق وتسليط الضوء على مؤشرات إحصائية وتحليلية يستنير بها من يشاء، واستخدم تلك المؤشرات في معرفة النظام العالمي في حاضره ومستقبله وتأثيراتها، التي تؤطر لنقاشات رشيدة حول النظام العالمي الجديد في حاضـره ومستقبله. فالنظام العالمي الجديد كما يرى السويدي من خلال هذا الكتاب القيَم يوضح بواعث الصـراع ومدى تنوعه من «صراعات حضارية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، أو تعليمية»، أو قضايا تتداخل فيها كل هذه الأبعاد أو بعضها، وهنا يتساءل هل الصـراعات العالمية المحتملة بين الأمم والدول ستنشأ وتتمحور حول الحضارات والأديان والثقافات أم حول المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسـي وما يرتبط بذلك من تفاعلات العولمة في شتى تجلياتها؟ فالعالم يواجه خلال الفترة الراهنة زخماً متداخلاً من التحديات والمخاطر والتهديدات التي تؤثر في صياغة مستقبله، بعضها أفقي يدور داخل الدول ويتسم بكونه عابراً للحدود والجنسيات والأعراق والمذاهب، وبعضها الآخر رأسـي يجري بين الدول أو مجموعات من الدول تحقق مستويات نمو مختلفة، نتيجة للتنافس في تحقيق المصالح الاستراتيجية، أو جراء وجود مشكلات حدودية، أو السعي نحو الهيمنة، وسط قوى دولية كبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. فالكتاب يسلط الضوء على بنية النظام العالمي الجديد والتعرف إلى العوامل المؤثرة فيه، من خلال سعى المؤلف إلى بناء تصور مستقبلي حول هيكل القوى والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال العقدين المقبلين، إذ يعتقد أن مقومات القوة الشاملة للولايــات المتحدة الأمريكية، وهي القطب المهيمــن على النظام العالمي الجديد، لاتزال تؤهلها لمواصلة إحكام قبضتها على مفاصل النظام العالمي الجديد وإدارة شؤونه. إلا أن مستويات السيطرة وسلوكيات الهيمنة ومظاهر الأحادية القطبية تتفاوت وفقاً لتوازنات القوى والصـراع بين القوى الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان واقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل من ناحية أخرى. إن كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيــادة والنفــوذ في النظام العالمي الجديد»، نافذة يأخذك من خلالها د. جمال سند السويدي في إطلالة على المشهد العالمي الحالي، مع إضاءات يستعيد فيها من الأحداث والوقائع التاريخية التي أسست وتؤطر للنظام العالمي الجديد، بأسلوب مبسط. - See more at: http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=47#sthash.3GdYowv3.dpuf
يرصد الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها في النظام العالمي الجديد. فالكتاب الجديد صدر تحت عنوان «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الذي يضع فيه د.السويدي خلاصة فكره وعصارة تجربته البحثية، كمحاولة لاستكشاف معالم النظام العالمي الجديد من خلال نظرة موضوعية تحليلية متعمقة قائمة على الإحصاءات والبيانات والمعلومات. ويدور الكتاب حول ظاهرة العولمة وتأثيراتها وأبعادها، وحول سبل تعظيم مردودها، إضافة إلى رصد المتغيرات المتسارعة والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم، بعد أن دفعت بوصلة التقديرات المستقبلية إلى التذبذب بين مختلف الاتجاهات في حراك متسارع دونما استقرار. إذ أدت التفاعلات الدولية خلال أكثر من ستة عقود، إلى التحول من «نظام دولي» تجري فيه التفاعلات بين الدول ومؤسساتها الرسمية؛ إلى «نظام عالمي جديد» تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم خلاله عولمة الاقتصاد والاتصالات والإعلام والتعليم والثقافة والنظام القيمي. ويسعى السويدي في هذا الكتاب إلى توضيح حقائق وتسليط الضوء على مؤشرات إحصائية وتحليلية يستنير بها من يشاء، واستخدم تلك المؤشرات في معرفة النظام العالمي في حاضره ومستقبله وتأثيراتها، التي تؤطر لنقاشات رشيدة حول النظام العالمي الجديد في حاضـره ومستقبله. فالنظام العالمي الجديد كما يرى السويدي من خلال هذا الكتاب القيَم يوضح بواعث الصـراع ومدى تنوعه من «صراعات حضارية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، أو تعليمية»، أو قضايا تتداخل فيها كل هذه الأبعاد أو بعضها، وهنا يتساءل هل الصـراعات العالمية المحتملة بين الأمم والدول ستنشأ وتتمحور حول الحضارات والأديان والثقافات أم حول المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسـي وما يرتبط بذلك من تفاعلات العولمة في شتى تجلياتها؟ فالعالم يواجه خلال الفترة الراهنة زخماً متداخلاً من التحديات والمخاطر والتهديدات التي تؤثر في صياغة مستقبله، بعضها أفقي يدور داخل الدول ويتسم بكونه عابراً للحدود والجنسيات والأعراق والمذاهب، وبعضها الآخر رأسـي يجري بين الدول أو مجموعات من الدول تحقق مستويات نمو مختلفة، نتيجة للتنافس في تحقيق المصالح الاستراتيجية، أو جراء وجود مشكلات حدودية، أو السعي نحو الهيمنة، وسط قوى دولية كبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. فالكتاب يسلط الضوء على بنية النظام العالمي الجديد والتعرف إلى العوامل المؤثرة فيه، من خلال سعى المؤلف إلى بناء تصور مستقبلي حول هيكل القوى والسيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد خلال العقدين المقبلين، إذ يعتقد أن مقومات القوة الشاملة للولايــات المتحدة الأمريكية، وهي القطب المهيمــن على النظام العالمي الجديد، لاتزال تؤهلها لمواصلة إحكام قبضتها على مفاصل النظام العالمي الجديد وإدارة شؤونه. إلا أن مستويات السيطرة وسلوكيات الهيمنة ومظاهر الأحادية القطبية تتفاوت وفقاً لتوازنات القوى والصـراع بين القوى الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان واقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل من ناحية أخرى. إن كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيــادة والنفــوذ في النظام العالمي الجديد»، نافذة يأخذك من خلالها د. جمال سند السويدي في إطلالة على المشهد العالمي الحالي، مع إضاءات يستعيد فيها من الأحداث والوقائع التاريخية التي أسست وتؤطر للنظام العالمي الجديد، بأسلوب مبسط. - See more at: http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=47#sthash.3GdYowv3.dpuf

الأحد، 30 مارس 2014

في الثورة

في الثورة

حنة أرندت



تزامن الأحداث يمنحها فرادة في التوقيت. قيل إبَّان عقد مؤتمر مدريد للسلام في الـ 30 من أكتوبر من العام 1991 بأن توقيته كان متزامناً مع ذات الشهر الذي دَخَلَ فيه الملك الأراغوني خايمي الأول إلى الأندلس قبل 753 عاماً، وبالتالي سُلِّمت الأندلس والقدس في ذات الأوان بالتزامن! ثم قيل بأن سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط جاء متزامناً مع يوم انتصار الثورة الإيرانية الذي كان يُخاصمها بشدة، وأيضاً مع ذكرى انهيار اتحاد كالمار الشهير بين الممالك الاسكندنافية الثلاث الدنمارك، النرويج والسويد بعد نزاعٍ مرير مع الملكة مارغريت الأولى. هذه هي الصدف ومذاقها حين يتمّ تذكرها بشيء من العجب والاستغراب.
لكن الحقيقة الأخرى هي أن التزامن ليس محصوراً في الأحداث والأزمنة وتوقيتاتها، بل ينسحب أيضاً إلى الكتابات والأبحاث والدراسات. فكم من دراسات كُتِبَت في زمنٍ سحيق، ثم أعيدت طباعتها عندما وجد الناس أنها تحاكي مشاكلهم. فالتاريخ يُعيد نفسه وكأنه ساقية الماء تعلو ثم تهبط. كَتَب نيكولا ميكافيللي كتابه الشهير المسمّى بـ «الأمير» في العام 1513م فأعيد طبعه في هذا العصر. وكَتَبَ جاك روسو «العقد الاجتماعي» في العام 1762م فأعيد طبعه في حاضرنا. ومن بين هذه الكتب المُعادَة أيضاً كتاب «في الثورة» للفيلسوفة الأميركية من أصل ألماني حنَّة أرِنْدت.
هذه الباحثة اليهودية كتبت سِفرَها قبل نصف قرن تقريباً. كتبته بعد ثلاثين عاماً من هروبها إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة بعد أن دمَّر النازيون عقدهم الاجتماعي بتصنيفهم الناس والأعراق والطوائف طبقاً لتفسيرات شوفينية، فكان نصيب اليهود هولوكوستاً دموياً. ولأننا نعيش في زمنٍ عربي بدا أنه مختلف جداً في شكله السياسي والاجتماعي بعد أن اشتعلت تونس ومصر وليبيا والجزائر والمغرب واليمن وسوريا والأردن وغيرها من البلاد العربية، فقد آثرتُ إعادة قراءة لكتابها القيِّم «في الثورة» الذي أعادت طباعته المنظمة العربية للترجمة في العام 2008 ووزَّعه مركز دراسات الوحدة العربية. وقد حَظِيَ الكتاب بترجمة مميَّزة من الباحث القدير عطا عبدالوهاب، أبدأه بحلقة أولى أوّليَّة.
الكتاب يضم مقدمة مهمّة حول الحرب والثورة وارتباطهما بقضية الحرية التي وصفتها الكاتبة بأنها تشكّل وجود السياسة، تليها ستة فصول، الأول يتحدث عن معنى الثورة، والفصل الثاني عن المسألة الاجتماعية، والفصل الثالث عن السعي وراء السعادة. أما الفصل الرابع فقد أفردته الباحثة لتناول الأساس الأول وهو تكوين الحريّة، في حين خصَّصت الفصل الخامس للحديث عن التأسيس والنظام العالمي الجديد. أما الفصل السادس والأخير فتناولت فيه الكاتبة موضوع التقليد الثوري، وكنزه المفقود، وفي نهاية الكتاب ثبت تعريفي.
تستهِلُّ حنَّة أرِنْدت بحثها بالإشارة إلى تلازم الحرب والثورة. ثم تشير إلى أن الأولَى هي أقدم الظواهر المدوَّنة، في حين أن الثانية لم تكن موجودة قِدَم الأولى. كما أن الحروب لم تكن مرتبطة بموضوع تحقيق الحرية إلاّ في حالات نادرة، وإنما ارتباطها موصول بمبرر أن العلاقات السياسية في سياقها الاعتيادي لا تقع تحت رحمة العنف. وتشير إلى أنه وخلال الإرث اليوناني القديم كانت المدينة اليونانية تقوم على الإقناع وليس على الإكراه، فكانت أثينا تقنع المحكومين بالإعدام باحتساء السّم لتحقيق أمر مزدوج، وهو تطبيق القانون وفق مفهوم الإقناع المُجرَّد.
وفي أمر الحروب التي لم تكن لتشَن لا من أجل الحرية ولا أيّ شيء مرتبط بها، فقد قسَّم الرومان تلك الحروب إلى عادلة وأخرى غير عادلة. وكان ليفي يقول بأن «الحروب الضرورية هي الحروب العادلة». لكن المشكلة تكمن في مدى تفسير الضرورة المشار إليها. فالفتح أو التوسّع أو الدفاع عن المصالح المكتسبة أو الحفاظ على السلطة نظراً لظهور دول جديدة مُهدِّدة أو التأييد لتوازن قوى هي كلها مُبررات تقليدية لشن الحروب. وربما كانت الحرب العالمية الثانية فرصة ثمينة لإعادة النظر في مفهوم الحرب وقدرتها التدميرية المرتبطة أصلاً بموضوع التقدم التكنولوجي.
تشير حنَّة أرِنْدت إلى قضية أساسية في موضوع التضحية. فهي تفرق ما بين مخاطرة المرء بحياته من أجل حياة بلاده وحرية وطنه وخلود أمَّته، وما بين المخاطرة بمصير الجنس البشري. فشعار «أعطني الحرية أو أعطني الموت» هو شعار أجوف وسخيف كما أسمته إذا ما تمَّت مَقيَسَته بالوجه التدميري للحروب النووية، بل هي تضيف: أن شعار «الموت أفضل من العبودية» هو شعار ينتمي إلى العقيدة الباطلة. وللعلم فإن حنَّة أرِنْدت كانت تقول بهذه الأفكار نظراً لقرب زمان كتابها بما آلَ إليه العالَم وبالتحديد الأوروبي من تدمير بسبب الحرب العالمية الثانية، وأيضاً تأثرها بالعنف النازي الذي أجبرها على الهروب من موطنها ألمانيا.
في كلّ الأحوال، فإن موضوع الحرية هو موضوع مرتبط بقضية وجدانية تتحسّس قيمة إنسانية، يرى فيها البشر بأن قوة ما تتعدّى على أصول حصريّة في ملكيتها وخصوصيتها، وبالتالي فإن الاندفاعة نحو تخليصها من ذلك الاستيلاء العنفي يتطلب صراعاً من نوع آخر، ظهر في السياسة وبات ينعب بالثورة التي أصبحت العنوان الأبرز لموضوع الحريات. (وللحديث صلة).
بنقدٍ إلى الثوريين الذين أنزلوا مرتبة الحرية إلى حكم مُسبق من أحكام الطبقة الوسطى
محمد عبدالله محمد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3234 - السبت 16 يوليو 2011م الموافق 14 شعبان 1432هـ

