الاثنين، 18 مارس 2024

ثورة بلا ثوار



ما من شيء نعرفه من ظواهر الحياة يُقارع ظاهرة الثورة في قدرتها على استدعاء الأمل، وإلهامه، وخيانته!”. بهذا القول يلخّص عالم السياسة الأميركي ذو الأصول الإيرانية آصف بيّات الأطروحة التي أجملها كتابه ثورة بلاثوّارمسعًى لفهم الربيع العربي. في هذا النصّ الثري الذي يحوي مجموعةً من المداخلات، يضعنا بيّات أمام قراءة محفوفة بالدهشة والحسرة والتساؤل، تسير فوق خريطة معقّدة، ترتسم على خطوطها رحلة صنعت فيها الجماهير الفاصل الأهم في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، وراوحت فيها بين أمل ويأس.

عايش بيات ثورتين في المنطقة: في طهران مع سقوط الشاه عامي 1978-1979، وفي القاهرة عامي 2011-2012، مما يجعل منه شاهداً مميزاً، ويؤهلّه لمقارنة هاتين التجربتين.

بخصوص إيران كان لفكرة الثورة صدى كبير لدى شرائح واسعة من المجتمع، سواء الحداثية أو التقليدية. وقد كانت راسخة عند الماركسيين، كما في الإسلام السياسي، وتحملها الشخصية الرمز علي شريعتي، وهو مفكّر إسلامي ماركسي.

وقد تزامن سقوط الشاه مع انهيار جهاز الدولة وتطوّر حراك اجتماعي قوامه وضع اليد على الأراضي والمساكن والمصانع، بينما كانت القيم الجمهورية مغرية لكونها تجمع بين تأكيد السيادة الشعبية والتطلع إلى العدالة الاجتماعية.

تزامن ذلك مع اندلاع الثورات في العالم الثالث؛ من اليمن إلى فلسطين، ومن أميركا اللاتينية إلى المستعمرات البرتغالية. وقد شهدت هذه الحقبة انتصار الشعب الفيتنامي على الولايات المتحدة وانهيار آخر مخلفات الإمبراطوريات الاستعمارية.

إذن كل هذه النضالات كانت تغذي المخيال الفكري للثوريين الإيرانيين، سواء أكانوا ماركسيين أو متدينين. كان العداء للقوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة عامّاً، وكانت هيمنة الأفكار الاشتراكية تتأكد في عدّة مجالات.

ويشير المؤلف إلى أن هذا الزخم امتد إلى حركة الإخوان المسلمين حيث كانت تدعو إلى “الاشتراكيّة الإسلاميّة”، نظرا لأن التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً.

ولكن الوضع تغيّر بعد ثلاثين عاماً، حيث تلاشى الأفق الثوري وأصبحنا نعيش حقبة ما بعد الأيدولوجيا، “فالأصوات الحالية سواء العلمانيّة أو الإسلاميّة تقبل باقتصاد السوق وعلاقات الملكيّة والعقلانيّة النيوليبراليّة”.

وقد أدّى هذا المنحى إلى نزع الطابع السياسي عن المعارضة حول العالم، إذ ركزت هذه الأخيرة على الدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق الفرديّة وحقوق النساء والأقليات دون استيعاب فكرة أنّ حيازة هذه الحقوق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسائل الاجتماعيّة والطبقية.


Download

الاثنين، 15 فبراير 2021

 

دهاليز الأمن المركزي - النشأة والمكونات




يُعد قطاع الأمن المركزي حسب تعبير وزير الداخلية السابق اللواء حبيب العادلي )الجناح العسكري والقوة الضاربة

لهيئة الشرطة( 1. وقد لعب منذ تأسيسه في عام 1969 دو را بارزا في المشهد العام المصري، وبالأخص في حماية النظام

الحاكم عبر التصدي للاحتجاجات الجماهيرية، وتنفيذ عمليات القبض على المعارضين السياسيين، وتأمين ا لانتخابات

وما يشوبها من تزوير فضلا عن دوره الفني المتمثل في حراسة الأماكن الحيوية ومساعدة الأجهزة الشرطية الأخرى في أداء

مهامها مثل اقتحام أوكار عصابات الاتجار بالمخدرات، ودعم حملات شرطة التموين لضبط المخالفات.

