الخميس، 25 ديسمبر 2014

الدولة والشريعة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر

الدولة والشريعة 

في الفكر العربي الإسلامي المعاصر




صدر للأستاذ برّاق زكريا دراسة جديدة حول "الدّولة والشّريعة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر". وهذه الدراسة هي من إصدار "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت". وتندرج ضمن سلسلة الدراسات الحضارية التي يصدرها المركز.
وتصدَّر محتويات المجلد الأول ثلاث كلمات: كلمة المركز، ومقدمة تمهيدية. ومحتويات هذا المجلد تراوحت ما بين ثلاثة أقسام مع فصولهم. وتمحور القسم الأول حول: إشكالية العلاقة بين الدين والدولة في أوروبا، وكيف دخلت إلى بلادنا؟، القسم الثاني: الدين والدولة في عصر النهضة. القسم الثالث: الإحيائية الإسلامية ظهورها وأفكارها. إضافة إلى خاتمة ونتائج.
وجاء في كلمة المركز: العلاقة بين الدولة والشريعة مسألة أخذت في الفكر الإسلامي عموماً، بكل تياراته، حيّزاً واسعاً من النقاش، واحتل البحث فيها صفحات تنوء بالعصبة أولي القوّة، بل أُريق على مذبحها من الدماء أكثر مما أُريق من الحبر. واختلفت التقديرات لطبيعة العلاقة بين الطرفين بين من رأى أنها علاقة مانعة انفصال؛ فالسياسة في الإسلام والشّريعة عين الديانة والعكس صحيح. وبين من رأى ضرورة بناء الدولة على أسس غير دينية تستورد من جغرافيا العقل الإنساني دون نظر إلى جغرافياه الأرضية أو الفكرية. مع الالتفات إلى تعدّد الرؤى بين هذين الحدّين تعدّد ألوان الطيف.
والآن، وبعد الاهتزازات التي عصفت بالعالم الإسلامي والعربي منه على وجه التحديد وصعود نجم التيارات الإسلامية، يبدو الرجوع إلى دفاتر الفكر السياسي الذي صدرت عنه بعض الحركات الإسلامية التي ثُنيت لها وسادة الحكم في بعض البلاد الإسلامية ولو من غير استقرار حتى الآن، تبدو العودة إلى تلك الدفاتر ضرورة ملحّة لفهم الحدث واستشراف المآلات التي يمكن أن تؤول إليها الأحداث.
وقد حاول باحثنا الأستاذ برّاق زكريا استطلاع أهم نظريات الفكر السياسي التي تبنّتها بعض الحركات الإسلامية في العالم العربي، للكشف عن أهم عناصرها المكونة لها، والحفر في أعماقها لاكتشاف المصادر التي استقت منها أفكارها. وهذه الدراسة جمعت بين الاختصار وحسن التحليل ما قد لا يتوفر في غيرها من أمثالها.
لا مِراء في أنّ الإشكالية السياسية هي القضيةُ المركزية المِحور والأُم التي شغلت، ولا تزال، الفكر العربي الإسلامي الحديث والمعاصر – حسب ما جاء في المقدمة التمهيدية للكتاب – بل إن ثمة علاقة تلازُمية، من حيث التكوين، بين الفكر العربي الحديث وبين الإشكالية السياسية.
القضية المركزية التي يدور حولها هذا البحث هي العلاقة بين الشريعة والدولة ومكانة الشريعة في الدولة لدى مفكري الإسلام المحدثين. فالإشكالية محل النزاع بينهم وبين المفكرين العرب من غير ذوي النزعة الإسلامية، من جهة، وبين بعضهم وبعض من جهة أخرى، تدول حول مرجعية الدولة: هل هي الشريعة الإسلامية، أم الدستور الوضعي البشري؟ وهل الإسلام دين ودولة، وعقيدة وشريعة، أم هو دين وعقيدة فحسب؟ وبكلام آخر، ما المرجعية في أمور القضاء والسياسة والاقتصاد والإدارة؟ هل الإسلام هو المرجعية في كل ذلك، أم أن هذه الأمور أمور دنيوية، بالتالي، فإن "الحل والعقد" فيها متروكان لاجتهادات البشر الخاضعة للتبدُّل والتغيّر والتطور تبعاً للظروف والأحوال وتبدُّلاتها، وللناس أن يقدِّروا ما فيه صلاحهم ومصالحهم ومنافعهم، فيأتوه كما لهم أن يشخّصوا ما فيه فسادهم ومضارهم، فيجتنبوه، ولا يد للدين في ذلك، وشأنه مقصور على ما له مساس بأمور العقيدة والعبادة والآخرة والمعاد وما له علاقة بالروح والأخلاق والسلوك فحسب؟..
وبمعنى آخر، هل تخضع الدولة، قياداتها ومؤسساتها وحكامها ومحكوموها لقانون السماء، أم للقانون الوضعي ولاجتهادات البشر بلا مرجعية عليا منها يستمدون، وإليها في كل أمورهم يرجعون؟ وهل نمتد بالدين، ليشمل السياسة وأمور الحكم وإدارة الدولة، أم نستبعد كل ذلك من ميدانه؟.
لقيت نظرية فصل الدين، مرجعية وشريعة وقانوناً، عن الدولة من هذه الفئة القبول والترحاب، ومن تلك النقد والرفض. إذ وجد فيها بعضهم الطريقة المُثلى والترياق الأنجع للخروج من حالتي التخلف والرجعية الواقعة فيهما الأمة، واللانعتاق – على غرار ما كان في الغرب – من نير استعباد رجال الدين ونظرياتهم الموغلة في القدم، والغارقة في طوباوية الماضي التليد، والمقيدة بأمجاد السلف، والرهينة لذلك العصر الذهبي الآفل منذ قرون...
لقد أصبح واجباً، بنظر أصحاب هذا المنزع، التحرّر من أغلال التجذُّر بتُربة الأسلاف، دع إعادة تطبيق نظرياتهم في واقعنا المعاصر المباين كلياً لواقعهم. وبرأي هؤلاء، فإن هذا ما يفرضه العقل ويحتّمه الاعتبار، وقبل ذلك وبعده، هذا ما يتطلبه الواقع وتوجبه المصلحة، و"حيثما كانت المصلحة، فثمّ شرع الله". وعليه، فلا ضير برأيهم في الاعتبار بتجارب الغرب وطرائقه ومناهجه، لا سيما نظريته في الفصل بين الدين والدولة، بين الروحي والزمني، بين الإلهي والإنساني؛ إذ إنها نظرية إنسانية عامة توصِّل إليها بدوافع ملحة وضرورات حتمية، وبعد جهود مضنية بذلها المفكرون الغربيون في مواجهة سلطة الكنيسة، ولكفّ أيدي رجال الدين عن السياسة؛ بل ولافتكاك الدين نفسه من أغلالها. فكانت هذه النظرية خير ما أنتجت العقول البشرية في مجال الاجتماع السياسي، وهي بالتالي، صالحة لكل زمان ومكان وللمجتمعات الإنسانية كافة، على اختلاف أديانها وأيديولوجياتها