السبت، 29 مارس 2014

الهوية وقضاياها في الوعي العربي المعاصر

الهوية وقضاياها 

في الوعي العربي المعاصر



احتل موضوع الهوية، ولا يزال، حيّزاً واسعاً في الفكر القومي العربي، نظراً إلى ما شهدته قضية الهوية في الوطن العربي من إشكاليات وتحديات فرضها تعدد الانتماءات الإثنية والمذهبية والدينية والجهوية والوطنية ما دون القومية من جهة، والاحتكاك الثقافي المتعدد الأوجه مع الخارج، المتمثّل بالغرب تحديداً، من جهة أخرى.
وفي ظل ما تشهده الأمة العربية من انقسامات وصراعات وتشرذم، وبعد عقود على انكفاء المشروع القومي العربي، وما رافقه من تصاعد للهويات القطرية أو للخصوصيات الإثنية والإقليمية والمذهبية والدينية، وبعد عجز الأنظمة العربية عن تحقيق الحد الأدنى من طموحات شعوبها، يأتي الكلام على قضايا القومية العربية ليحتل مكانة مهمة في هذه المرحلة التاريخية التي تتزايد فيها نسبة الوعي لدى شرائح واسعة من الشعوب العربية بضرورة نيل حقها في انتزاع حريتها وفي تقرير مصيرها وفي إعادة تحديد ملامح هويتها.
يقدم هذا الكتاب قراءة تجديدية نقدية لقضايا الهوية العربية ساهم فيها نخبة من الباحثين والكتاب العرب، وجاءت هذه القراءة في أربعة وعشرين فصلاً حول قضايا الهوية العربية وعلاقتها باللغة والثقافة والتاريخ والواقع الاجتماعي والسياسي والعمراني. تتوزع فصول الكتاب على ثلاثة أقسام يبحث أولها في فلسفة الهوية والانتماء، ويتناول الثاني قضايا الهوية في بعض التجارب القطرية، ثم يتناول الثالث التحولات في هوية العمارة العربية في ظل العولمة.

الخميس، 27 مارس 2014

مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب

 مسألة الهوية:  العروبة والإسلام والغرب



صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "مسألة الهوية: العروبة والاسلام والغرب" للدكتور محمد عابد الجابري، وهو الكتاب الثالث في سلسلة جديدة بعنوان "قضايا الفكر العربي" تتفرع من "سلسلة الثقافة القومية".

في هذا الكتاب، يتناول الجابري قضية من القضايا الاساسية التي تشغل في الظرف الراهن الراي العام العربي، والمثقف منه خاصة، القضية التي تطرح على شكل ثنائية: العروبة/الاسلام.

كما يتطرق الجابري لقضية المستقبل العربي وعلاقته بالاخر، الغرب ومدى تأثيره فيه، فيعرض لعناصر الظرفية الدولية الراهنة وموقع العرب فيهم: النظام الدولي الجديد، المفاوضات مع اسرائيل، تركه النظام العالمي "القديم".

واخيراً يعرض المؤلف لصورة العرب والاسلام في وسائل الاعلام الغربية، وهي صورة غير موضوعية، صورة يتحكم فيها عنصران ذاتيان: الرغبة في نفط العرب، والخوف من المهاجرين العرب والمسلمين الذين لا تستطيع اوروبا امتصاصهم ولا الاستغناء عنهم.
جاء الكتاب في ثلاثة اقسام: (1) العروبة والاسلام.. والوحدة القومية؛ (2) نحن والاخر والمستقبل، و(3) صورة العرب والاسلام في وسائل الاعلام الغربية. 

الدين والدولة وتطبيق الشريعة

الدين والدولة وتطبيق الشريعة



صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "الدين والدولة وتطبيق الشريعة" للدكتور محمد عابد الجابري، وهو الكتاب الرابع في سلسلة "قضايا الفكر العربي" المتفرعة من "سلسلة الثقافة القومية".

في هذا الكتاب يتناول الجابري امور الدين والدولة كما بحثتها المرجعية التراثية في الماضي، وكما تبحثها المرجعية النهضوية في عصرنا الحاضر، مستعرضاً مسـألة الخلافة وميزان القوى وما يعتري ذلك من ثغرات. ومسألة الطائفية والديمقراطية والعقلانية، ومسألة علاقة الدين بالسياسة وما يؤدي اليه توظيف الدين في السياسة من حروب اهلية، بالاضافة الى امور شتى تتفرع من المواضيع الرئيسية كالصحوة والتجديد والسلفية والتطرف، كل ذلك بمعالجة تحليلية مترابطة سمتها السلاسة والتيسير.

جاء الكتاب في قسمين: (1) مسألة الدين والدولة، و(2) مسألة تطبيق الشريعة.



الأربعاء، 26 مارس 2014

قيام الحكم الإسلامي من الحكم المجرد إلى الإلزام الديمقراطي

قيام الحكم الإسلامي 

من الحكم المجرد إلى الإلزام الديمقراطي



قيام الحكم الإسلامي الأصيل ليس في حقيقته حلما بعيد المنال  أو أملا لا يرجى تحقيقه 
ولذلك شروط:
1- تخلص المسلمين من الخوف ...الخوف من أنفسهم  ومن المسلمين الذين يريدون أن تحكم الحقيقة الدينية مجتمعاتهم الإسلامية
2- تخلص المسلمين من  الوهم الذي يزرعه فيهم الآخرون
3- تخلص المسلمين من الوهن
4- توحد المسلمين فلا ينقسموا بين علماني ومستغل للسلطة ومتطرف يتخذ من الشطط والغلو منهجا  ومن العنف أسلوبا

ولن يتحقق الحكم الإسلامي الأصيل ما لم يتحقق العدل بين الأفراد والجماعات ولن يؤتي ثماره إلا من خلال تقاليد سياسية ديمقراطية ونظم قانونية اجتماعية واعتراف متبادل بين مختلف الأحزاب التنظيمات والسلطات

وعلينا كمسلمين أن نتوجه جميعا نحو البناء الفكري السياسي الإسلامي المحايد للدولة الإسلامية المعاصرة عبر صوغ نظرية إسلامية معاصرة للحكم والسياسة




الثلاثاء، 25 مارس 2014

حوار الديمقراطية والإسلام

حوار الديمقراطية والإسلام

مفاعيل الربيع العربي

 


نبذة النيل والفرات:
سعى الكثير من المفكرون الى إقامة نقاشات حادة ومطولة حول الديمقراطية والإسلام السائدة في حقبة ما قبل الربيع العربي. وكلٌ سعى لشد الصواب والحقيقة خارج منطقة الوسط والاستئثار بمفهوم العدل والحق بجانب دون سواه وهو أمر خارج عن حقائق التاريخ ووقائع الحدث.
في هذا الكتاب يؤسس المؤلف إحسان طالب على منطقة وسط تقوم على فكرة (الوسطية والاعتدال) وقد استمدها من صلب الدين الحنيف (وخلقناكم أمة وسطاً) معتبراً أنها: "المنطقة الآمنة التي تتعايش فوقها المجتمعات وعليها تبنى الأوطان وتزدهر الحضارة وينشأ الإنسان متفاعلاً معها ليبني حاضره ويؤسس لمستقبله هي منطقة الوسطية والاعتدال... وكل تطرف باتجاه اليمين أو اليسار سينجم عنه تدمير وحروب طاحنة يخسر فيها الجميع (...)".
يتوجه هذا الكتاب وبحسب مؤلفه الى "متابعو الشأن السياسي العام والمهتمون بالإسلام السياسي. الباحثون عن موقف موضوعي حيادي من مسائل الثورة والبواعث الفكرية والتاريخية والاجتماعية المسببة لها، وعلاقتها بالديمقراطية".
وحتى يكون العرض مقنعاً يؤسس المؤلف عمله على منهج (أكاديمي – فلسفي) يتفحص الظاهرة ويحللها بموضوعية معتمداً منهج التفكيك وإعادة استقراء عوامل نشوء وارتقاء الظاهرة – الثورة – ومحرضاتها، بغية تحقيق توافق بحثي بين الحدث – الشيء – الوقائع – الوجود، وبين الفكر والتفكير. وبهذا يمكن لهذا الكتاب استشفاف المآلات – الحاضر والمستقبل – من خلال العودة الى التجارب السابقة للروَّاد وأصحاب الأثر الذي يشهد لهم التاريخ؛ سعياً وراء وضع أساس نظري متماسك علَّه يكون عنصراً من عناصر البناء السليم لمفهوم الديمقراطية وعلاقتها بالإسلام ومفاعيل الفكر الثوري...
يقسم الكتاب الى سبعة فصول جاءت تحت العناوين الآتية: - نقاشات في الديمقراطية،
- حول الديمقراطية والإسلام،
إشكالية القيم والمفاهيم الدولة والديمقراطية والحرية،
الإسلام السياسي والانتقال من المعارضة إلى الحكم،
التشدد الجهادي خطر على ثورات الربيع العربي – المسألة السورية،
الثورة تعالج عيوب الديمقراطية المأزق الديمقراطي،
في مفهوم الدولة المدنية بين الاسلام السياسي والعلمانية، وأخيراً سوريا الهم الأكبر.

الاثنين، 24 مارس 2014

كليات الغياثي

كليات الغياثي


الغياثي مدونة فقهية تحاول استدعاء موروثات الحضارة الإسلامية من الفقه السياسي - الذي لم يتحقق بعد في واقع المسلمين حتى اليوم بالقدر المطلوب - بهدف استرداد دور الوحي واستمرار عطائه في حياة المسلمين في مجال السياسة الشرعية والعمل على تقويم مسيرة الأمة الإسلامية وردها إلى حضورها الميداني وفعلها المؤثر في الحضارة الإنسانية مع مراعاة التطورات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على الأمة بعد انقراض الأجيال الفاضلة.
    ومن ثم تأتي هذه المدونة الصغيرة لتقريب ما احتوى عليه الغياثي من فقه السياسة الشرعية، واستكشاف ما به من قواعد الإمامة، ولكن برؤية خاصة، ومنهج متميز ومعالم واضحة تناسب واقع العصر.
وقد ارتأى قارئ الغياثي أن يسرد مادة الكتاب «غياث الأمم في التياث الظلم» في صورة وجبات جاهزة ومركزة إشارة إلى أهم رءوس الموضوعات تاركًا أصل الكتاب لمن أراد أن يتعمق في أي مسألة من مسائله.
إننا نصافح جمهرة القراء من خلال هذا الكتيب الصغير من أجل الوقوف على منهجية متكاملة لفقه السياسة الشرعية بأقسامها المتعددة، لعلها تضع نبراسا يضيء لنا الطريق.



تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية

تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية



قام الأستاذ إبراهيم العقيلي بمجهود ضخم يستحق كل الشكر والتقدير من خلال تأليفه لكتاب: تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية، الذي يعد بحق من أحسن ما أُلِّفَ عن شيخ الإسلام فيما يخص منهجه المعرفي، ذلك أن مؤلف الكتاب عرض لفكر ابن تيمية بالشرح والتحليل وبيَّن الطريق الذي التزمه في أبحاثه ومناقشاته وآرائه ودروسه ومدارساته مع مختلف الفرق والملل السابقة لِزمانه والتي عاصرها وخاض في غمار الرد عليها.
وهذا الكتاب على العموم، يعرض بالبيان والتحليل المصادر المعرفية التي اعتمد عليها ابن تيمية، وكذا المعايير والموازين التي بنى عليها آراءه في نقد تراث سابقيه، وتمييز حسنهِ من قبيحه، وهذا المنهج بدوره يسهّل على القارئ الفهم الدقيق لتراث ابن تيمية، كما يسهل على الباحثين والقارئين حسن استيعابه مع تمثّل وهضم أفكاره وقضاياه.
ولنتعرض الآن بنوع من التحليل والنقد لما جاء في هذا الكتاب القيّم:
(1). إن القارئ لمقدمة هذا الكتاب لا يستطيع أن يستوعب الأفكار الأساسية حول ماذا سيأتي في ثنايا الكتاب من أفكار وقضايا يريد المؤلف أن يعالجها، ذلك أنه لا بد من الإشارة في المقدمة إلى أهم القضايا التي يريد أن يدرسها حتى تتكون للقارئ فكرة رئيسة عن الكتاب. وهذا هو ما غاب عن المؤلف.
(2). لقد أبدع الكاتب –في نظري- في الباب الأول لما عرض لأهم نواحي الحياة في عصر ابن تيمية، ذلك أنّ مثل هذه الإشارات مهمة وتنطوي على فهم دقيق للظروف الخاصة التي عاشها ابن تيمية واكتوى بنارها، ومن ثمَّ يتسنى لنا الفهم الدقيق لمنهجه المعرفي ولخصائصه في التأليف، وفي الرد على مخالفيه، وفي اجتهاداته، وفي دحض آراء الفرق الكلامية سواء ممن سبقوه أو عاصروه...
إنّ تعرض الأستاذ إبراهيم عقيلي للنواحي العلمية والتيارات الفكرية، وكذا النواحي الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، سيُفيد القارئ بلا شك مما يقرِّب الصورة لذهنه لأجل فهم آراء ابن تيمية ومنهجه بطريقة أوضح.
لقد أشار مؤلف الكتاب في الباب الأول إلى منهج ابن تيمية في البحث والتأليف، وهذا من صميم موضوع الكتاب، فبيَّن المؤلف تأثير المذهب الحنبلي فكراً وعقيدة في تفكير شيخ الإسلام، ممَّا مكَّنه من رحابة الاطِّلاع على السنة الصحيحة وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، فاقتنع شيخ الإسلام بسداد المنهج السلفي وسلامه من التناقض والخلل حيث لا إشكال ولا تناقض بين صحيح النقل وصريح العقل، ولا اصطدام مع منهج المعرفة عند ابن تيمية الذي اعتمد في بحثه وتأليفه على قواعد المنهج التالية:
1. الاعتداد بنصوص الوحي.
2. تقديم النقل على العقل.
3. منع التعارض.
4. الكف عن التأويل.
لقد أكرم الله تعالى شيخ الإسلام بقدرة هائلة على سرعة الكتابة والتأليف حتى عدّ الإمام الذّهبي تصانيف ابن تيمية نحو خمسمائة مجلداً منها ما هو معروف لدينا ومطبوع ومنها ما هو غير معروف.
(3). في الباب الثاني من الكتاب ذكر المؤلف منهج ابن تيمية في الاحتجاج باللغة حيث بين أن مفهومها عند شيخ الإسلام ليس هو المفهوم المعروف عند سابقيه من علماء اللغة، وهذا أمر مميز في المنهج المعرفي لشيخ الإسلام، فهو لا ينظر إليها على أنها طريق من طرق العلم الثلاث، وهي الخبر والحس والعقل، وإنما هي في مفهومه: أداة تواصل وتعبير عما يتصوره الإنسان ويشعر به، فهي وعاء للمضامين المنقولة سواء أكان مصدرها الوحي أم الحس أم العقل. وهذا فرق منهجي كبير ذو بال كما سيأتي ذكره في موقف ابن تيمية من المجاز والتأويل.
رجّح شيخ الإسلام في نظر اعتبار اللغة إلهاماً للإنسان في الأصل، كما يلهم الحيوان الأصوات التي يتفاهم بها، واعتمد ابن تيمية في رأيه هذا على قوله تعالى ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ (النحل: 68)، وعلى قوله تعالى حكاية عن سليمان: ﴿ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء﴾ (النمل: 16)، ومصداقاً لقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (الرحمن: 1-4) فإن الإنسان لا يخرج عن هذه السنة التي تجري على الحيوان، فهما ملهمان بالتغيير عما يريدانه ويتصورانه بواسطة الألفاظ.
لقد أنكر شيخ الإسلام أن تكون العرب قد اتفقت ابتداء على وضع ألفاظ معينة للمعاني، ثم استعملتها فيها وفي غيرها على سبيل المجاز، ودليله على ذلك عدم وجود دليل قطعي على حصول اتفاق وإجماع من طرف جماعة معينة من العقلاء على وضع الأسماء جملة، وإنما المعلوم والمعروف والمشهور هو استعمال العرب للألفاظ فيما أرادوه من المعاني.
أقر ابن تيمية في كتابه الفتاوى بالوضع الأصلي للاستثناء في اللغة، ولكنه شدد وأكد على أن العرف هو الذي يتصرف في المعنى الأصلي للَّفظ إما تعميماً أو تخصيصاً أو تحويلاً.
بيّن المؤلف أيضا احتجاج ابن تيمية بالاستعمال اللغوي معللاً ذلك بأنه واقع في كلام العرب بالضرورة، وما دامت قد استعملته في شعرها ونثرها لمعان معينة فلا بد من الاحتجاج به في مواضع النـزاع، واشترط ابن تيمية لذلك شرطاً وهو أن يكون الكلام صادراً عمّن يحتج بلغتهم ممن كانوا في المدة السابقة لنشوء اللًّحن وظهور التوليد في اللغة.
تنازع الناس في علاقة الشرع باللغة: هل فيها أسماء شرعية نقلها الشارع في مسماها، أم أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة؟ فكان جواب ابن تيمية حول هذا النـزاع أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيّدة لا مطلقة.
عَمَدَ عقيلي بعد هذا إلى الحديث عن اللغة بين الحقيقة والمجاز في رأي ابن تيمية، الذي أنكر وجود المجاز في القرآن أو اللغة وحمل جميع الألفاظ على الحقيقة موافقاً في ذلك الإمام الظاهري وأبا إسحاق الأسفراييني. وابن تيمية ينفي المجاز على أساس أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز لا يصح إلا بثبوت وضع متقدم على الاستعمال، وهذا ما لا يمكن إثباته بنقل صحيح عن فصحاء العرب.
بعد بيان إنكار ابن تيمية للمجاز وأدلّة القائلين بالجواز مثل الجاحظ وابن قتيبة السُّنِّي وعبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري، عمد المؤلف إلى بيان جوهر الخلاف بين المجوزين والمانعين للمجاز، فبين أن الخلاف لا يدور أصلاً حول وجود الواقع اللغوي بشقيه الحقيقي والمجازي في كلام العرب نظماً ونثراً، وإنما يدور حول تفسير هذا الواقع اللغوي. فالقائلون بالمجاز يحتجون بالوضع السابق على الاستعمال، إذ جميع المسميات لا بد لها من أسماء خاصة يستدل بها عليها عند الإطلاق، وذلك يقع ضرورة عند التخاطب لأجل التفاهم. أما المانعون للمجاز -و ابن تيمية منهم- فيحتجّون بالواقع اللغوي، إذ وجود الألفاظ المجازية والألفاظ الحقيقية مع بعض، في كلام العرب دليل على أنهم لم يفرقوا بينهما بحدٍّ، مع صحة أفهامهم وعمق درايتهم بمقاصدهم وأساليبهم في التعبير، لا لسبب إلا لأن هذا التقسيم غير مستساغ عقلاً.
إن المنهج المعرفي لابن تيمية لا بد أن يقودَنا إلى الحديث عن موقفه –رحمه الله- من التأويل، والخلاف في هذه المسألة بينه وبين غيره لا يدور حول وجود التأويل أو عدم وجوده، وإنما يدور حول مفهومه ومعناه. فقد خالف ابن تيمية أن يكون التأويل في لغة القرآن معناه صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لِدليلٍ يقترن به، وهذا ما استقر عليه رأي الجمهور، بل يرى شيخ الإسلام –مخالفا ما سبق- أن لفظ التأويل في لغة القرآن والسنة وكلام السلف قد ورد بمعنيين: أحدهما الحقيقة الخارجية التي يصير إليها الكلام، والآخر تفسير الكلام وبيان المراد منه.
في سياق الحديث عن ظهور التأويل الاصطلاحي، أشار المؤلف إلى أن أبا الفرج ابن الجوزي عرَّف التأويل بأنه: "نقل الكلام عن وضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ"، دون أن يذكر المؤلف المصدر الذي استقى منه هذا التعريف.
إن أي تأويل في نظر ابن تيمية لا يطمح إلى التعرف عن مراد الشارع من الوجه الذي قصده، ويتكلّف في إخراج الألفاظ عن معانيها المعروفة وعن سياقها الذي وردت فيه، وحملها على معان غريبة وشاذة، مرفوض شرعاً وعقلاً. فالواجب علينا أن نتحرى مراد الشارع في كل سياق على حدة، فالقدرة مثلاً تطلق في سياق ويراد بها صفة الله عزّ وجل، وتطلق في سياق آخر والمراد منها المقدور وفي سياق ثالث يراد بها تعلق المقدور بالقدرة. والكلمة قد يراد بها نفسها الصفة القائمة بالموصوف، وقد يراد بها المفعول نفسه باعتبار أنه وجد بالكلمة. وعيسى عليه السلام ليس هو نفس الكلمة "كُن"، ولكن كائن بالكلمة "كُن".
(4). عمد المؤلف في الباب الثالث من هذا الكتاب إلى جزء مهم من أجزاء المنهج المعرفي عند ابن تيمية ألا وهو الاحتجاج بالنقل في إطار منهج شيخ الإسلام، حيث يُعد السمع أو النقل أهم مصدر للمعرفة الصحيحة وأهم ميزان لوزن الأفكار وتقويمها عند ابن تيمية.
إن النقل عنده من قبيل الخير الذي يتوقف الاحتجاج به على صدق المخبر فقط، كما هو الحال في الأخبار التاريخية والقصص، بل يتضمن أيضاً ما هو حق في نفسه لما فيه من الدلائل العقلية والبراهين الصحيحة والقضايا اليقينية المطابقة للواقع.
وابن تيمية يردُّ على من قدَّم العقل على النقل أمثال الرازي وغيره من المتكلمين لأن ثبوت النقل غير متوقف على العقل، وهو في هذا الصدد يعارض من زعم بأن السمع موقوف على مقدمات ظنية، ويجب تقديم العقل عليه مطلقاً. فالعقل الصريح لا يتعارض أبداً مع النقل الصحيح عنده بل هما متعارضان متوافقان غير متناقضين، فإن حدث تراض بينهما فلا بد أن يكون أحدهما ظنياً.
تظهر في منهج ابن تيمية في تفسير القرآن الكريم عناية فائقة به نظراً لقدسيته وعلو شأنه وتضمنه لأصول العلم والهداية.
لقد كان التعسف في تأويل كلام الله وتحريف الكلم عن مواضعه، الدافع المحفّز لابن تيمية للاهتمام بالتفسير مما جعله يضع ضوابط قويمة وصارمة للتفسير الصحيح. فقد احتفى شيخ الإسلام بالتفسير بالمأثور وألزم نفسه بضوابطه، ولقد حدد ابن تيمية الخطوات المنهجية للتفسير السليم في خمس نقاط هي:
1. تفسير القرآن بالقرآن
2. تفسير القرآن بالسنة.
3. تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
4. تفسير القرآن بأقوال التابعين.
5. تفسير القرآن باللغة.
يرى ابن تيمية أنه إذا لم يجد المفسِّر ما يرجع إليه في تفسير القرآن الكريم، رجع إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك.
إن منهج ابن تيمية المعرفي يدفع به إلى الجمع بين عبارات السلف إذا اختلفوا في التفسير، لأن ذلك عنده هو اختلاف تنوّع لا تضاد، فَيُخَرِّجُ آراءهم وعباراتهم تخريجاً حسناً باعتبار أنها جميعاً عبرت عن الحق إما بصفاته المتنوعة أو بأنواعه أو بنظائره.
