الأحد، 3 يوليو 2016

نقد نظرية المدار

نقد نظرية المدار

إعادة رسم خارطة النظريات الغربية

حول أصول الشريعة الإسلامية




ملخص من مراجعة الأستاذة سلمي على موقع
Good Reads

المدار في الإسناد هو مصطلح قديم لدى علماء الحديث، و يعني الراوي الذي تلتقي عنده الأسانيد في سلسلة السند، أي الراوي الذي روى لأكثر من شخص، بعد أن كان أخذه من راو واحد فقط، بمعنى أن السند وجد فيه تفرد في بعض طبقاته...
المستشرق الألماني جوزيف شاخت أخذ هذا المصطلح و وضع على وفقه نظرية لنقض السنة و سماها بنظرية المدار (Common-Link
Theory) حيث اعتبر الراوي مدار الإسناد هو من وضع الحديث في القرن الثاني الهجري، و اختلق السند و نسبه للرسول صلى الله عليه و سلم... النظرية في بدايتها لاقت رواجا لدى المستشرقين إذ أنها تشكك في مصادر التشريع الإسلامي، فتابعه عليها الكثيرون... و لكن بعد فترة بدأ يظهر ضعفها و يكثر نقدها، حتى أن مايكل كوك الذي كان متحمسا لها في البداية _و بقية الهاجريين المشككين بالمصادر الإسلامية_، نجده قد انخفض صوته كثيرا حولها في كتابه الأخير الذي تحدثت عنه مطولا (الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في الفكر الإسلامي) و لا يكاد يلمح إليها...
ثم و بعد سلسلة من البحوث الناقدة للنظرية أتى هذا البحث الشامل من فهد الحمودي و نقضها من أساسها نقدا محكما و علميا و بمعاييرها التي وضعتها و بلغة رصينة، و قد فعل هذا من دون خجل و مواربة كما حصل في نقد بعض المستشرقين لها، فرغم ضعفها في نظرهم إلا أنها كانت محببة لديهم لما تجره من نتائج في التشكيك بالمصادر الإسلامية...
يدور نقد الحمودي حول عدة نقاط، أهمها، أن شاخت لم يفهم مصطلحات علماء الأحاديث و الفروق بينها كما بين ذلك الحمودي بالأمثلة... كما أن لدى شاخت مشكلة في التفريق بين الحكم على المتن و على السند، و لم ينتبه لتفريق علماء الحديث للفرق بينهما، و أنه قد يكون السند صحيحا و لكن المتن معلول، و أن هناك مباحث طويلة حول هذه المواضيع، و مناهج للتفريق و الترجيح و التحليل... كما عمد الحمودي لنقد الأمثلة التي بنى عليها شاخت نظريته، و هي عدة أمثلة لا أكثر!! و الغريب أن مصادر شاخت التي اعتمد عليها قليلة، و معظمها في الفقه الشافعي، فهو لم يقم بعمل استقراء لكتب الحديث ليخرج بهذه النظرية كما قد يتوهم المرء، فجزء من خطأه اعتماده في بحثه على مراجع لا صلة لها بالموضوع ككتب الفقه!! و بالتالي لم يعلم أن الروايات التي ادعى تفردها المطلق لها شواهد من أحاديث و سلسة روايات أخرى في كتب أخرى لا وجود للمدار الذي ذكره و ادعى أنه الواضع... بالإضافة إلى ورود المعنى في أحاديث أخرى بمتن آخر، فضلا عن أنه اعتمد على أحاديث يصنفها علماء الحديث بكونها شاذة، مدعيا أنها نموذجية!!! و دعونا لا نتحدث عن الانتقادات التي وجهت له لأنه لم يضع حواش في بحثه للدلالة على ما يقول!!!
الأغرب منه يونبل الذي حاول أن يدعمها بأمثلة أكثر، فقام بأخذ أحاديث من كتب مصنفة للأحاديث غير الصحيحة ككتاب الموضوعات لابن الجوزي ليثبت فيها النظرية، و من دون أن يقول أنها تعتبر موضوعة عند علماء السنة، و من ثم أسقط النتيجة على كل السنة، الصحيح منها و السقيم!
باختصار فإن شاخت و من تابعه لم يقوما بدراسة الأحاديث التي يعتبرها علماء الحديث بأنها صحيحة لا علة فيها لتطبيق النظرية عليها، لأنهما لو فعلا فستكون النتيجة هي أن مدار الإسناد فيها هو رسول الله، أو الصحابي في الحديث الموقوف، و هذا يخالف النتيجة التي أرادوها ابتداء من جعل السنة اختراعا للفقهاء في القرن الثاني الهجري... و لذلك
فـ "عندما يرجع الشاختيون إلى مرجع في الحديث بغرض تأييد ظاهرة عامة، فإنهم في الأغلب يختارون نماذجهم من كتب السلف المخصصة لدراسة الأحاديث غير الصحيحة [...] لقد كان على الشاختيين، كي يجعلوا من استنتاجاتهم مقنعة، أن ينطلقوا لا من الموضوعات، كما فعلوا، و لكن من الأحاديث الصحيحة التي أجازها المحدثون." ص140