Download - MediaFire

السبت، 13 ديسمبر 2014

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي - مايكل كوك

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 

في الفكر الإسلامي 

 مايكل كوك



نبذة النيل والفرات:

إن هذا الكتاب للمؤلف والمستشرق أستاذ قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون، "لا يمثل وحسب استقصاء واسعاً وشاملاً للتجربة الإسلامية في رؤية العالم والدور والمسؤولية فيهما وعنهما من جانب المسلمين، بل هو أيضاً قراءة عميقة ومستوعبة لروح الإسلام كله، من منظور إشكاليات المسؤولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة". وإن الإشكالية التي يطرحها هي "إشكالية المواطنة المعاصرة والتي تقول بحق الجميع في المشاركة والمحاسبة والمراقبة لمسائل الشأن العام، والإسهام في تحقيق الخير العام، والتدخل من أجل التصحيح والتغيير. وهو يرى أنها توافرت وبعمق ديني وأخلاقي في التجربة الإسلامية الكلاسيكية بسبب إصرار المسلمين عليها وما تزال لها تأثيرات في الإسلام الحديث والمعاصر، ولدى سائر الفرق والمذاهب".
اعتمد المؤلف في بحثه القيّم والشامل لهذا الموضوع، على عدد من مكتبات البحث في بلدان عدة، كمكتبة المتحف البريطاني، ومكتبة جامعة ليدن، ومكتبة الدولة في برلين، ومكتبة الفاتيكان، والمكتبة السليمانية في اسطنبول، ومكتبة الأسد في دمشق، كما على"مجموعة المخطوطات الإسلامية الرائعة في مكتبة فايرستون في برنستون".
تتبع الباحث مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في النص القرآني، ثم في نصوص المفسرين الأوائل، وفي الأحاديث النبوية، وفي سلوكيات المحتسبين المتميزين الأوائل. كما أنه غاص في تجليات هذا المبدأ في التجربة الكلامية والفقهية الإسلامية، اهتم "بالإمام أحمد بن حنبل وحركته الدينية الاجتماعية والسياسية، ثم بالحنابلة في بغداد ودمشق، ملقياً ضوءاً على خصوصية ابن تيمية ثم الوهابية والدول السعودية الثلاث حتى السبعينات من القرن العشرين"، ومن ثم بالمعتزلة وأصولهم الخمسة، والزيدية والإمامية والحنفية والشافعية، ثم أنهى قراءة المرحلة الكلاسيكية بفقرة متميزة عن الإمام الغزالي.
كما بحث في هذا المبدأ من خلال التطورات الحديثة لدى السنة والشيعة، وبحث في "شيء من الخفر والتردد" إمكانية تأثيره في ظهور الأصوليات الإسلامية المعاصرة. ينتهي البحث "بعقد مقارنات بين الجاهلية والإسلام فيما يتصل بالمسؤولية الاجتماعية ودوافعها، ثم بين المسيحية أو المسيحيات في القديم والحديث من جهة، والإسلام من جهة ثانية".
تتضمن هذه الدراسة الشاملة والمعمقة أيضاً، ملحقاً بأهم الآيات والأحاديث، وملحقاً آخر عن رؤية ابن العبري لمبدأ النهي عن المنكر، إضافة إلى فهرس بالمراجع والمصادر.

  مراجعة:
رضوان السيّد (أستاذ الدراسات الإسلامية ـ الجامعة اللبنانية بيروت 
صدر عام 2009 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للمؤلف مايكل كوك (أميركي مستشرق) وترجم النص وراجعه على المصادر وقدم له الدكتور رضوان السيد والدكتور عبد الرحمن السالمي والدكتور عمار الجلاصي.

تأثر المستشرق الكبير مايكل كوك بكلام الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، حيث قال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل الإسلام، وجوهر الدين، فكان ذلك من دوافع إقدام كوك على بحث هذا الأمر في الموروث الفقهي والكلامي الإسلامي المكتوب كله. وقد التزم كوك في عمله ظاهراً بالطرائق الفيلولوجية فاستوعب كل ذكر لهذين المفردين عن طريق القراءة الهائلة، والتنظيم الدقيق. بيد أن إشكالية الكتاب هي المواطنة المعاصرة التي تقول بحق الجميع في المشاركة والإسهام في تحقيق الخير العام، والتدخل من أجل التصحيح والتغيير. وهو يرى أنها توافرت في التجربة الإسلامية الكلاسيكية بسبب إصرار المسلمين عليها ولا تزال لها تأثيرات في الإسلام الحديث والمعاصر، ولدى سائر الفرق والمذاهب.

إن هذا الكتاب لا يمكن تلخيصه بل لا بد من قراءته، والتمعن في مقاصده، فالنص عميق وشاسع، ويرتكز على مئات المصادر المطبوعة والمخطوطة، التي رجع إليها المؤلف بكفاية ومسؤولية عاليتي الوتيرة ولكي يصل الى استنتاجات بعيدة المدى في موضوعه، والموضوعات المجاورة.