إن تفسير القرآن بمجرد الرأي وبدون اتّباع الضوابط التي وضعها شيخ الإسلام حرام في نظره، بمقتضى النصوص الواردة في النهي عن القول بغير علم في كتاب الله، فالتفسير المذموم هو المبني على مجرد الرأي الذي لا دليل معه أو على نقل غير مصدّق، إذ الدّين لا يُبنى على نقل وَاهٍ أو استدلال غير محقق.
يرى المؤلف أن لتفسير ابن تيمية خصائص منهجية وإن لم يكن له تفسير كامل يشمل آيات وسور القرآن الكريم –تتلخص فيما يأتي:
أ. هو تفسير ظاهري، أي: أنه اعتمد المنهج الظاهري، وهو ليس بتفسير مُنضَوٍ تحت المذهب الظاهري الذي لا يعتمد فحوى الخطاب ولا القياس، وإنما يعني مخالفة للتفسير المجازي والتأويلي وكذا التفسير الباطني والإشاري.
ب. تفسير القرآن بنفسه.
ج. احتجاجه بالقراءات، ذلك أنها سُنَّة متبعة لا ينبغي ردها.
د. دور أسباب النـزول في التفسير، فهي ذات أهمية كبرى لأنها تكشف عن ظروف التنـزيل وأحواله وصفات المنـزل فيهم، ويرى ابن تيمية في هذا المجال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
هـ. أقوال المفسرين لا سيما الأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين.
و. أقوال أهل اللغة والنحو: يحتج ابن تيمية بأقوال اللغويين والنحاة كثيراً في تفسيره، أما إذا اختلفت أرآؤهم في معنى الألفاظ القرآنية وفي إعرابها، فإنه يرجع القول الذي معه دليل محقق.
ي. الاستنباط الشخصي هو أبرز خصائص ابن تيمية لأنه يرجح ويوجّه ويصَّوب ويضعَّف ويبطل أقوال المفسرين مستخدماً في ذلك منهج الاستدلال والتعليل والمقارنة.
عرّج المؤلف بعد هذا إلى بيان أصول الاستنباط الفقهي عند ابن تيمية، وهو في الحقيقة قسم مهمُّ جداً من أقسام منهجه المعرفي، وقال الكاتب: إن المجهود الفقهي لشيخ الإسلام يمكن أن يُنظر إليه من زاويتين: الأولى: كون اجتهاده الفقهي ينبغي عدّه مستقلاً لخصوصياته، والثانية: كونه امتداداً للمذهب الحنبلي. والصواب في رأي المؤلف: هو الجمع بين الأمرين، فهو تابع لأصول الإمام أحمد بن حنبل العامة، ومستقل في اجتهاداته الفقهية، فتارة يوافق المذهب الحنبلي وهو الغالب، وتارة يخالفه، بل يخالف المذاهب الأربعة جميعاً أحياناً، كما في فتوى الطلاق. لقد التزم ابن تيمية في الغالب الأعم في استنباطاته الفقهية أصول الإمام أحمد إلا في بعض المسائل القليلة مما يرجح كون ابن تيمية مجتهداً في المذهب وليس مجتهداً مطلقاً.
وعلى الرغم من كونه يفصل بين الكتاب والسنة من حيث الرتبة، فإنه عند الاستنباط لا يفرق بينهما، وهو يحتج بإجماع الصحابة، فإذا اختلفوا رجَّح القول الذي دلت عليه الأصول، فلا يتوقف غالباً في الترجيح بينها، كان يرجِّح أقوال الإمام أحمد بعضها على بعض.
أما موقف ابن تيمية من النسخ فهو واضح لا غبار عليه، يجعله خاصاً وقاصراً على رفع حكم النص، وموافقاً بذلك جمهور الأصوليين، فهو عنده لا يكون إلا في الأحكام من أوامر ونواهٍ، ولا يكون في الأخبار والعقائد. ولا يقبل ابن تيمية نسخ القرآن بالسنة لأنها ليست أعلى منه مرتبة وفضلاً، وكذلك الشأن عنده في نسخ القرآن بالإجماع فهو لا يحدث تماماً وهو رأي الجمهور أيضاً. ويذهب ابن تيمية إلى القول بحجية الإجماع موافقاً في ذلك جمهور العلماء، وهو ينفي بناء الإجماع على القياس معتمداً على الواقع، فما دام النص يجوز أن يكون هو مستند الإجماع، فلا ينبغي العدول عنه في رأيه. لا سيما أن القطعي منه يترتب على إنكاره تكفير المنكر، فمن غير المعقول أن يكون أصله مبنياً على دليل ظني يجوز أن تختلف فيه أنظار العلماء.
أنهى المؤلف كتابه بالتعرض لمنهج ابن تيمية في الاحتكام إلى العقل فجعله الباب الرابع من مؤلفه، فالعقل في نظر ابن تيمية ليس جوهراً قائماً بنفسه ولا علوماً ثابتة موجودة عند كل إنسان، وإنما هو عرَض وصفة يكتسبها الإنسان، وعلوم يحصل عليها بواسطة الغريزة الموجودة فيه بالقوة، والثابت عند كل إنسان هو العقل الفطري (الغريزي) وهو موجود لدى جميع الناس، والمتغير هو العقل الإكتسابي، وهذا يحدث فيه التفاضل، فبقدر تحصيل العلوم والمعارف بقدر ما يسمو عقل المحصِّل للعلم. إن المعرفة العقلية نسبية عند ابن تيمية، لهذا يحتاج الإنسان إلى مصادر معرفية أحرى كالحس والنقل. فالاعتماد على القضايا الحسية ضروري في المعرفة العقلية، إذ بدونها تكون أحكامه مجردة من اليقين وعارية من الأدلة الواقعية الشاهدة على صدقها. وكذلك الشأن بالنسبة للقضايا النقلية الشرعية فهي لازمة لأية معرفة عقلية، لا سيما في القضايا المعنوية التي ليست لها قيمة محددة وثابتة. فالعقل إذن وحده لا يمكنه الاهتداء إلى معرفة الشؤون المعنوية وموازين الخير والشر، والحسن والقبح، والنفع والضرر، والمعروف والمنكر، والحق والباطل، والعدل والظلم، والواجب والمحرم والمكروه والمباح. فلولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، كم قال ابن تيمية.
لاحظ المؤلف عن شيخ الإسلام في منهج استنباطه العقلي أنه قد حد من الاعتماد على العقل بمفرده، ورفض استقلاله واستغناءه عن بقية المصادر المعرفية الأخرى، ورفع بالمقابل من قيمتها وجعلها على الأقل موازية له. وأيّد علاقة التكامل والتواصل بينها، فلم يُلغ بعضها على حساب بعض، ولم يُعمل ببعضها دون بعض، وإنما كان يقدم دائماً أرجح الأدلة وأقواها حجّة.
فلم يكن ابن تيمية مثل كثير من أهل الكلام ممن يذمون العقل ويعيبونه، ولا مثل كثير من المتصوفة ممن يعظمون المعارف والأحوال التي تحصل لهم عند غياب العقل، ولا مثل بعض أهل الحديث ممن يعارضون العقل بالسنن ويعزلونه عن محل ولايته، ولا مثل المعتزلة الذين يقدمون العقل على النقل.
لقد تنبَّه ابن تيمية في هذا المجال أيضا إلى قضية كون العلوم نسبية وإضافية. فليس هناك قضايا أولية عند كل أحد ولا مشهورة عند كل أحد، وإنما ذلك أمر نسبي بحسب أحوال الناس، وبحسب قوة التصور، فإذا كان تصور الشيء تاماً كان يقينياً، وإذا كان ناقصاً عُدَّ مظنوناً.
ولا يوافق ابن تيمية المتكلمين كالمعتزلة ومن نهج نهجهم من الأشاعرة، على أن معرفة الله واجبة بالنظر دون غيره، إذ في هذا حصر للطريق التي يعلم بها وجود الله لكونه خالقاً مدبراً لهذا الكون، بل معرفة الله حاصلة للخلق ضرورة بالفطرة، لكن قد يعرض للنفوس ما يغير فطرتها فتحتاج في الإقرار بوجود الله تعالى إلى النظر وغيره كالإلهام والتصفية... وأما إيجاب النظر على كل أحد فهو باطل عند ابن تيمية، ودليله أنه لو كان ذلك صحيحاً لوجب على كل الرسل دعوة الناس إلى النظر ابتداء، وليس الأمر كذلك.
وأثناء الحديث عن طرق الاستدلال العقلي عند ابن تيمية، بيَّن المؤلف أن شيخ الإسلام لا يوافق المناطقة على حصرهم للدليل في القياس الشمولي والاستقراء والقياس التمثيلي، إذ في هذا تضييق لطرق الاستدلال عنده، فهو يرجِّح رأي النُظَّار من المسلمين في اعتبارهم الدليل بمعنى المرشد أو الهادي المطلوب عموماً، والضابط لكون الدليل دليلاً عنده هو استلزامه للمدلول عليه. ومجرد النظر العقلي عند ابن تيمية غير كاف بل يضيف إليه سبباً آخر وهو ذكر الله تعالى حتى يصير المحل قابلاً للهداية، وفي هذا الصدد أورد المؤلف قصة الشيخ أحمد الحيوقي المعروف بالكبرى، ودخول فخر الدين الرازي ورجل آخر من المعتزلة عليه ليبين أهمية الذكر في المعرفة، إلا أن القصة لا تفي بالمراد فهي غير واضحة وغير مفهومة، ولا تحقق مراد المؤلف فيما يريد التعبير عنه.
لقد رد ابن تيمية القياس الأرسطي ولم يقبله بوصفه قانوناً يعصم الذهن عن الزلل في الفكر، فهو يذهب إلى الرد على الإمام الغزالي في عدّه تعلم المنطق فرض كفاية وأن من لا يحيط به فلا ثقة بعلومه، حيث استعمله الغزالي في أصول الفقه خاصة في كتابه المستصفى من علم الأصول.
وابن تيمية وإن رفض بشدة أن يكون المنطق ميزاناً للمعرفة الصحيحة أو أن يكون وسيلة لها، إلا أنه كان يبني في نفسه منطقاً آخر سماه المؤلف "المنطق العادي الفطري". فلقد بين ابن تيمية أن القياس ينقسم بحسب مادته إلى :
أ. البرهاني: وهو ما كانت مقدماته معلومة.
ب. الجدلي: وهو ما سلمت مقدماته من طرف المخاطب.
ج. الخطابي: وهو ما كانت مقدماته مشهورة بين الناس.
د. الشعري: وهو ما أفادت مقدماته التخييل.
هـ. المغلطي: وهو ما كانت مقدماته سوفسطائية مموهة.
وأما بحسب صورته فينقسم إلى:
أ. القياس الاقتراني أو الحملي: وهو ما سماه الغزالي بقياس التعادل.
ب. القياس الاستثنائي: وهو نوعان: قياس التلازم أو الشرطي المتصل، وقياس التعاند أو الشرطي المنفصل والتقسيم والترديد.
ويَعتبِر شيخ الإسلام قياس الغائب على المشاهد طريقاً صحيحاً للعلم بالأحكام العامة التي تشمل جميع الأفراد، لأنه لا يمكن في الحقيقة العلم عن طريق الحس إلا بالمحسوسات المعينة، فلا يمكن العلم بنظائرها الغائبة إلا بطريق هذا النوع من القياس.
إن خاصية الحس عند ابن تيمية هي العلم بالأشياء الجزئية المعينة في الخارج، بينما خاصية العقل عنده هي العلم بها كلية مطلقة، فوظيفة الحس إذن هي العلم بالقضايا الجزئية كما هي في الواقع، ووظيفة العقل هي التعميم عن طريق الاعتبار والقياس، وهذه العلاقة بينهما. فابن تيمية يطعن ويرد ما ادعاه المناطقة والفلاسفة من وجود ماهيات مجردة عن القيود السلبية والثبوتية، متحققة في الخارج كالمثل الأفلاطونية وما جاء عند ابن سينا بعده.
وتنقسم المعرفة الحسية عند ابن تيمية إلى نوعين:
1. ما يدرك بطرق الحس الظاهر، وهو يختص بإدراك الإحساسات الخارجية عن طريق الحواس الخمس، وهي تستوعب جميع المسموعات والمرئيات والمشمومات والمذوقات والملموسات.
2. ما يدرك بالحس الباطن، وهو يختص بإدراك المشاعر الباطنة التي يجدها الإنسان في نفسه، كالشعور باللذة والألم والجوع والشبع، والحزن والسرور، والحب والبغض، والري والعطش.
يتسع مفهوم التجربة عند ابن تيمية ليشمل ليس فقط ما يجرّبه الإنسان من أمور بفعله وإرادته، بل يشمل أيضاً ما يجربه بعقله وحسه من غير مباشرة للشيء المجرب. والتجربة المفيدة للعلم في نظر ابن تيمية هي المبنية على قانون العلّية، أي لكل معلول علّة، وقانون الإطّراد في وقوع الحوادث عقب وجود أسبابها.
(6). اعتبر المؤلف خاتمة الكتاب خلاصة للبحث، وهذا ليس بموضوع الخاتمة، إذ أنها في الحقيقة لا بد وأن تبين آفاق البحث وما يرجوه المؤلف من زيادة وتحسين وإضافة نوعيّة ومنهجية لبحثه، وليس فقط مجرد تلخيص لما سبق عرضه في ثنايا الكتاب.
وعلى العموم، فإنه حريّ بكل من اختار طريق العلم من أساتذة وطلبة أن يطالعوا هذا الكتاب لأنه يمثل نموذجاً جاداً للقراءة المعرفية لتراث شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وتحليلاً دقيقاً لمنهجه المعرفي المتميّز، وهو في الوقت نفسه بيان للمعايير التي احتكم إليها في ردّ آراء سابقيه ونقدها وبيان أيضا للمصادر المعرفيّة التي بنى عليها اجتهاده واستنباطه. فجزى الله الأخ الفاضل الأستاذ المؤلف خير الجزاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