البحث ممتاز و متكامل، و اطلاع مؤلفه الباحث السعودي فهد الحمودي واسع على كتب المستشرقين و كتب علماء الحديث على حد سواء... و البحث نموذج لما كنت ذكرته في معرض حديثي عن كتاب يوهان فوك (الدراسات العربية في أوروبا) عن دور إسهامات الباحثين العرب و المسلمين في الدراسات الإسلامية الغربية المعاصرة و أثرها على تصحيح مسارها... فهي رسالته للدكتوراة في جامعة ماكجيل، أما الأستاذ المشرف عليه فهو وائل حلاق الأستاذ في جامعة كولومبيا و الذي بات اسمه مشتهرا في أوساط العرب المهتمين بالدراسات الإسلامية الغربية، لبحوثه المصححة لتحامل الاستشراق الكلاسيكي على الشريعة الإسلامية...

هذه الدراسة مهمة جدا سيما و أن موجة التشكيك الحالية بالسنة لدى الداعين لهدم التراث من العرب كثير من منشأها استشراقي بسبب شاخت و من قبله جولدزيهر... و أهمية الدراسة ليس مبالغا بها،
"ليس لأنها متعلقة بالأصول و القواعد المقررة للنظريات الغربية فحسب، و لكن لما تتضمنه من تأثير سيعيد قراءة الروايات المتعلقة بتأريخ التشريع، كما ستقود هذه الدراسة إلى دراسات واعية لمرحلة تأسيس الفقه الإسلامي" ص167
 
حقيقة علم الرجال و الإسناد من العلوم الدقيقة و العميقة و من أكثر العلوم التي اهتم بها علماء الإسلام و كتبوا فيها نقدا و تنقيحا و لا زالوا... و أيضا من أكثر ما يـُجهل فيها و عليها... فيأتي شخص بالشبهة فيما يتعلق بالحديث و كيفية تقييمه، موهما المتلقي بأنه أتى بما لم يأت به الأوائل، و مغفلا ما ذكره حولها علماء الحديث من كلام طويل تحليلا و نقدا... كما فعل شاخت... و ما أكثر الشاختيين!

الترجمة ممتازة أيضا، فقد راعت المترجمة هيفاء الجبري المصطلحات الحديثية باقتدار، مع أنها الترجمة الأولى لها كما ذُكر في مقدمة الكتاب...

أختم في النهاية بهذه المحاضرة الرائعة بأسلوبها السلس لـ مجير الخطيب، يتحدث فيها عن المدار في الإسناد عند علماء الحديث المسلمين، (و هو مؤلف كتاب من جزئين بعنوان: معرفة مدار الإسناد و بيان مكانته في علم علل الحديث) و افتراقها عن نظرية شاخت، و من ثم فهذه المحاضرة تعين على فهم الكتاب أكثر و على كيفية وصول الحديث إلينا بشكل عام...

الجمعة، 1 يوليو 2016

فقه الحرية

فقه الحرية

دراسة فقهية في الحرية وقيودها


لقد حاول الفلاسفة والمدارس الفلسفية الحفاظ على الحد الأعلى لحرية المواطنين على الصعيد المدني والسياسي، وقد سجل دعاة الحرية نجاحات مقبولة على هذا الصعيد. ولكن دعوات الحرية تلك تغفل البعد المعنوي للإنسان الحر، ويغالي بعض هؤلاء الدعاة إلى حد الدعوة إلى تحرير الإنسان من ذاته وكرامته الممنوحة له بأصل الخلقة الإلهي، وذلك من خلال إطلاق عقال كل شهواته ورغباته...
وسوف نسعى في صفحات هذه الدراسة عرض موقف الإسلام من قضية الحرية لنثبت أن الإسلام لا يتعارض مع الحرية ولا يدعو إلى استبدالها بالأسر والتقييد، وكل ما يدعو إليه هو أن تقيد الحرية بحفظ الكرامة الإنسانية التي بها يكون الإنسان إنساناً... وإن كان ولا بد من كلمة حول المنهج فنشير إلى أننا اعتمدنا المنهج الفقهي القائم على الرجوع إلى الكتاب والسنة وغيرهما من أدوات الاستدلال في الفقه، ورغبة منا في إضفاء عمق جديد على البحث الفقهي عرضنا مقارنات بين ما يستفاد من النص الديني وبين بعض النظريات السياسية والاجتماعية حول الحرية.