إن الواقع أن هذا الكتاب في أحد وجوهه هو قراءة عميقة لروح الإسلام كله، من منظور إشكاليات الضمير الديني والأخلاقي، وأبعاد المسؤولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة.

الباحث رضوان السيد وضع المقدمة، متعمقاً في مضمون هذا الكتاب، وفاتحاً آفاقاً جديدة فيه.

هنا مقتطف من مقدمة رضوان السيّد.

أولاً: القرآن: المفهوم وتحديداته

هناك ثلاثة أنواع من الآيات التي يذكر فيها مفرداً «المعروف» و»المنكر» مقترنين أو غير مقترنين.

النوع الأول، وهو الذي يحصل فيه الاقتران، وهو موضوع البحث هنا، هو الأكثر وروداً في القرآن الكريم وبثلاث صيغ: صيغة الخبر، مثل «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة:67)، وصيغة الوصف، أي وصف المؤمنين المثاليين: مثل «كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» (آل عمران: 110)، أو مثل «الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر» (التوبة: 112)، وصيغة الأمر، مثل «ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (آل عمران:104)، ومن مثل «يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهِ عن المنكر واصبر على ما أصابك» (لقمان: 17).

النوع الثاني، وهو كثير الورود في القرآن، ويُفرد فيه «المعروف» وحده بالذكر، وهو يعني بوضوح: الإجادة في المعاملة أو السلوك، والإحسان في العطاء. وذلك على مثل قوله تعالى: «فأمسكوهن بالمعروف أو سرحوهن بمعروف» (البقرة: 231)، وقوله تعالى «فلا جُناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف» (البقرة: 233)، وقوله تعالى «قولٌ معروف ومغفرةٌ خيرٌ من صدقة يتبعها أذى» (البقرة: 263)، وقوله تعالى «وعاشروهن بالمعروف» (النساء: 19). وكما يتضح مما أوردنا من آيات، فإن أكثر مرات ورود مفرد «المعروف» على الانفراد ـ فضلاً عن تحدد المعنى بالسماحة في القول والسلوك والتصرف ـ متعلق بالمشكلات الاسرية، وطرائق التعامل مع المرأة في حالات النزاع أو الافتراق.

والنوع الثالث من أنواع ذكر مصطلحي «المعروف والمنكر» أو أحدهما، هو المختص بذكر «المنكر» بمفرده، من مثل «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه» (المائدة: 79). ومن مثل «تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر» (الحج:72). ومن مثل (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر» (العنكبوت:29). ومن مثل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون» (النحل» 90). والواضح مما ذكرناه من الآيات التي ينفرد فيها «المنكر» بالذكر، أن معناه الشر، بشتى أنواعه وصيغه من مثل الكفر بالله، وارتكاب الفواحش العلنية، وقطع الطريق، والاعتداء على الناس... الخ.

وبذلك يصبح معنياً المفردين «معروف ومنكر»، واضحين وللجهتين: جهة السياقات القرآنية التي يردان فيهما، ولجهة المعنى اللغوي المتداول في المعاجم، قبل التعرض للظلال والمعاني الثواني، التي يلجأ فيها اللغويون أيضاً للقرآن، وللشعر العربي القديم.

إنما ما هو المقياس في إنكار أو رفض هذا الأمر، واعتباره بالتالي منكراً، واستحسان الأمر الآخر، واعتباره معروفاً؟ أو من هي سلطة التحديد؟ أو بتعبير ثالث: ما مصدر اعتبار هذا الأمر معروفاً أو مستحسناً أو مشروعاً، واعتبار ذاك الأمر مكروهاً أو مداناً أو منكراً؟

السياقات القرآنية سواء في حالات الاقتران أو الانفراد ليست مؤكدة أو شديدة الوضوح. لكن المتبادر منها أن المصدر الاولي لمقاربة مسألتي الخير والشر أو المعروف والمنكر إنما هو الأعراف المستقرة أو العقل الجمعي. وقد اعتبر القرآن الكريم «الفطرة» الإنسانية أساساً لقيم الإيمان والخير «فطرة الله التي فطر الناس عليها» (الروم:30)، وفسرها النبي (ص) بهذا المعنى في حديث مشهور «كل مولود يولد على الفطرة» ـ ثم جرى قرن أو ربط «الشريعة» لدى المفسرين بهاتين المقولتين: مقولة المعروف والمنكر على أساس الفطرة، ونواتجها في العرف العام، بحيث يجري في أكثر الأحيان ومع استتباب التجربة الإسلامية التعبير عن المعروف بأنه ما صدر عن الشريعة أو ما كان شرعياً، وعن المنكر بأنه ما خالف الشريعة أو ما كان غير شرعي.

والمعروف أن هذا المبحث في سلطة تحديد الخير والشر أو الحسن والقبيح (؟) تطور لدى المتكلمين بعد القرن الثالث الهجري. وظهر من قال بالاستحسان العقلي، ومن قال بالاستحسان الشرعي.

لكن عندما أقرأ الأمر على هذه الشاكلة بالنسبة للقرنين الهجريين الأولين، فليس معنى ذلك أن العمليات التفسيرية والفقهية والتجريبية الاجتماعية والسياسية، جرت على هذا الخط المستقيم والبسيط. إذ إن المفسرين الأوائل اختلفوا في تفسير آيات الاقتران بين المعروف والمنكر، فمنهم من اعتبرهما مقارنين للإسلام نفسه، ومنهم من اعتبر أن معناهما الملازم للإسلام هو الجهاد، أي أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن تناول واجبات للمؤمن أو للمؤمنين ذات طابع داخلي، فإنه بالدرجة الاولى يتعلق بواجبات الأمة تجاه الخارج أو مهماتها بالخارج في نشر الدعوة بشتى السبل ومنها الجهاد.

وقد كان واضحاً خلال القرنين بل القرون الهجرية الثلاثة الاولى أن الذي رجح هذا التأويل ـ وليس التفسير ـ للآيات القرآنية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس السياقات القرآنية لتلك الآيات وحسب، بل الظروف التاريخية لقيام الدولة والفتوحات، ثم استمرار الجبهتين بين المسلمين وخصومهم، في المشرق مع الشعوب التركية، وفي بلاد الشام مع البيزنطيين.