الأحد، 23 مارس 2014

مراكز البحث العلمي في إسرائيل

 مراكز البحث العلمي في إسرائيل

السياسات - الأهداف - التمويل

 


المحتويات :
أولاً: واقع التعليم العالي في اسرائيل
- ثانياً: استراتيجية "اسرائيل" في البحث العلمي
- ثالثاً: وفرة الباحثين، واستقدام الكفاءات البحثية، وارتفاع معدل الانتاج البحثي
- رابعاً: المخصصات المالية المجزية للبحث العلمي
- خامساً: تشجيع الابتاكر والمبادرات الفردية
- سادساً: اشتراك القطاع الخاص لتسويق البحث العلمي
- ثامناً: نفوذ المؤسسات البحثية لدى صانع القرار الاسرائيلي
- تاسعاً: نماذج اسرائيلية من مراكزالابحاث
- عاشراً: القواسم المشتركة للمراكز البحثية الاسرائيلية

 حول "مراكز البحث العلمي في إسرائيل - السياسات، الأهداف، التمويل" من تأليف عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة للتعليم المفتوح بغزة عدنان أبو عامر.

ويقدم الكتاب، وهو الإصدار الـ 20 للكاتب أبو عامر، حقائق ومعطيات جديدة حول مراكز البحث العلمي في "إسرائيل"، وعلاقتها بصانع القرار، ويلمح للتجربة البحثية الإسرائيلية والعوامل الرئيسية التي وقفت وراء النهضة العلمية والتقدم التقني فيها.
عوامل النهضة
ومن أهم تلك العوامل، وفق الباحث، الموارد البشرية التي اعتمدت أساسا على موجات الهجرة، رؤوس الأموال من الخارج، والسياسة العلمية، وارتباط عملية التطور الشامل بصورة وثيقة بالتطور العلمي الذي أدى لتطور مجالات الحياة الأخرى.

ويعود بروز الجامعات الإسرائيلية في البحث العلمي إلى تخصيص ميزانية مستقلة ومشجعة للبحوث العلمية، كما أن الحصول على منحة بحثية لا يستغرق إجراءات طويلة ومعقدة مع الجهات المانحة، فضلا عن كونها لا تركز فقط على عملية التدريس، بل تمنح قسطا وافرا من تركيزها على البحوث العلمية لأسباب عدة.

وحسب أبو عامر، هدف الكتاب لدراسة محاور الاستراتيجية العلمية البحثية الإسرائيلية، من خلال تتبع آليات وطرق التمويل، الرسمي والأهلي، لها عبر إبراز عناصر استراتيجية تمويل البحث العلمي في "إسرائيل"، ودراسة تأثير التمويل بشقيه الرسمي والأهلي على مسار التقدم البحثي، وإبراز الإنجازات التي تحققت نتيجة لهذه الاستراتيجية التمويلية.

ويهدف الكتاب كذلك لتحقيق جملة من الأهداف والأغراض، من أهمها التعرف على طرق تمويل البحث العلمي في "إسرائيل"، وبيان أثره في تعدد مجالاته، والدور الذي يقوم به في مجال التنمية، والتعرف على الأجهزة القائمة عليه.

كما يرمي الكاتب للكشف عن إسهام بعض الجامعات الإسرائيلية في توفير بعض الإمكانات الضرورية لأعضاء الهيئات التدريسية فيما يخص البحث العلمي، بالإضافة لتسليط الضوء على حجم دعم وتمويل مؤسسات ومراكز البحث العلمي في "إسرائيل"، ومعرفة الاتجاهات البحثية الأكثر دعما فيها.

واعتمد الكتاب على المنهج الوصفي، لأنه يناسب طبيعته، حيث يمكن الاستفادة منه لوصف التطور الذي مرت به مسيرة تمويل البحث العلمي في "إسرائيل"، من حيث نشأته وتطوره، ودوره بتحقيق مطالب التنمية، ومجالاتها.

يشار إلى أن مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية لعبت دورا بارزا في تزويد صانع القرار بخيارات وبدائل شتى إزاء كل القضايا التي تهم حاضرها ومستقبلها في المنطقة.
مستويات المراكز
وخلص الكاتب إلى أن مراكز الأبحاث في "إسرائيل" ذات ثلاث مستويات رئيسية، هي: المستوى الأكاديمي البحثي: والمستوى الإسرائيلي العام، والقطاع الجامعي، ومستوى صناع القرار، وفي المستوى الأخير تصقل خلاصة هذه الأبحاث لتعرض على شكل توصيات تقدم لمتخذي القرارات، وواضعي السياسات الإسرائيلية في مجالات مختلفة.

ويرى الكاتب في كتابه إلى أن "إسرائيل" استطاعت رغم ضعف مواردها، وقلة عدد سكانها، وضيق مساحتها، والتهديدات الموجهة لأمنها، بحكم أنها كيان استيطاني أقيم على أرض لا يملكها، أن تخلق تجربة عصرية، وأن تتبنى استراتيجية واضحة المعالم راسخة الأركان للبحث العلمي، مستغلة كل الظروف المتاحة.

وهناك أنواع عدة لمراكز الأبحاث الإسرائيلية تتميز بعدة خواص أهمها، وفق أبو عامر، أنها تعتمد على صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين الإسرائيليين في معظمها، وأن آليات عملها تحمل وجوهاً من التفاسير، خصوصاً في المواد المنشورة، في ظل تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه المراكز المكلفة جدا.
توصيات الكاتب
وأوصى الكاتب بمتابعة ورصد مراكز التفكير والأبحاث الإسرائيلية الهامة، خاصة من لها إسهامات جارية في صنع وتقرير أو تبرير السياسات والاستراتيجيات الحالية أو المستقبلية، للقيام بدراسات نظيرة أو مقابلة، تحاول كبح جماح صانع القرار الإسرائيلي من جهة، وتدفع القائمين على تلك المراكز للأخذ بعين الاعتبار العامل العربي والإسلامي.

كما أكد على أهمية تقديم رؤية علمية متكاملة حول مختلف السياسات والاستراتيجيات والتوجهات الإسرائيلية التي تهم الفلسطينيين والعرب، بعيدا عن الاجتزاء والاختزال والتبسيط والتفكير الأحادي لدى التعاطي مع الظواهر المركبة من قضايا ومصالح واستراتيجيات.

كما دعا لإتاحة الفرصة الأكاديمية لدراسة واختبار الكثير من المقولات الفكرية والسياسية والاستراتيجية التي تداولها العقل العربي وحركات النهوض والإصلاح والاستقلال في القرن الماضي حول علاقة العالم العربي بالظاهرة الصهيونية وقضايا التحديث والنهوض والحريات.

وشدد على ضرورة إنجاز تراكم في المعرفة والخبرة حول مختلف القضايا ذات الصلة، والمساهمة به في تنوير وتدريب المهتمين من رجال أعمال ودبلوماسيين وإعلاميين وقادة الرأي العام، ونقل التجربة الإسرائيلية في هذا المجال، لاسيما من ناحية "استغلال" وتوظيف جميع الطاقات والكفاءات المتوفرة في المجتمع، والمتواجدة في دول المنفى.

كما اقترح أبو عامر تكوين مكتبة أكاديمية جيدة تغطي بقدر الإمكان الموضوعات الأكثر أهمية في التاريخ والحضارة والاجتماع الإسرائيلي، وما يستجد من مصادر أو مؤلفات مهمة في القضايا ذات الصلة بمجالات الاهتمام، وتوفير مصدر توثيقي لما يمكن الحصول عليه من مصادر ووثائق ومواد ذات صلة بهذه الاهتمامات



السبت، 22 مارس 2014

الإسلاميون ومراكز البحث الأمريكية

الإسلاميون ومراكز البحث الأمريكية

دراسة في أزمة النموذج المعرفي



يسعى الكتاب الذي صدر في 378 صفحة، ضمن منشورات مركز "نماء" ببيروت، إلى تسليط الضوء على توجهات المراكز البحثية الأمريكية ومقولاتها وحججها ومسارات اشتغالها وتحولات اهتمامها، ثم التنقيب عن بعض المحددات التي تفسر تحولات مقارباتها للحركة الإسلامية، وذلك من خلال نموذجين متمايزين: معهد واشنطن ومعهد كارنيجي.
وقسم التليدي بحثه إلى ثلاثة فصول، يتناول أولها الإطار الوصفي الذي يعرض أدبيات المركزين وكيف كان شكل تعاطيهما مع الإسلاميين في المراحل الثلاث، ما قبل الربيع العربي، وأثناءه وما بعده، ويتناول الفصل الثاني توجهات المركزين ومقولاتهما ومسارات تعاطيهما مع الإسلاميين، بينما يخصص الفصل الثالث للتنقيب في المحددات التي تفسر تحولات مقاربة المركزين لهذه المسألة، وتشخيص"أزمة النموذج المعرفي" التي تعتريها.
يبحث الكتاب في الإطار الفكري والنسق النظري الذي جعل كلا من معهد واشنطن ومعهد كارنيجي يناقشان موضوعا واحدا يخص التعاطي مع الإسلاميين، وينتهيان إلى نتائج متناقضة، "يدعو الأول فيها إلى إقصاء الإسلاميين والعمل بكل الوسائل على ألا يصلوا إلى السلطة خوفا على الديموقراطية منهم، بينما يدعو الثاني إلى إدماجهم وتشجيع الحركات المعتدلة، تقوية للديموقراطية وتعزيزا للإصلاح السياسي في العالم العربي".
وقدم الباحث محمد جبرون الكتاب بوصفه جهدا بحثيا ضخما يقرب القارئ العربي من مضمون أدبيات مركزين بحثيين شهيرين في الولايات المتحدة، يعرفان بثقل مخرجاتهما لدى صناع القرار الأمريكي، فضلا عن المستوى التحليلي والنقدي الذي يضع دراسات وأوراق المركزين في ما يتعلق بالفاعل السياسي الإسلامي في ميزان التشريح النظري المقارن.
أما المؤلف بلال التليدي، فأوضح بالمناسبة أن الكتاب محصلة لمشروع بحثي تواصل لأزيد من عقد من الزمن (من 2002 إلى 2013)، حيث تابع مجمل أدبيات مركزي واشنطن وكارينجي التي تناولت الحركات الإسلامية، خلال هذه الفترة، والتي عددها في 30 و 28 دراسة على التوالي.
ويجمل التليدي خلاصات الكتاب في تبيان أن التحولات والانتقالات التي شهدتها أدبيات هذين المركزين تجاه الفاعلين الإسلاميين في المشهد السياسي العربي، لم تكن نتيجة تجديدات منهجية أو اجتهادات نظرية خالصة من قلب موضوع البحث، بل عكست توجهات براغماتية يؤطرها الحرص على تحصين المصلحة القومية الأمريكية في المنطقة الشرق أوسطية. 

الجمعة، 21 مارس 2014

السياسة التعليمية والتوجه الأيديولوجي

السياسة التعليمية والتوجه الأيديولوجي فى جمهورية مصر العربية
قبل عام ١٩٧٣ ومابعده
( دراسة مقارنة عبرتاريخية )

دكتور /خالد حافظ








اعتبرت مصر التعليم مشروعها القومى الأكبر ، وجعلته أولى الأولويات القومية وركيزة الأمن
القومى، كما اعتبرت التعليم ركيزة أساسية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، لذا تتعاظم الدعوة
لإصلاح وتقويم النظام التعليمي ؛ نظرا لما يواجهه المجتمع المصري من تغيرات عميقة وسريعة على
الصعيدين المحلي والعالمى . فعلى الصعيد المحلي قامت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ؛ لتسقط نظاما سياسيا
مستبدا , وتنطلق نحو المستقبل برؤية جديدة . وعلى الصعيد العالمي تتجلى العولمة والتطور السريع
للعلوم والتكنولوجيا ونشوء مجتمع المعرفة ، والتى ترتب عليها تغيرات جوهرية سياسية واقتصادية ؛
مما أحدث تغييرا فى نظم العمل ؛ أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بجانب الأزمات التنموية والبيئية في
العالم .
وقد انعكست كل هذه التحديات على السياسة التعليمية في مصر سلبا وإيجابا , الأمر الذى يتطلب
مراجعة فاحصة لمجمل مسيرة النظام التعليمى في مصر ، وأخذ العبر والدروس من الجهود السابقة
التى بذلت لرفع كفاءة نظام التعليم ، حتى تنطلق المسيرة نحو المستقبل على أسس ومعايير علمية
لمواجهة تلك التحديات والمخاطر، ففهم التاريخ واستيعابه يفسر الحاضر الذى نعيشه ، فالحاضر ابن
الماضى ، والمستقبل المنظور هو وليد تفاعل كل من الماضى والحاضر.
فمسيرة التعليم متشابكة فى علاقة جدلية مع قوى المجتمع المهيمنة على السياسة والاقتصاد
والتراتب الاجتماعى ، ومع مواقع السلطة المتمثلة فيما ترمز له مؤسسة الدولة ، وما ترسمه من
توجهات فى إدارة المجتمع ، ومن ثم فإن معالجة حركة التعليم فى عمقها هى من صميم القضايا
. ( السياسية فى المقام الأول وفى التحليل الأخير ( ١

