ثورة بلا ثوار
ما من شيء نعرفه من ظواهر الحياة يُقارع ظاهرة الثورة في قدرتها على استدعاء الأمل، وإلهامه، وخيانته!”. بهذا القول يلخّص عالم السياسة الأميركي ذو الأصول الإيرانية آصف بيّات الأطروحة التي أجملها كتابه ثورة بلاثوّار: مسعًى لفهم الربيع العربي. في هذا النصّ الثري الذي يحوي مجموعةً من المداخلات، يضعنا بيّات أمام قراءة محفوفة بالدهشة والحسرة والتساؤل، تسير فوق خريطة معقّدة، ترتسم على خطوطها رحلة صنعت فيها الجماهير الفاصل الأهم في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، وراوحت فيها بين أمل ويأس.
عايش بيات ثورتين في المنطقة: في طهران مع سقوط الشاه عامي 1978-1979، وفي القاهرة عامي 2011-2012، مما يجعل منه شاهداً مميزاً، ويؤهلّه لمقارنة هاتين التجربتين.
بخصوص إيران كان لفكرة الثورة صدى كبير لدى شرائح واسعة من المجتمع، سواء الحداثية أو التقليدية. وقد كانت راسخة عند الماركسيين، كما في الإسلام السياسي، وتحملها الشخصية الرمز علي شريعتي، وهو مفكّر إسلامي ماركسي.
وقد تزامن سقوط الشاه مع انهيار جهاز الدولة وتطوّر حراك اجتماعي قوامه وضع اليد على الأراضي والمساكن والمصانع، بينما كانت القيم الجمهورية مغرية لكونها تجمع بين تأكيد السيادة الشعبية والتطلع إلى العدالة الاجتماعية.
تزامن ذلك مع اندلاع الثورات في العالم الثالث؛ من اليمن إلى فلسطين، ومن أميركا اللاتينية إلى المستعمرات البرتغالية. وقد شهدت هذه الحقبة انتصار الشعب الفيتنامي على الولايات المتحدة وانهيار آخر مخلفات الإمبراطوريات الاستعمارية.
إذن كل هذه النضالات كانت تغذي المخيال الفكري للثوريين الإيرانيين، سواء أكانوا ماركسيين أو متدينين. كان العداء للقوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة عامّاً، وكانت هيمنة الأفكار الاشتراكية تتأكد في عدّة مجالات.
ويشير المؤلف إلى أن هذا الزخم امتد إلى حركة الإخوان المسلمين حيث كانت تدعو إلى “الاشتراكيّة الإسلاميّة”، نظرا لأن التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً.
ولكن الوضع تغيّر بعد ثلاثين عاماً، حيث تلاشى الأفق الثوري وأصبحنا نعيش حقبة ما بعد الأيدولوجيا، “فالأصوات الحالية سواء العلمانيّة أو الإسلاميّة تقبل باقتصاد السوق وعلاقات الملكيّة والعقلانيّة النيوليبراليّة”.
وقد أدّى هذا المنحى إلى نزع الطابع السياسي عن المعارضة حول العالم، إذ ركزت هذه الأخيرة على الدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق الفرديّة وحقوق النساء والأقليات دون استيعاب فكرة أنّ حيازة هذه الحقوق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسائل الاجتماعيّة والطبقية.