ويتضح ذلك من الاختلاف بشأن «فرضية» الجهاد بين علماء الشام، وعلماء الحجاز في مطالع القرن الثاني الهجري. فقد كان علماء الحجاز يرون أن الجهاد مستحسن أو مندوب، في حين كان الشاميون، الذين يعانون من هجمات البيزنطيين عليهم في شمال بلاد الشام، يعتبرون الجهاد واجباً على سائر المسلمين. ثم ما لبث الجهاد ـ نحو منتصف القرن الثاني الهجري ـ أن انفصل عن مقولة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لأن الدولة استأثرت به، واعتبرته من مهماتها وواجباتها ومسوغات شرعيتها. وفي كتابي السير لمحمد النفس الزكية (ـ145هـ/ 762م)، والاوزاعي (ـ 157هـ/ 773م) آثار بادية للصراع بين الأمرين، أو التنافس بين المبدأين: مبدأ المهمة والمسؤولية الفردية، ومبدأ المهمة والمسؤولية الجماعية من طريق اعتبارات السلطة السياسية. ففي الكتابين اللذين وصلتنا نصوص ومقتبسات منهما، ترد عبارات مثل: «فإن خرج متطوعاً أو متلصصاً فغنم» ومثل: «ومن شتّى وحده في أرض العدو، أو عرض لداخل الى دار الإسلام...» ـ محتجاً في الحالتين بأنه إنما يمارس الجهاد باعتباره فريضة فردية، بمقتضى التمدح القرآني بالجهاد أو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك لا يعتبر من «العمل الحسن». أما الدولة من جهتها فقد أوضحت وجهة نظرها في العهدين الأموي والعباسي. فعلى المسكوكات الأموية المعرّبة أيام عبد الملك بن مروان (65 ـ 86هـ/ 684 ـ 705م) بين العامين 75 و79هـ/ 694 ـ 698م صورة للخليفة الأموي يتأبط سيفه تحت آية قرآنية نصها «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله» (التوبة: 33)، وفي أسفل الدينار المسكوك: خليفة الله عبد الله عبد الملك بن مروان! فالمهمات العالمية للإسلام، وفي طليعتها حماية دار الإسلام والدفاع عنها هي من خصائص وامتيازات خليفة الله، وأمير المؤمنين. أما الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (36 ـ 59هـ/ 656 ـ 678م) فقد نظم الأمر نهائياً في هذه المسألة حيث اشترط على «المتطوعة» أفراداً وجماعات، ممن يريدون الجهاد، أن يجهزوا أنفسهم بأنفسهم، ثم أن ينضموا الى «أمير الصائفة» ويلتزموا بأوامره في الزحف والإياب وتوزيع الغنائم، ولذا نجد في الحملات العباسية الى الجبهة مع البيزنطيين مرتزقة (جنداً نظاميين يقبضون مرتبات) ومتطوعين. أما الآخرون من سكان المناطق الحدودية، فقد صاروا جميعاً من موظفي الدولة ومرابطيها الى أن انهارت الجبهة في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، لكنّ لذلك حديثاً آخر (...).

ثانياً: الأمر بالمعروف باعتباره واجباً فردياً

ومسؤولية شرعية وأخلاقية

في الوقت الذي كان فيه الجهاد يتحول الى واجب على الجماعة من خلال إمامها، كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ومن خلال الممارسة ـ تتطور إدراكاته بوصفه مسؤولية على الأفراد والجماعات، ثم يتطور الى حق لأولئك الأفراد، وتلك الفئات. وعندما نقرر ذلك، ونعتبر أنه حصل، وصار أمراً مستقراً في النصف الأول من القرن الثاني الهجري/الثامن القضاء العادي، وبذلك فقد اشترعوا مواصفات لما صار يعرف اليوم بالجريمة السياسية. وقد ذكر الفقهاء ذلك في كتب «السِيَر» في القرن الثاني الهجري، ثم أثبت ذلك الإمام الشافعي (ـ204هـ/819م) في باب في كتاب الأم، وصارت تلك الممارسة عادة لفقهاء المذاهب جميعاً في كتبهم الفقهية العامة الى نهايات المرحلة الكلاسيكية في التجربة الفقهية والسياسية الإسلامية.

ثالثاً: كتاب كوك في الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي

تأثر المستشرق الكبير مايكل كوك بكلام الإمام الغزالي (ـ450هـ/1111م) في إحياء علوم الدين، في الفصل الذي عقده فيه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال في مطلعه إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل الإسلام، وجوهر الدين، فكان ذلك من دوافع إقدامه على بحث هذا الأمر في الموروث الفقهي والكلامي الإسلامي في المكتوب كله. وقد التزم كوك في عمله ظاهراً بالطرائق الفيلولوجية لاستشراق القرنين التاسع عشر والعشرين، فاستوعب كل ذلك لهذين المفردين في التراث الإسلامي الكلاسيكي، وعن طريق القراءة الهائلة، والتنظيم الدقيق، وقبل أن يسهّل الكومبيوتر والانترنت الأعمال الاستقصائية. بيد أن إشكالية الكتاب العظيم هذا إشكالية شديدة الحداثة إذا صح التعبير. إشكاليته هي إشكالية المواطنة المعاصرة \والتي تقول بحق الجميع في المشاركة والمحاسبة والمراقبة لمسائل الشأن العام، والإسهام في تحقيق الخير العام، والتدخل من أجل التصحيح والتغيير. وهو يرى أنها توافرت وبعمق ديني وأخلاقي في التجربة الإسلامية الكلاسيكية بسبب إصرار المسلمين عليها وما تزال لها تأثيرات في الإسلام الحديث والمعاصر، ولدى سائر الفرق والمذاهب.

بدأ المؤلف كتابه بقصتين، أحداهما في «التوطئة» والأخرى في «المدخل». في «التوطئة» ذكر قصة المرأة التي اغتصبت في محطة قطار في شيكاغو عام 1988، وما تدخّل عشرات المشاهدين لإنقاذها أو ردع الجاني، وماذا يعنيه ذلك في سياق المسؤولية الأخلاقية والقانونية والدينية العامة.