وبذلك ترتبط السياسة التعليمية بالقيادة السياسية ارتباطا مباشرا , الأمر الذي يحتاج إلى تحليل
العلاقة بين السياسة التعليمية وتوجهات النظام السياسي . فقد مرت السياسة التعليمية فى مصر
بتغييرات متعددة , منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ وحتى ثورة يناير ٢٠١١ , على إثر تغيير النظام السياسي
المصري توجهاته الأيديولوجية من الاشتراكية إلى الرأسمالية ؛ مما أثر بشكل كبير على حركة التعليم
فى مصر.
ومصر بحكم موقعها الاستراتيجي وتاريخها العريق ؛ تتأثر بمجريات الأحداث الدولية , فحين
أسفرت الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ عن ظهور قوتين عظميين في العالم : الولايات المتحدة
ومعها أوربا الغربية ، ذات التوجه الأيديولوجي الليبرالي, والاتحاد السوفيتي ومعه أوربا
الشرقية ، ذات التوجه الأيديولوجي الاشتراكي ؛ بدأت عملية استقطاب من الدول الكبرى نحو مصر .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ؛ قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ تعلن عن نفسها من خلال عدة
مبادئ من أهمها القضاء على الاستعمار , القضاء على الإقطاع , إقامة حياة ديمقراطية سليمة , إقامة
عدالة اجتماعية . " وتأرجح فكر الضباط الأحرار ما بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه الماركسي ؛ مما
يوضح أن حركة الضباط الأحرار لم تكن تمثل كيانا أيديولوجيا موحدا ، بل عرفت في داخلها أكثر من
اتجاه وأكثر من تيار ، وانعكس ذلك على مجلس قيادة الثورة الذي امتلك سلطة القرار الأخير في
، المجالين التشريعي والتنفيذي في مصر خلال المرحلة الانتقالية من يناير ١٩٥٣ إلى يناير ١٩٥٦
والذي ضم بدوره عدة تيارات أيديولوجية أدت إلى بروز خلافات بين أعضائه وإلى تصفيات داخلية .
(١) "
ثم استقر الأمر أن يسير نموذج التنمية في مصر على طريق النمو الاشتراكي (•) " يؤكد ذلك
البيان الذى ألقاه عبد المنعم القيسونى عن الحكومة… إنه بسبب ظروف محلية وإقليمية وعالمية اتجهت
( الدولة إلى إعلان التنمية استنادا إلى الأيديولوجيا الاشتراكية.( ٢
وفي ضوء ما سبق , بدأت السياسة التعليمية تلعب دورا مجتمعيا , من خلال رفع شعار العدالة
الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص التعليمية . وسيطرت الدولة على جهاز التعليم ، باعتباره أداة لبث
توجهاتها وأفكارها وجذب الطبقات الصغيرة والوسطى للأيديولوجية الجديدة . وفى الفترة من عام
١٩٦١ برز عنصر التخطيط , ومحاولة ربط التعليم بخطط التنمية المزمع تنفيذها والنظر إلى -٥٧
١٩٧٤ ، تبلورت السياسة التعليمية بشكل كاف , - التعليم باعتباره استثمار بشرى ، وفي الفترة ١٩٦٢
ونظرت إلى التعليم باعتباره أداة أيديولوجية للترويج للنظام ، واعتباره أداة لسد النقص فى العمالة
( الماهرة والفنية ، بعد عمليات التأميم والتمصير




نشأة الفقه الإسلامي وتطوره


3- نشأة الفقه الإسلامي وتطوره







نبذة النيل والفرات:
لقد حاول وائل حلاق في كتابه "نشأة الفقه الإسلامي وتطوره" أن يجذر الثقافة العربية الإسلامية في سياقها الحضاري العام، سياق ثقافة الشرق الأدنى بصورة عامة، تلك الثقافة التي كانت رافداً من روافد شرائع بلاد ما بين النهرين وفارس وغيرهما. فكان على الكاتب إذن أن يتجاوز ما سعى الفكر الغربي إلى ترسيخه منذ عقود عديدة حيث روح أطروحة مفادها أن الفكر الإسلامي وخاصة الفقه ليس سوى امتداد للفكر والمنطق اليونانيين، وقد نجح حلاق إلى حد بعيد في تأكيد استفادة الفقه الإسلامي من شرائع ما بين النهرين وأعراف عرب الجاهلية وعاداتهم فضلاً عما جاءت به الأديان الكتابية الكبرى، إلى جانب قيامه على الهدي القرآني والسنة النبوية طبعاً.

وما من شك في أ ن الكاتب استثمر ما كشفت عنه الدراسات الأثرية والحفريات المعاصرة في الجزيرة العربية من قيام حضارة مدنية مكينة في عدد من نواحيها، عرفت حياتها استقراراً أفاد من نشاط حركة التجارة بالمنطقة وهو ما سهل تأثر القبائل العربية بغيرها مت لشعوب في الممالك المتاخمة بل حتى في الإمبراطوريات البعيدة. وعلى هذا النحو ساغ له التشكيك في الصورة المتداولة عن الأعراب الرحل الذين يضربون في الصحراء بحثاً عن الكلأ والمرعى.

ثم وقف وائل حلاق عند مؤسسة القضاء في الفقه الإسلامي وكيفية تطورها منذ مرحلة البدايات حيث كان عمل القاضي امتداداً لما كان يعرف في العصور الجاهلية بدور التحكيم الذي ينهض به حكماء القبيلة وعقلاؤها، وصولاً إلى المرحلة التي بلغ فيها القضاء مرحلة النضج والاكتمال حيث صار القاضي يعين في هذا المنصب ويلتزم به دون غيره من المهام فتحول موظفاً من موظفي الدولة يجري عليه مرتب شهري ويرتبط بجهاز منظم يرأسه قاضي القضاة الذي تعينه السلطة المركزية، فبدأ الحديث حينئذ عن ضرب من التراتبية الإدارية شبيهاً بما تعرفه كل المؤسسات عندما تبلغ أشواطاً من النضج متقدمة. ويمثل هذا القسم من الكتاب في تقديرنا وجهاً من وجوه الطرافة إذ قلما وجدنا دراسة اعتنت بمجلس القضاء ومهام كل عضو من أعضائه ويبدو أن كتب تراجم القضاة وأخبارهم قد أسعفت الكاتب ببعض الإجابات التي أرقته بسبب ضياع محاضر القضاء وسجلات المجالس.

إن الفكرة المركزية لدى حلاق في جميع ما كتب من كتب ومقالات كما في كتابه هذا إنما مدارها على أن الفقه الإسلامي، في مستوى نشأة المذاهب وفي مستوى قيام مؤسسة القضاء جهازاً منظماً ومستقلاً وفي مستوى إرساء أصول الفقه علماً مكتملاً واضح المعالم، لم يتأسس إلا بعد مرور قرون من الزمان على مرحلة البداية الطبيعية الأولى، ولعل المثال الأوضح الذي كثيراً ما يعتمد عليه الكاتب هو تأسيس علم أصول الفقه حيث يلقي ظلالاً من الشك حول ريادة الشافعي في هذا المجال أو حول اعتباره الأب الروحي المؤسس له بل إنه يؤكد أن هذا العلم لن يعرض نضجه واكتماله إلا مع القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادي عشر للميلاد. وكذا الأمر بالنسبة إلى المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة فإنها لم تتشكل بالمعنى الدقيق للكلمة حيث تحولت إلى أنساق في الفقه متمايزة إلا بعد عقود من موت مؤسسيها الافتراضيين الذين تنسب إليهم وهم في الحقيقة لم يرسوا سوى مذاهب شخصية تعبر عن آرائهم الفردية الخاصة دون أن تمثل نسقاً في البارزين تأليفاً وجمعاً حيث أسسوا فعلاً هذه المذاهب الفقهية ولكنهم لما كانوا في المذاهب ونسبوها إليهم فنجحوا حينئذ في كسب الأنصار خاصة إذا كان المذهب منسجماً مع الإرادة السياسية للسلطة المركزية.

لقد كشف الكتاب أيضاً عن علاقة الفقه بالسياسة في الحضارة الإسلامية ووقف عند تلك المعادلة العسيرة التي تجمع بين نزوات رجال السياسة ورغبتهم في توظيف الدين لصالحهم من ناحية ورغبة الفقهاء والعلماء في ترويض الساسة وكبح جماح تسلطهم خدمة للشرع من ناحية ثانية وقد أبان الباحث عن خيوط هذه المعادلة العسيرة وأدرك أنها ضرورية بالنسبة إلى الطرفين فإذا كانت السلطة تجد في الفقه الرسمي سنداً لها ودعماً لمشروعيتها، فإن فقهاء الدولة وجدوا في السلطة اليد الطولى لتطبيق حدود الله وأحكامه بعد استنباطها من أصول الشريعة ولكن هذه المعادلة لم تخل في التاريخ الإسلامي من تصادم بدا في خضوع هذا الطرف إلى ذاك حيناً أو احتواء أحدهما لآخر حيناً آخر، فهل يمكن بعد هذا الحديث عن استقلالية الفقه في الإسلام عن الدولة استقلالية تامة؟

وهكذا لا يقدم كتاب حلاق تاريخاً للفقه الإسلامي وإضافة نوعية في مستوى الجدل السياسي/الديني في الثقافة والتاريخ الإسلاميين فحسب، وإنما هو بالإضافة إلى كل هذا تقييم دقيق للدراسات الغربية الحديثة والمعاصرة التي اهتمت بالفقه الإسلامي وتاريخه وتطوره، بل إن المؤلف يسائل الكثير من الأفكار التي صارت من قبيل المسلمات الرائجة في الدراسات العربية والغربية كلتيهما، ثم إن الكتاب، فضلاً عن تعدد وجوه طرافته بالنسبة إلى القارئ العربي، يمثل نافذة على آخر ما كتب من بحوث حول التشريع الإسلامي في الجامعات الغربية وحلاق لا يكتفي بالعرض وإنما يصوب ويضيف وينقد ما جاء فيها من أحكام حول تاريخ المذاهب الفقهية وما شهدته من تطور عبر العصور وما عرفته نظرية أصول الفقه من نضج واكتمال بفضل تراكم المعرفة عبر أجيال متلاحقة من الفقهاء والعلماء.


نبذة الناشر:
هذا الكتاب هو الجزء الثاني من ثلاثية يمكن قراءة كل منها بشكل مستقل صدرت باللغة الإنكليزية عن منشورات جامعة كمبردج البريطانية وهي على الشكل التالي:
1-تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام.
2-السلطة المذهبية التقليدية والتجديد في الفقه الإسلامي.
3-نشأة الفقه الإسلامي وتطوره.

وتقدم هذه الثلاثية مشروعاً أكاديمياً تحقيقياً لمناهضة الخطاب الاستشراقي الغربي المعاصر في الدراسة الشمولية والتأصيلية لتاريخ الفقه الإسلامي. بحيث تحرص هذه الدراسة على محاكمة الفكر الاستشراقي من خلال منهجيته ونظام خطابه، موجهة للجمهور الأكاديمي الغربي في طبعتها الأصلية.

يبحث الجزء الأول النظرية العامة للشريعة الإسلامية كما تبلورت بتطور علم أصول الفقه، بينما يبحث الجزء الثاني ما قبل فترة التكوين للفقه الإسلامي حتى فترة النمو في القرون الهجرية الثلاثة الأول، في حين يبحث الجزء الثالث تطور الفقه في القرون الهجرية الخمسة التالية. ومن المؤكد أن المثقف العربي والباحث العلمي في شؤون الفقه والحضارة الإسلامية عموماً سيجدان في هذه الثلاثية ما لا يجدانه لا في البحوث التراثية ولا حتى الغربية، ذلك لأن المؤلف الأستاذ الدكتور وائل خلاق حقق في ثلاثيته التاريخية هذه أصالة الانتماء للتراث العربي الإسلامي ودقة البحث العلمي على الطريقة التي يشترطها أهل العلم التأريخي الحديث، هذا ويؤمل أن تفجر هذه الثلاثية مسارات جديدة للنظر في تراثنا الحي وتقدم للباحثين أرضية جديدة لبحوثهم


رابط Good Reads 

Download - Archive 

Download - 4shared 

Download - 4shared Direct

الخميس، 20 مارس 2014

السلطة المذهبية

2- السلطة المذهبية

التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي

 


نبذة النيل والفرات:
إذا كان البحث في أحد وجوه الشريعة يشكل في حد ذاته مغامرة من نمط ما، فإن الغوص في بناها الفقهية، بما يفترضه من تأويل ونقد وتفكيك وإعادة قراءة وما إلى ذلك، يعد مغامرة ذاتية أكبر، من حيث تناولها للموروث والمرجعيات، مروراً بالمذاهب الأربعة وما رافقها من تعددية رؤيوية، وصولاً إلى الطيف الواسع من المقاربات التي حاولت مواكبة التغيرات الزمانية والمكانية على مدى قرون عديدة تلت نشوء تلك المذاهب. إن عديد الأسئلة التي طرحها الدكتور وائل حلاق في سياق مؤلفه هذا تعكس منطقياً، إن لم نقل وجوباً، القراءة الموضوعية المتأنية، والعرض الحيادي المؤيد بالشواهد والحجج، الذي رافق جميع الآراء، سواء أكانت في نطاق التقليد أم التجديد في الشريعة الإسلامية، وعلاقة كل منهما بالسلطة المذهبية. وفي هذا الصدد يقول الكاتب في مقدمة كتابه: "إن الاستمرارية والتغيير في الشريعة هما وجهان لعملة واحدة، ولذلك فهما يستلزمان الدفاع المتعمد عن عقيدة ما مع فارق وحيد هو أن الاستمرارية تقتضي الدفاع عن عقيدة قائمة، في حين يتطلب التغيير الدفاع عن عقيدة جديدة أو عقيدة أقل موثوقية في الغالب".

يقع هذا الكتاب في ستة فصول رئيسية تعالج عدداً من الإشكالات والالتباسات التي طرحت داخل البيت الفقهي نفسه أو كانت استجابة للتطورات الدنيوية الموضوعية ومقتضياتها، التي أفرزت، وما زالت تفرز، أسئلتها وتحدياتها أمام الفقهاء من مفتين ومشرعين ومجتهدين، وتضطرهم، بالتالية، إلى ولوج ميادين اجتهادية تجاه قضايا مستجدة لم يختبروها من قبل، كما وإعادة النظر في قضايا أخرى كفت عن أن تكون من المسلمات. وهنا بالذات تكمن أهمية هذه الدراسة –المؤلف- مع ما تثيره من موضوعات خلافية قد تشكل حافزاً، لدى المهتمين، للسجال معها.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من اللغة شبه الموحدة لـ"الثقافة الشرعية" التي يستخدمها الفقهاء، إلا أن الفترة الزمنية الطويلة التي يغطيها الكتاب، وهي خمسة قرون، شهدت بعض التغير على صعيد اللغة والمصطلح والخطاب والمساجلات، الأمر الذي استوجب لحظ هذا التغير لدى ترجمة الكتاب، والحرص ما أمكن على مواكبة المعنى السياقي الذي تقع فيه المفردة.