ودون أن يصارح قرّاءه بالمقارنة أو التعليل، انتقل مرة واحدة في «المدخل» الى قصة «صائغ مرو» الذي تصدى لأبي مسلم الخراساني، بطل الثورة العباسية، لردعه عن الظلم ففقد حياته استناداً لاعتقاده بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم انصرف كوك لتتبع هذا المبدأ في النص القرآني، ثم في نصوص المفسرين الأوائل. وعلى غير عادته، فإنه لم يُطل في هذا القسم، لاستظهاره أن المفسرين لم يكن لهم كبير تأثير في مجرى التجربة الإسلامية في ما يتعلق بهذا المبدأ على الأقل. وأطال أكثر في استعراض الأحاديث النبوية التي تذكر هذا المبدأ وضوابطه، وأهمها حديثاً: التصدي للجائر لمنعه من الجور، والمنازل الثلاث. ثم انصرف الى سلوكات المحتسبين المتميزين الأوائل الذين طبّقوا فردياً هذا المبدأ وما عانوه أو ما ترتب على ذلك من نتائج. وأقبل كوك بعد هذه التمهيدات لاستكشاف «قلب العمل»، أي تجليات هذا المبدأ في التجربة الكلامية والفقهية الإسلامية. اهتم اهتماماً خاصاً بالإمام أحمد بن حنبل وحركته الدينية/ الاجتماعية والسياسية، ثم بالحنابلة في بغداد ودمشق، ملقياً ضوءاً على خصوصية ابن تيمية، ثم الوهابية، والدول السعودية الثلاث حتى السبعينات من القرن العشرين. واهتم ثانياً بالمعتزلة، ومعنى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أصولهم الخمسة. وتفرّغ بتبسّط أكبر لفرقتي الزيدية (ذات الاهتمام الخاص بالمبدأ)، والإمامية؛ ملاحظاً أن الإمامية الإثني عشرية اهتموا بهذا المبدأ حديثاً أكثر مما اهتموا به في القديم. ولست أدري لماذا قدّم دراسة آراء الحنفية والشافعية خلال المرحلة الكلاسيكية على الإباضية. إذ المعروف أن الإباضية ـ مثل الزيدية ـ ذوو تأثير كبير في التطورات التاريخية الأولى لهذا المبدأ قبل قيام المذاهب. ثم أنهى قراءة المرحلة الكلاسيكية بفقرة متميزة عن الإمام الغزالي (الفقيه الشافعي الكبير، والصوفي البارز) لأهمية الفصل الذي عقده للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه الرئيس: إحياء علوم الدين، وتأثيراته على كل الفرق والمذاهب الإسلامية في القديم والحديث. وبعد تأملات متعجّلة بعض الشيء لبعض القضايا التي لم يعالجها من قبل مثل الأبعاد السياسية للنهي عن المنكر؛ ألقى نظرة موجزة أيضاً على التطورات في العصر الحديث لدى السنة والشيعة. وبحث بشيء من الخَفَر والتردد إمكانية تأثير مبدأ النهي عن المنكر في ظهور الأصوليات الإسلامية المعاصرة: فهل يشكل سلوك الإسلاميين المتشدّدين في العصر الحاضر، عودة للربط بين «الجهاد» ومبدأ الأمر بالمعروف، كما استظهرت في بعض مقالاتي؟! ثم عقد مقارنات بين الجاهلية والإسلام فيما يتصل بالمسؤولية الاجتماعية ودوافعها ـ ثم بين المسيحية أو المسيحيات في القديم والحديث من جهة، والإسلام من جهة ثانية، معتبراً ـ وعلى خلاف المتعارف عليه في الغرب ـ أن التجربة الإسلامية في المسؤولية الاجتماعية ذات الجذور الدينية والأخلاقية أبرز وأعمق معنى. وكنت في كتابي: سياسات الإسلام المعاصر، قد ناقشت مفهوم الـ»Berufung» أي الإحساس الرسالي أو الدعوي الذي لاحظه السوسيولوجي الألماني الكبير ماكس فيبر (Max Weber) في أخلاق العمل (باعتباره نوعاً من أنواع العبادة) لدى الكالفينيين من البروتستانت على الخصوص (في كتابه: الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية)، ورأيت أن أفضل مفرد لترجمته الى العربية مفرد: الاحتساب (وهو في الإسلام شعور غلاب بضرورة أداء الواجب دونما انتظار لفائدة مباشرة، بل لوجه الله ورجاء أجره وثوابه واحتسابه عنده)؛ لكن فيما يبدو فإن الأستاذ كوك لا يرى لهذا المبدأ أثراً ظاهراً في البروتستانتية المعاصرة. وقد أزعج ذلك الأستاذ جون كلسي (الباحث المعروف في أخلاقيات الدين، ومحرر كتاب: الحرب العادلة بين المسيحية والإسلام) فتتبع وجوه الإحساس بالمسؤولية بدوافع دينية وأخلاقية لدى اليهود والمسيحيين المُحدثين، معتبراً كوك متجنياً رغم عظمة كتابه. وما انتهى تعجب كوك وإعجابه عند هذا الحد، بل عقد ملحقاً آخر أوضح فيه أن المؤرخ المسيحي المعروف ابن العبري اقتبس نصه في «المسؤولية» (=الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من الإمام الغزالي! أي كأن المسألة برُمّتها ما كانت معروفة لدى المفكرين المسيحيين في الأزمنة الكلاسيكية!

رابعاً: ترجمة الكتاب

كتاب الأستاذ الكبير مايكل كوك، لا يمكن تلخيصه في هذه العجالة، ولا بد من قراءته، بالتفصيل، وتدبره، أكثر من مرة. وقد قمت مع الزميلين الدكتور عمار الجلاصي والدكتور عبدالرحمن السالمي بترجمته خلال سنتين، وبذلنا في ذلك جهداً كبيراً بالفعل. فالنص طويل وشاسع، والرجل يرجع الى مئات المصادر المطبوعة والمخطوطة. وقد حاولنا العودة إليها جميعاً، فكلّفنا ذلك جهداً كبيراً وهائلاً. وهناك خمس أو ست حالات فقط حيث لم نستطع الرجوع الى مصدر فارسي أو تركي أو مخطوط فريد في إحدى المكتبات. وقد استغرب المؤلف نفسه أنّا تمكنّا الى هذا الحد من الرجوع الى المصادر. ولا بد أن أُثني في هذا الصدد وأنا والدكتور عبدالرحمن السالمي، على الزميل الدكتور عمار الجلاصي، الذي قام بالجهد الأبرز في البحث عن مصادر كوك. بيد أن الصعوبة الأخرى تمثّلت في اللغة الدقيقة لغوياً ومصطلحياً لكوك، والتي استغرقت منّا أكبر الجهد والوقت. يُقال إن الترجمة هي أيضاً تفسير وتأويل. وقد حاولنا أن لا تكون كذلك؛ بل أن تنقل جهد الأستاذ كوك نصاً وروحاً.

إن كتاب الأستاذ كوك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي لا يمثل وحسب استقصاء واسع وشامل للتجربة الإسلامية في رؤية العالم والدور والمسؤولية فيهما وعنهما من جانب المسلمين؛ بل هو أيضاً قراءة عميقة ومستوعبة لروح الإسلام كله، وكما سبق القول، من منظور إشكاليات المسؤولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة.

وقد قام المؤلف بذلك كله بكفاية ومسؤولية عاليتي الوتيرة، وأضاف لذلك وداً بالغاً ـ أو لنقل أُلفةً ـ ما عرفتهما منه وله في أعماله السابقة عن هذا الإسلام، وهذه الثقافة الكبرى. 


الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

آل بن لادن وعالم النفط والمال والإرهاب

آل بن لادن وعالم النفط والمال والإرهاب

 


في هذا الكتاب الذي أمضي الباحث الأمريكي الشهير ستيف كول عدة سنوات في تتبع مصادرة وتسجيل رواياته ، ستجد توثيقا لمراحل عديدة من التاريخ السعودي الداخلي وتاريخ العلاقات مع الخارج وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية ، مرورا بامتيازات النفط وبداية مشروعات التنمية وحرب اليمن واحداث جهيمان والحرب الأفغانية وأزمة الخليج وليس أخرا بإحداث 11 أيلول / سبتمبر . كما أن ما يزيد عن ثلث الكتاب يتحدث بأسلوب استقصائي توثيقي عن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ، منذ ولادته في أذار/ مارس 1957 وحتي قبيل مقتله في أيار / مايو 2011 بكل مراحل حياته وأكثرها خصوصية وغموضا