نبذة الناشر:
هذا الكتاب هو الجزء الثاني من ثلاثية يمكن قراءة كل منها بشكل مستقل صدرت باللغة الإنكليزية عن منشورات جامعة كمبردج البريطانية وهي على الشكل التالي:
1-تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام.
2-السلطة المذهبية التقليدية والتجديد في الفقه الإسلامي.
3-نشأة الفقه الإسلامي وتطوره.

وتقدم هذه الثلاثية مشروعاً أكاديمياً تحقيقياً لمناهضة الخطاب الاستشراقي الغربي المعاصر في الدراسة الشمولية والتأصيلية لتاريخ الفقه الإسلامي. بحيث تحرص هذه الدراسة على محاكمة الفكر الاستشراقي من خلال منهجيته ونظام خطابه، موجهة للجمهور الأكاديمي الغربي في طبعتها الأصلية.

يبحث الجزء الأول النظرية العامة للشريعة الإسلامية كما تبلورت بتطور علم أصول الفقه، بينما يبحث الجزء الثاني ما قبل فترة التكوين للفقه الإسلامي حتى فترة النمو في القرون الهجرية الثلاثة الأول، في حين يبحث الجزء الثالث تطور الفقه في القرون الهجرية الخمسة التالية. ومن المؤكد أن المثقف العربي والباحث العلمي في شؤون الفقه والحضارة الإسلامية عموماً سيجدان في هذه الثلاثية ما لا يجدانه لا في البحوث التراثية ولا حتى الغربية، ذلك لأن المؤلف الأستاذ الدكتور وائل خلاق حقق في ثلاثيته التاريخية هذه أصالة الانتماء للتراث العربي الإسلامي ودقة البحث العلمي على الطريقة التي يشترطها أهل العلم التأريخي الحديث، هذا ويؤمل أن تفجر هذه الثلاثية مسارات جديدة للنظر في تراثنا الحي وتقدم للباحثين أرضية جديدة لبحوثهم


الأربعاء، 19 مارس 2014

تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام

1- تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام

مقدمة في أصول الفقه السني




منذ ثمانينيات القرن العشرين والدكتور وائل حلاق [1] ينهض بمشروع أكاديمي يهدف إلى إعادة كتابة تاريخ الفقه الإسلامي أصولا وفروعا. وقد سطَّر في هذا المجال دراسات كثيرة توَّجها بثلاثة كتبٍ [2] هي خلاصة ما انتهى إليه مشروعه الفكري الذي يهدف أساسا ـ وكما يحدد المؤلف نفسه ـ “إلى زعزعة الخطاب الاستشراقي وتقويضه ومناهضته بمشروع أكاديمي منفصل بنيويا عن خطاب الهيمنة الغربي”[3]، ولكن هذا الهدف كما يؤكد المؤلف لا يمكن تحقيقه من خارج نطاق هذا الفكر الاستشراقي. إذ إنه قد نجح في تهميش جميع الانتقادات التي قدمها الكتَّاب العرب والمسلمون من خارج معاقل هذا الفكر تهميشا كاملا [4].

المقولات الاستشراقية
يبحث هذا الكتاب في العلاقة بين الكتابات في أصول الفقه والواقع الفقهي، ويثبت بينها نقاط تماس وتشابكات بنيوية قد تجاهلها الخطاب الاستشراقي، وهو تجاهل يهدف إلى عزل الشريعة بأجمعها عن الواقع الاجتماعي، حاكماً عليها بالتهميش التاريخي. فقد ركز الخطاب الاستشراقي، على نحو أساسي، على علاقة أصول الفقه بعلم الكلام كأساسٍ لفهم منطلق أصول الفقه ووظائفه الدينية النظرية. مهمِّشاً بذلك علاقة أخرى لها بالغ الأهمية، ألا وهي العلاقة بين أصول الفقه والفقه من جهة، وبين الشريعة كمنهجية فكرية، والممارسات الشرعية في المجتمعات الإسلامية المختلفة عبر العصور من جهة أخرى.

يضاف إلى ذلك الأسطورة الاستشراقية القائلة بأن الشريعة قد توقفت عن النمو والعمل بعد القرن الثاني أو الثالث بعد الهجرة، وعُبِّر عن ذلك بمقولة أخرى تنص على أن باب الاجتهاد قد أغلق إلى أبد الآبدين. ومن ثمَّ فإن العالم الإسلامي لم يخرج من حال الانحدار والجمود إلا مع قدوم الحضارة الغربية بقوانينها ونظمها التشريعية التي فُرضت عليه.

أصول الفقه: مرحلة التكوين
يذهب د. حلاق، خلافا لكثير من العلماء المعاصرين، إلى أن الفقه الإسلامي لم يبدأ مع مطلع القرن الثاني للهجرة، بل تعود بداياته إلى ما بعد منتصف القرن الأول عندما نُقلت عاصمة الإمبراطورية الإسلامية إلى دمشق، وخضعت أراض شاسعة للحكم الإسلامي.. فقد شهدت هذه الفترة ثورة في النشاط الفقهي الذي ساهم فيه العرب المسلمون ومعتنقو الإسلام من غير العرب، ولم يعد الاهتمام بالمسائل الفقهية محدودا بنخبة تمتعت بالحظوة لارتباطها بالنبي (صلى الله عليه وسلم) أو بصحابته.

وقد لاحظ المؤلف في سياق تحليله لتطور المصادر التشريعية والمفاهيم الفقهية في هذه الفترة، التغيرات التدريجية التي طرأت على هذه المصادر والمفاهيم، بداية من الأعراف والممارسات الإدارية التي كانت سائدة في الولايات المختلفة وتأثّر بها الفقهاء، ثم حاولوا، مع تزايد الاعتماد على الأحاديث والمرويات، تثبيتها من خلال الأحاديث النبوية.

ومع ظهور حركة قوية هدفت إلى ترسيخ الفقه كاملا في النصوص الدينية الموثوق بها، تغيرت طبيعة التفكير الفقهي؛ وخضع مفهوما الرأي والاجتهاد، وأنواع الاجتهاد إلى تغير في البنية والمعنى؛ فمع حلول منتصف القرن الثاني أشار مصطلح الرأي إلى نوعين من التفكير: أولهما: الاجتهاد الإنساني الحر المستند إلى اعتبارات عملية وغير الملزم بنصٍ موثوق به، أما الثاني: فهو الاجتهاد الحر المستند إلى نص موثوق والمحفَّز من اعتبارات عملية. ومع تنامي الحركة الدينية في القرن الثاني تم التخلي تدريجيا عن النوع الأول لمصلحة الثاني الذي خضع بدوره لتغييرين مهمين: فمن جهة تمَّ ترقية إسناد النصوص الموثوق بها، التي تشكل قاعدة مثل هذا النوع من الاجتهاد والتي نسبت إلى مرتبة أدنى من مرتبة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مرتبة السنة النبوية. ويمثل مذهب الشافعي ذروة هذه العملية، ومن جهة أخرى تغيرت نوعية الاجتهاد لمصلحة طرائق أكثر صرامة ومنهجية، فقد جرى التخلي عن مصطلح الرأي واستبدلت به مصطلحات أخرى مثل الاجتهاد والقياس. وعلى هذا النحو تابع المؤلف حديثه عن نشأة مفهوم الإجماع والاستحسان وتطورهما.

الشافعي وبداية تأصيل الفقه
منح العلم المعاصر الشافعيَّ امتياز مؤسس أصول الفقه. وأدى اعتبار الشافعي مؤسساً لأصول الفقه إلى الاعتقاد بأنه ما إن وضع نظريته حتى أبصرت أصول الفقه النورَ، وأن المؤلفين اللاحقين ساروا ببساطة على دربه. وبعبارة أخرى، ساد اعتقاد بوجود استمرارية غير منقطعة في تاريخ أصول الفقه بين رسالة الشافعي والكتابات اللاحقة حول الموضوع.

وقد أظهرت بحوث المؤلف أن هذه الاستمرارية لم توجد قط، وأن صورة الشافعي كمؤسس لأصول الفقه هي ابتكار متأخر. وأن أصول الفقه كما نعرفها الآن لم تبصر النور حتى أواخر القرن الثالث، الذي لم ينتج بحثا كاملا عن أصول الفقه، كما أن رسالة الشافعي نفسها لم تولد أي تعليق أو دحض لدى مؤلفي هذه الحقبة. ولكن رسالة الشافعي تمثل المحاولة الأولى لتجميع الجهد المنتظم للاجتهاد البشري، والاستيعاب الكامل للوحي كقاعدة الفقه الأساسية. ولكن التوفيقية التي روج لها الشافعي جاءت في وقت لم يرغب الكثيرون في اعتناقها، سواء من أهل الكلام الذين لم يقبلوا بفرضية أن الوحي هو الحكم الأول والأخير في الشؤون البشرية، ولا التقليديين الرافضين مبدأَ القياس الذي طرحه الشافعي.

تقعيد أصول الفقه ما بعد الشافعي
إن أقدم حقبة لدينا عنها سجل حافل في أصول الفقه هي القرن الخامس للهجرة، فقد تم فيه طرح المشاكل الرئيسية للنظرية الفقهية، وتم تعبيد الطريق لتحليلات أكثر دقة. كما شهد نشر عدد مذهل من الأعمال الأصولية، هذا فضلا عن بروز ألمع وأبرع منظري أصول الفقه.

وخلافا لبنية الشافعي الأولية وغير المخطط لها تُظهر نظريات القرن الخامس وعياً عميقاً بالبنية. فقد فرض واقع استنباط الفقه من نصوص الوحي بطريقة مباشرة وغير مباشرة بنظر الأصوليين بنيةً خاصة تتجلى فيها المواضيع وترتبط بعضها ببعض. وقد لخص المؤلف هذه البنية في العناصر الأساسية التالية:

أ ـ نظرية المعرفة: والتمييز بين الظن واليقين.

ب ـ أصول التشريع وحجية القرآن والسنة.

ج ـ البحوث المتعلقة بتحديد القيمة المعرفية للنصوص وفقا لضعف نقلها أو قوته، وبحسب الوضوح المعنوي لمضامينها اللغوية: الظاهر، والمجمل، والعام، والخاص وغيرها.

د ـ الإجماع.

هـ ـ القياس وما يتصل به من الاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب.

و ـ قضايا الاجتهاد والإفتاء والتقليد.

الثابت والمتغير في أصول الفقه
يقوم الفصل الرابع على مناقشة العناصر الرئيسية أو الثوابت النظرية في عالم الممارسات الفقهية والاجتماعية، إضافة إلى الميول الثقافية التي أدت إلى ظهور التنوع والاختلاف أو المتغيرات النظرية ضمن إطار أصول الفقه.

يحدد المؤلف الثوابت النظرية لأصول الفقه السنِّي بأنها أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس. والخط الذي يميز بين الثوابت والمتغيرات هو “خط يفصل بين المصدر كمسلمة مقبولة على نطاق واسع أو مجموعة من المسلمات من طرق فهم هذا المصدر وتفسيره وإعادة تفسيره. وهذا الخط هو المعيار الذي يميز، على سبيل المثال، بين القبول بمبدأ القياس كطريقة شرعية والرفض الكلي لقياس الشبه” ص 172. وكما تفترض المتغيرات وجود الثوابت فإن الثوابت لا تكفي بحد ذاتها لتدلل على أصول الفقه بشكل كامل من دون المتغيرات. إن المتغيرات أشبه باللحم الذي يعطي شكلاً وحياة للهيكل العظمي للثوابت.

وقد لاحظ المؤلف المتغيرات النظرية على عدة مستويات:

أ ـ الموضوعات الأصولية من حيث المحتوى والترتيب: حيث تنوعت المصنفات الأصولية واختلفت في المواضيع والقضايا التي ينبغي إدراجها في أصول الفقه، وتلك التي ينبغي إقصاؤها، فضلا عن اختلافها في هيكلية العلم وترتيب أبوابه، فقلما اتبع أصوليان النمط نفسه من التصنيف.

ب ـ التقعيد النظري [5]: تتبع المؤلف التطورات التنظيرية في أصول الفقه في مجالات المصلحة المرسلة والاستحسان الفقهي، والتطور الكبير الذي طرأ على مفهوم العلة [6]، كما لاحظ التأثير الذي تركته المؤلفات المنطقية على مصنفات المنظِّرين لأصول الفقه. وقد أشار إلى التقدم الذي أحرزه مفهوم الاستقراء في حقل الشريعة، بدءا من ظهور مبدأ التواتر المعنوي في الحديث النبوي في مطلع القرن الخامس، ثم تطوره دليلاً من أدلة الشريعة عند القرافي والشاطبي، وربطه بمفهوم المصالح المرسلة ودخوله عنصرا في التفكير والجدل الفقهي.