كتب : طارق أنكاي
أسامة بن لادن من الفقر إلى عالم المال ، ويركز هذاالكتاب على النقطة المفصلية في تاريخ تلك العائلة، وهي نزوح عامل البناء الأميّ اليمني “محمد بن لادن” إلى أحد بلدان الثروة النفطية، المملكة العربية السعودية. وبعد فترة ليست بطويلة أصبح هذا الرجل “محمد بن لادن” من خلال العمل الشاق والطموح والموهبة أحد دعائم التطوير في المملكة العربية السعودية، فساهم في بناء العديد من المساجد العظيمة والطرق السريعة، والتي جعلته هو وأولاده من أصحاب الثروة التي تٌقدر بالمليارات. فخلال جيلين انتقلت العائلة بن لادن من وادي الصحراء الجدب إلى حياة الرفاهية من طائرات ويخوت ومركبات خاصة حول العالم، فضلاً عن صفقات عمل مع مشاهير هوليود.وتبدأ رحلة الكفاح بنزوح محمد بن لادن من اليمن إلى المملكة العربية السعودية، ذات الوفرة النفطية ما بين الحربين العالميتين، ومع بداية الطفرة النفطية السعودية وجد “محمد” فرصة عمل في مجال البناء بشركة أرامكو Aramco ، شركة النفط العربية الأمريكية. وكونه أكثر من عامل جيد، كان “محمد بن لادن” منظماً ومتمتعاًً بقدرات فطرية في مجالي الأعمال والهندسة، وقد ساعدته تلك القدرات الفطرية في أن يُدشن شركته الخاصة في عام 1935 بمساعدة رب عمله. ونجاحه في بناء مساكن الأمراء، أهّله لأن يحظي بإعجاب الأسرة الحاكمة بالمملكة، والتي أوكلت إليه بناء أول المساكن الملكية. وأتبعها بالنجاحات فأُوكل إليه إنشاء شبكة الطرق بالمملكة، وتجديد الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة، ومسجد عمر بالقدس، وبناء المنشآت العسكرية لضمان أمن سلالة حكم “آل سعود”. ويتطرق الكتاب إلى تعدد زيجات “محمد بن لادن”، فعلى الرغم من تشدده في الصلاة إلا أنه كان يتمتع بنظرة حسب الكاتب ليبرالية (منفتحة) بشأن القيود القرآنية لتعدد الزيجات، والتي كانت في الغالب لأسباب العمل، بعيداً عن النزوة، وقد ظلت العديدات منهن يعشن معه في حين طُلق بعضهن قانونياً. وفي عام 1958 فقط ولدت زوجاته سبعة أطفال كان من بينهم أسامة بن لادن من أم سورية كان عمرها آنذاك 15 سنة انفصل عنها محمد بسرعة. وقبل وفاته في عام 1967 في تحطم طائرة أثناء تفقده لأحد مناطق الإنشاء بالصحراء كان أباً لما لايقل عن 54 ابناً، ورغم تعددهم إلا أنه اهتم بهم جيداً.وفي جزء من هذا الكتاب يركز كول على الجانب المالي لثورة محمد بن لادن، فيقول أنه كان من الصعب حساب ثروته، وأنه لم يكن مهتماً بإدارة أمواله بالمملكة العربية السعودية، فقد كانت الأسرة الحاكمة بالمملكة مديونة له بما يُقدر ب (100) مليون دولار. ولكن حسب الشريعة الإسلامية أعرب عن رغبته في أن يحصل كل من أبنائه الذين وصل عددهم إلى 25ابناً على 2.7 في المائة من أصول شركاته، وأن تحصل كل بنت على 1 في المائة. وهذه التركة تضمن لهم إنهاء تعليمهم وهناء العيش، مع بعض الفائض إلى أمهاتهم المطلقات اللواتي لا يحصلن حسب الشريعة الإسلامية على أي جزء من التركة.وعلى عكس ما هوشائع، لم يُولد ورثة بن لادن أغنياء بثروات مالية هائلة. فأغلب الذكور توجهوا للعمل بالشركة العائلية وكونوا ثرواتهم بشكل تدريجي. ولكن أسامة، حسبما كتب كول، كان استثناءاً فلم يكنز أمواله لأسباب سياسية إسلامية.
ويضيف كول أن ثروته الشخصية لم تكف في تمويل الأنشطة والشبكات الإرهابية التي أنشأها، لذلك اتجه إلى جمع الأموال من “المؤمنين الحقيقيين” داخل العالم الإسلامي بمفهومه الواسع.
النشأة الاجتماعية لزعيم تنظيم القاعدة
رغم أن أسامة بن لادن لم ينفصل عن أسرته، إلا أنه ترعرع في كنف أسرة غير تلك التي نشأ فيها أقرانه، فنشأ في بيت زوج أمه الذي اختاره أبوه “محمد” بجدة. وكان من حين إلى أخر يذهب إلى سوريا لزيارة أقارب أمه. ويصفه العديد من أفراد أسرته وأقرانه الذين تحاور معهم مؤلف الكتاب : كول بالخجول.وبعد وفاة والده التحق أسامة بمدرسة خاصة جيدة انجليزية في التوجه الأكاديمي وسعودية في التوجه الديني ، وفي مرحلة المراهقة انجذب إلى جماعة الإخوان المسلمين، تلك المنظمة التي انتشرت في معظم المجتمعات العربية خلال تلك الفترة، والتي كانت تدعم الأفكار الأصولية. وفي سن السابعة عشر تزوج من ابنة عمه التي كانت في سن الرابعة عشر، والتي أنجبت له ولدا بعد فترة قصيرة من الزواج. وعلى الرغم من تركيزه في التعليم الديني إلا أنه برع في دراسة التجارة والتكنولوجيا. وبعد التخرج انضم إلى أخوته غير الأشقاء للعمل بشركة البناء العائلية.
بدايات العمل المسلح
يمثل عام 1979 نقطة محورية لأسامة بن لادن، ذو 21 ربيعاً في ذلك الوقت، وللمملكة العربية السعودية. فكان عام الثورة الإسلامية الإيرانية التي أشعلت الكفاح الديني على نطاق واسع. فعلى إثر اقتحام القوات للمسجد الحرام بمكة المكرمة، أضربت القوى الإسلامية الراديكالية ، والتي قمعتها القوات في معركة دامية، والذي نتج عنه حالة من عدم الاستقرار. فاستنجدت الأسرة الحاكمة بالولايات المتحدة للحفاظ على بقائها، وخولت واشنطن بناء قواعد عسكرية على الأراضي السعودية.وقد كانت تلك السنة مفصلية لأسامة بن لادن، حيث رفض وجود تلك القوات “الكافرة” على أراضي المملكة العربية السعودية، فولد توتراً بينه وبين أشقائه الذين حققوا مكاسب طائلة من هذا المشروع (إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية بالمملكة). ولكن بعد عام من التوتر بين أسامة بن لادن والأسرة الحاكمة السعودية وأشقائه بشأن الوجود الأمريكي على الأراضي الأمريكية، غزا الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان. وكانت تلك بمثابة فرصة ذهبية له، حيث سارع في تقديم جل المساهمة للمقاومة الأفغانية، والتي كانت إسلامية بالأساس، وذهب إلى باكستان لمراقبة توزيع الأموال. وقد بدأ عمله بمعارضة الشيوعية والنفوذ الشيوعي، والذي غطى على الشقاق مع أشقائه، وأجلّ الشقاق مع الأسرة الحاكمة وحلفائها الأمريكيين.وبحلول منتصف الثمانينيات، انتقل بن لادن من الأمور والمسائل النقدية إلى توريد السلاح للقوات الأفغانية غير النظامية (المجاهدين)، ثم إلى تعبئة وتجنيد المقاتلين العرب للقتال بجانب المجاهدين الأفغان. وفي ذلك الوقت كانت الأسلحة رخيصة، فواشنطن كانت تغرق السوق بالأسلحة، وعلى رأسها صواريخ ستنجر المضادة للطائرات، والتي أكدت الهزيمة الروسية. ويشير الكتاب إلى عدم وجود محاضر لقاءات بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وأسامة بن لادن. فالوكالة كانت تعرفه، ولكنها لم تبد أهمية خاصة له أو تدرك بوعي الخطر الذي يمثله كفاحه.
بن لادن ينشأ تنظيم القاعدة
عقب انسحاب السوفيت من أفغانستان في 1988 أسس بن لادن تنظيم القاعدة، ثم عاد مرة أخرى إلى المملكة العربية السعودية، تاركاً خلفه في أفغانستان تابعين له؛ لتأييد حركة طالبان الأصولية في صراعها فيما بعد الحرب مع الفصائل الأفغانية الأخرى. ولكنه لم يتصالح مع الأسرة الحاكمة، فقد دخل معها في شقاق جديد علني هذه المرة على إثر دعوتها القوات الأمريكية استخدام أراضي المملكة العربية تمهيداً لشن حرب كانت تلوح أفقها على العراق، بسبب غزو صدام الكويت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم.وكان من شأن مواقف بن لادن أن جعلت أشقاءه في موقف صعب (معضلة صعبة)؛ لرغبتهم في تحقيق المزيد من الأرباح من بناء القواعد والمؤسسات الأمريكية، وعدم الانفصال عن الأخ. ولكن أشقائه اتخذوا قراراً بقطع راتبه من الشركة لعدم إغضاب الأسرة الحاكمة. والذي دفع أسامة بن لادن وزوجاته الثلاثة وأحد عشر ابنا وعدد غير محدد من البنات إلى اختيار المنفى إلى السودان لصعوبة البقاء بالمملكة العربية السعودية. وفي عام 1996طار مرة ثانية إلى أفغانستان، حيث استقبل استقبالاً حاراً من المتعاطفين معه بأفغانستان ومن على الحدود الباكستانية، وظل هناك حتى يومنا هذا.
ويركز كول ف يأجزاء من كتابه على العمليات المسلحة المنسوبة لأسامة بن لادن والقاعدة، وعلى تزايد منحى الغضب السعودي والأمريكي حيال أسامة بن لادن. وحسب كول ليس هناك مجالاً للشك في أن قدرات أسامة بن لادن التنظيمية، وقدراته العالية في جمع الأموال مازالت قوية وحادة. فقدراته الهندسية جعلت كهوف تورا بورا منيعة على القوات الأمريكية.ويؤكد كول أن العديد من أقاربه مازالوا يحتفظون بمشاعر دافئة له، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أجبرتهم على ضرورة أن ينأوا بأنفسهم عن أفعاله. فأشقاؤه المسؤولين عن شركة عالمية أخذوا مواقف صارمة تجاه أفعال وسياسات أسامة بن لادن إلاأن أخواته البنات يبدنّ أكثر تعاطفاً معه. ويشير كول في كتابة: أن الحديث عن أن أشقاء يرسلون له أموالاً سراً شيئاً غير مؤكد.وفي النهاية يمكن القول، أن هذاالكتاب يتناول في صورة بسيطة وسهلة التكامل العالمي ومعوقاته، وتناقضات العولمة فيقصة أسرة واحدة، استعملت المال وحرية الحركة والتنقل والتقنية إلى نهايات مختلفة بشكل دراماتيكي. فتلك الأسرة تضم تيارين على طرفي نقيض أحدهما يكن كل مشاعر الحب والمصلحة للولايات المتحدة، وراغباً في الاندماج والاستفادة منها، وهم على شقاق مع التيار الآخر الراغب في تدمير الولايات المتحدة الأمريكية والتخلص منها




السبت، 6 ديسمبر 2014

السيادة والسلطة - الآفاق الوطنية والسيادة الوطنية

السيادة والسلطة 

  الآفاق الوطنية والسيادة الوطنية


صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "السيادة والسلطة: الآفاق الوطنية والحدود العالمية"، ضمن سلسلة كتب المستقبل
العربي (52).
"نصوص هذا الكتاب تلتقي على مساحة واسعة من الموضوعات المتصلة بقضايا راهنة تشكل اليوم محوراً للحراك السياسي والاجتماعي الذي يتجه نحو صياغة أسس التعاقد الاجتماعي وطريقة الحكم وآليات المشاركة في الإدارة واتخاذ القرار، وهي بذلك أفكار واجتهادات تهدف إلى تعريف وبناء معنى السيادة في حدود الآفاق الوطنية والحدود العالمية..."

"وإلى جانب ذلك يضم الكتاب عدداً من البحوث المتصلة بالتجارب السياسية الراهنة في عدد من الأقطار العربية ومن زوايا مختلفة، ودور النخب السياسية، وسبر أبعاد العلاقة التبادلية بين القوى السياسية والحراك المستمر من أجل إعادة صياغة شرعيةِ أي نظام سياسي أو اجتماعي في ضوء ما يقدمه من تجارب رائدة وعملية في ميدان توسيع مبدأ المشاركة في الحكم وتعبئة الجماهير لتعزيز مساهمتها في عملية بناء مفاهيم معاصرة للسلطة وإدارة الحكم وبخاصة في ميدان التنمية البشرية والمادية..."

"ويبقى موضوع العلاقة بين السيادة والسلطة هاجساً يشغل جهد المفكرين والباحثين في هذا الميدان..."

وإذ يسهم مركز دراسات الوحدة العربية في خوض هذا الغمار، فإنه يدرك تماماً أن الآراء التي وردت، إنما تمثل جزءاً من محيط دائرة واسعة تتحمل المزيد من الاجتهاد والرأي ما يفضي بالضرورة إلى صياغة أفكار خلاقة دوماً حول شكل السيادة، وحدود السلطة، ومقدار تكاملهما وتفاعلهما في مثل هذه الظروف التي تواجه فيها الأمة العربية أشكالاً ومصادر متعددة للانقضاض على وجودها وسيادتها ومستقبلها. 

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

بحث في نشأة الدولة الإسلامية

بحث في نشأة الدولة الإسلامية

 



صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "بحث في نشأة الدولة الإسلامية" للدكتور فالح حسين.

وجاء في تعريف الكتاب ما يلي:

محور الدراسة في هذا الكتاب، هو الحديث عن الظروف التي نشأت فيها الدولة الإسلامية، والمؤشرات الدالة على هذه النشأة. أما الإطار الزمني فهو الفترة الواقعة بين الهجرة النبوية إلى يثرب (المدينة) والفترة الممتدة حتى أواسط القرن الأول الهجري.

وقد تركّز الحديث على توضيح وإبراز أهم المؤشرات التي تصبّ في صلب مسألة ولادة الدولة أو السلطة، التي أنتجت إدارة وجهاز حكم جديدين. ويفترض المؤلِّف أن النجاح السريع للإسلام، ديناً ودولة معاً، مدين بعد ظهوره بفترة وجيزة لتهميش الجزيرة العربية سياسياً وعسكرياً، لأن الحجاز، مهد الإسلام، والجزيرة بشكل عام، بقيت بعيدة عن خطر الدول المجاورة القوية، ثم عدم وجود سلطة الدولة القمعية في البيئة التي ظهر فيها الإسلام.

دراسة ترتكز على مؤشرات سياسية، ومؤسساتية (كإنشاء الديوان وإقرار العطاء، وتنظيم الضرائب) ومؤشرات مادية، كضرب النقد، إضافة إلى الوثائق المادية: الوثائق على النقوش الحجرية، والوثائق البردية.