ج ـ تمازج المقدمات المنطقية والكلامية في أصول الفقه: بدأ التأثر المتبادل بين علم الكلام وأصول الفقه في مراحل مبكرة من تطور أصول الفقه، ثم ظهرت أبحاث عديدة تتعلق بالجدل الفقهي في منتصف القرن الرابع على يد القفال الشاشي، ثم كانت ذروة تطورها على يد الجويني في القرن الخامس في كتابه «الكافية في الجدل»، هذا الجدل الذي دخل كوسيلة إقناع في كتب الأصول، ثم ازدادت فقهيَّة تلك الممارسة في القرون اللاحقة. وتأخر دخول المنطق في أصول الفقه حتى القرن الخامس مع الغزالي (ومن قبله مع ابن حزم على استحياء) [7].

د ـ النمو التراكمي والتطورات اللاحقة: في هذا السياق يعرض المؤلف للمتغيرات الداخلية -خلافا للمتغيرات الخارجية القادمة من علم الكلام والمنطق- المنبثقة عن أصول الفقه نفسه. فمن أمثلة ذلك:

ـ الجدل حول وجود المجتهدين الذي ظهر في القرن السادس.

ـ التفريق بين المجتهد والمفتي: فحتى منتصف القرن الخامس كان المخوَّل بالإفتاء هو من وصل إلى رتبة الاجتهاد، ولكن بعد قرن من الزمن بدأت الآراء تظهر في جواز إفتاء من لم يبلغ درجة الاجتهاد. وابتداء من القرن السابع أصبح هذا الرأي مقبولا بصورة عامة. إن تغيُّر الخطاب المتعلق بمؤهلات المفتي يعكس التنازلات التي اضطرت النظريات الفقهية إليها من أجل التأقلم مع واقع الممارسة الشرعية القائمة، حيث أصبح المقلدون هم المتولون لأمر النظام الشرعي.

ـ نشأة الشروح والمختصرات وشروح الشروح: يؤكد د. حلاق على أهمية هذه النوع من التصانيف وأثرها البالغ في تطور النظرية الفقهية وأصول الفقه. هذه الشروح التي اعتبرها كثير من المسلمين المعاصرين والمستشرقين مبهمة وغير أصيلة ولا تستحق أن تُولى اهتماما. وقد درس المؤلف هذه الشروح وحصرها في خمسة أنواع، ولاحظ أن معظم هذه الشروح تعكس “درجة معينة من الإبداع والتجديد، تشبه تماما الإبداع والتجديد اللذين يظهرهما المؤلفون الذين تكتب الشروح حول أعمالهم. إذ تماما كهؤلاء المؤلفين، تعرَّض الشارحون في كتابة أعمالهم إلى تأثيرات أتت بها وقائع جديدة من الممارسة الشرعية فضلا عن البيئة الفكرية والتقاليد الثقافية التي نموا فيها. وباختصار، فإن ملخصاتهم ولاسيما شروحاتهم تشكل وسيطا لنمو الآراء والتغيير في أصول الفقه” ص 200

وفي سياق الحديث عن أنواع التصانيف المستحدَثة تناول المؤلف «كتب الفروع» و«كتب الفتاوى»، هذه التصانيف التي أصبحت فيما بعد جزءا من منظومة الاجتهاد والفتوى والقضاء، وتداخلت من وجوه عديدة مع الممارسة الأصولية.

ـ النظريات المتطورة المتأخرة: وهي نظريات أحدث تغييرات جوهرية في بنية النظرية الشرعية. وقد صاغ القرافي المالكي أولى تلك النظريات التي تدور بشكل أساسي على التفريق بين فتوى المفتي وحكم القاضي، وعليه فقد طالب بإعادة تفسير الأحاديث النبوية وتصنيفها وفق تحديد دقيق لوظائف النبي (صلى الله عليه وسلم) التي كانت يؤديها في كل نوع من الأحاديث. والقرافي بهذا يولي أهمية خاصة للطريقة السياقية غير النصية في تفسير السنة، وهي طريقة تناقض كليا الموقف التفسيري الذي يتخذه جمهور الأصوليين السابقين، إذ يرون أنه ينبغي أن تفسر الأحاديث النبوية كوحدات مستقلة يحدد معناها النصُّ بحد ذاته ولا تخترقه، أو لا يُسمح بأن تخترقه عوامل خارجة عن النص.

أما النظرية الثانية فهي نظرية المصلحة للطوفي الحنبلي، وتتلخص في أن الشريعة أعطيت للمسلمين بهدف حماية مصالحهم، فلا تناقض بين المصلحة والقرآن والسنة والإجماع، غير أنه في حال ظهر تناقض، فينبغي أن تحل مقتضيات المصلحة محل المصادر الأخرى عبر التخصيص، وليس عبر استبعادها كلها.

أصول الفقه والواقع الاجتماعي
يتناول المؤلف في الفصل الخامس من كتابه العلاقة بين أصول الفقه كخطاب نظري مجرد، والواقع الاجتماعي الديني الذي ساهم في إنتاج هذا الخطاب الفقهي النظري. في هذا السياق اقتصر المؤلف على دراسة الشاطبي كنموذج عن هذا التفاعل بين النظرية والواقع [8]، ومما دفعه إلى اختصاص الشاطبي بالدرس هو تصحيح سوء الفهم الذي تعرض له الشاطبي من قبل العلماء المعاصرين، ولاسيما الإصلاحيين، الذي أساؤوا فهم دوافع نظرية الشاطبي وبالتالي جوهرها. وكذلك رغبته في إظهار أن كلا ، هدف نظريته وطبيعتها خاطئان.

تكمن فرادة نظرية الشاطبي في أنه لاحظ عجز الفقه عن معالجة التغيير الاجتماعي الاقتصادي في القرن الثامن للهجرة في الأندلس؛ فحاول أن يستجيب للحاجات الخاصة بزمنه عبر إظهار كيف يمكن تكييف الشرع مع الظروف الاجتماعية الجديدة. ولكن الأسباب التي أدت إلى نظريته لم تنجم أبدا عن رغبة في إنشاء آلية نظرية تؤمِّن المرونة وإمكانية التكيف مع القانون الوضعي.

بل يشدد المؤلف على أنه نظرية الشاطبي هدفت إلى إعادة قانون الإسلام الحقيقي؛ القانون الذي زيفته ممارستان متطرفتان في زمانه: مواقف المُفتين المتهاونة، والطلبات الفقهية المفرطة من غالبية المتصوفة المعاصرين له. بعبارة أخرى، إن الجانب الجدلي مع هذين التيارين كان العامل الأساس والمفسر لكثير من آراء الشاطبي وأفكاره ، بل وحتى المواضيع التي تناولها داخل كتابه «الموافقات».

تحديات الحداثة: نحو أصول نظرية جديدة للفقه
يقدم المؤلف في الفصل السادس من كتابه نظرة عامة عن التفكير المعاصر حول الأسس والمنهجية النظرية للشريعة، ويوضح بشكل خاص الصعوبات المنهجية التي واجهها المصلحون المعاصرون، والحلول التي قدموها لإعادة صياغة أصول الفقه.

مع إعادة صياغة القوانين والتشريعات في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، بدأ المصلحون باللجوء إلى آليَّة، لم تكن معتمدة ولا مقبولة من قبل، يمكن على ضوئها إعادة صياغة الشريعة عبر التخيُّر من مذاهب تقليدية مختلفة. وحتى الآراء المرجوحة في مذهب ما، قد تجددت واعتُمِدت بمشروعية توازي تلك التي تمتعت بها الآراء الراجحة.

ولكن آلية الاختيار والمزج هذه لم تكن تجد دعما في الآلية الشرعية المتناسقة، وكانت تعاني من خلل منهجي خطير يهدد تماسك الاجتهاد والنظام الشرعي برمته. لذلك انطلق منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر البحث عن منهجية شرعية ملائمة ومتسقة. وظهر في هذا السياق توجهان عرفا في العالم الإسلامي:

أ ـ المنفعيَّة الدينية: يصوغ أصحاب هذا التوجه نظريتهم الفقهية بناءً على المصلحة، وهي مبدأ قلَّ تطبيقه تقليديا، فوسَّعوه كثيرا كي يصبح المكون الرئيسي في النظرية الشرعية الجديدة. وقد اعتمد هؤلاء على مجموعة من المبادئ التي وضعها في الإسلام فقهاء متقدمون من القرون الوسطى، مثل القرافي والطوفي والشاطبي وغيرهم، ولكنهم ـ كما يوضح د. حلاق ـ يتشاطرون معهم هذه المبادئ أسميا فقط، لأنهم تلاعبوا بها وأعادوا صياغتها بحسب أغراضهم الخاصة.

وقد تعرض المؤلف لخطاب ثلة من أصحاب هذا الاتجاه بدءا من رشيد رضا، فعبد الوهاب خلاف، وعلال الفاسي، وحسن الترابي؛ كاشفا عن الخلل المنهجي الذي أحاط بتجارب هؤلاء المصلحين، وعن الضعف والتهافت الذي لازم الحلول التي قدموها لإعادة صياغة أصول الفقه؛ ومبرهنا على أنهم ـ فيما عدا الاعتراف الرمزي بمرجعية القرآن والسنة ـ قد تخلّوا عن معظم الخطوط العريضة لأصول الفقه التقليدية، مثل نظريات النسخ، والإجماع الذي أصبح يشير إلى الشورى التي تساعد الدولة في مسائل التشريع واعتماد السياسات. وكذلك مجموعة القواعد الأصولية التي تنظِّم القياس باعتباره قياس فرع على أصل، في حين تم التركيز عليه من جهة صلته بالاستصلاح. وهكذا أصبحت مفاهيم الحاجة والعوز المبررة بالمصلحة أهمَّ، وسُمح لها بأن تحلَّ محلَّ أوامر النصوص الدينية.

ب ـ التحرر الديني: يرفض أصحاب هذا الاتجاه المبادئ التي طورها الفقهاء التقليديون كلها، كما يرفضون نتائج الاستصلاح الذي مارسه المنفعيّون السابق ذكرهم، إذ إن مفهوم المصلحة مفهوم عشوائي لا يتسم بالصرامة المنهجية التي يجب أن تتوفر لقيام نظرية فقهية حديثة متماسكة. لذلك يسعون إلى تقديم نظرية فقهية جديدة تقوم على إعادة تفسير النصوص الشرعية وفق منهجية جديدة. ومن ممثلي هذا التيار محمد سعيد العشماوي وفضل الرحمن ومحمد شحرور.

وفي سياق المقارنة بين هاتين النزعتين يشير د. حلاق إلى ظاهرة غريبة، وهي أن المتحررين الذي تم رفضهم قد قدموا منهجية متماسكة ومحترمة، ونظامَ تفكير أكثر التزاما بالإسلام، في حين أن المنفعيين لم يبدوا سوى اهتمام ضعيف للقيم القانونية الإسلامية، واقتصر عملهم على مفاهيم الفائدة والحاجة والعوز، وأصبحت النصوص المنزَّلة في النهاية تابعة لهذه المفاهيم. أما منهجيات فضل الرحمن ومحمد شحرور فترفض أن تخضع لهذه المفاهيم وتستبدل بها أفكاراً منظَّمة لتحليل نصي/سياقي حيث يتم التركيز على القانون الإنساني، وهو موجَّه بشكل عام من قبل إرادة إلهية ولم يُملَ حرفيا ونصيا.

ولكن، إذا كانت ملاحظة المؤلف دقيقة ومهمة بخصوص فشل النزعة المنفعية أو المصلحية في إرساء نظرية فقهية متماسكة أو بناء أصول فقه جديد، فإنه ليس محقا بخصوص أصحاب النزعة الأخرى الذين وإن حاولوا تقديم منهجية لتحليل النص الديني وفقهه، إلا أننا لا يمكن أن نقرَّ بحال أنها منهجية متماسكة، أو متسقة، إن لجهة أسسها اللغوية والتأويلية، أو حتى لبنيتها الكلية وأسسها النظرية [9].

على أية حال، فلعل أهم ما يقدمه هذه الكتاب [10] هو الخروج على النزعة الأصالية في دراسة تاريخ المعارف الإسلامية، تلك النزعة التي تصب اهتمامها على القرون الأولى، أو ما يسمى عادة عصر التدوين، باعتبارها قمة ما وصلت إليه العلوم الإسلامية ومنتهاها، وتهمل القرون اللاحقة باعتبارها ليست أكثر من اجترار وتكرار لما سبق. فهو يقدم لنا رؤية مختلفة عما اعتدنا أن نسميه ـ بتأثير من المدارس الإصلاحية الحديثة ـ عصورَ التقليد والتخلف والركود؛ مبرزا دور النخبة العالمة فيها في تطوير كثير من المفاهيم الفقهية وتطويعها لتلائم المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي واجهتها. إن هذا الكتاب إسهام حقيقي في تصحيح كثير من التصورات الخاطئة عن تاريخ التأصيل النظري للفقه الإسلامي، أعني أصول الفقه، القديم منه والحديث.