ورغم محورية دور الأمن المركزي إلا أنه في حدود اطلاعي لا توجد دراسة مفصلة منشورة تتناوله سواء باللغة العربية أو

ا لنجليزية، بل كثيرا ما تتسم الدراسات التي تتناول إصلاح القطاع الأمني في مصر بعدم الدقة عند تناولها للأمن المركزي

ولا تفرق بينه وبين قطاع قوات الأمن، وصولا لتقديمها أرقام غير صحيحة عن حجم الأمن المركزي 2، مما يؤدي إلى رسم

صورة خاطئة عن هذا القطاع شديد الأهمية.


Download - MediaFire

السياسة الشرعية في أزمنة الوهن والاستضعاف






يستقرئ المؤلف الأحوال التي شهدتها الامة مع غياب الحكم الاسلامي وآراء العلماء في تعاملهم مع هذه الأحوال في محاولة لرسم ملامح سياسة شرعية في استيعاب احوال الفرد المسلم والجماعة المسلمة












الجمعة، 30 مارس 2018

الدولة ذات السيادة ومنافسوها

الدولة ذات السيادة ومنافسوها



 من مقدمة المترجم
يبحث هذا الكتاب في أسباب ظهور نظام الدولة الذي نعرفه، الدولة القطرية ذات السيادة، الذي يُنظر إليه غالبًا على أنه نتيجةً حتمية للتطور التاريخي. غير أن المؤلف يعتمد مقاربةً مختلفة، محاولًا بذلك تجاوز المشاكل المفاهيمية التي عانت منها العديد من الأدبيات التي تعتني بمسألة تغير الأنظمة.
إذ ينظر المؤلف إلى نمو الدولة وخاصة فكرة السيادة التي جاء بها نظام الدولة في أواخر القرون الوسطى، في مقابل البدائل التي تزامن ظهورها مع ظهور الدولة ذات السيادة كالعصب المدينية والدول-المدينة الإيطالية



Good reads Link

Download - MediaFire

الخميس، 1 مارس 2018

مصحف الشمرلي برواية حفص عن عاصم وبهامشه رواية قالون عن نافع

مصحف الشمرلي 

برواية حفص عن عاصم 

وبهامشه رواية قالون عن نافع



مصحف الشمرلي برواية حفص عن عاصم - الطبعة المصرية الشهيرة بخط محمد سعد إبراهيم الشهير بحداد
وبهامشه رواية قالون عن نافع
لأول مرة بالإنترنت


السبت، 16 سبتمبر 2017

الموازنات المالية والتشريعية لميراث الذكر والأنثى في الإسلام

الموازنات المالية والتشريعية لميراث الذكر والأنثى في الإسلام



وضع الإسلام ميزانا دقيقا للميراث وأدخله في موازنات مهمة جدا مع منظومة تكاليف مالية وتشريعية أخرى كالنفقة  والصداق وحياطة حق الضعيف الذي قد ينتزع لمجرد أنه لادور له في الحروب والمنازعات التي تنتهي بجلب الغنائم

جاء الإسلام وانتزع تنظيم الميراث من فكرة القوة والهيمنة التي فرضت نفسها كعلة مبررة لحرمان  الأنثى من إرث أقرب  أقربائها ممهدا بذلك بإرجاعه لكينونتها وشخصيتها التي فقدتها في دهاليز القوانين الجائرة
وموضوع ميراث المرأة في مقابل إرث الرجل كان ولازال يثير نقاشا واسعا بين الباحثين والمثقفين  وقد يتجاوزه البعض لاتهام الشرع بظلم المرأة والسبب في ذلك هو النظر المحدود لميراث المرأة في حدود الآيتين "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" 
وقوله تعالى "وإن كانوا إخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين ""
ولايتسع أفقه ليتأملهما داخل منظومة متكاملة من الموازنات المالية والتشريعية 
   


الجمعة، 15 سبتمبر 2017

خمسون مفكرا في العلاقات الدولية

خمسون مفكرا في العلاقات الدولية



يقدم هذا الكتاب تعريفاً بأبرز خمسين مفكراً في العلاقات الدولية من مفكري القرن العشرين. وهو يوفر معلومات أساسية عن كل مفكر من هؤلاء المفكرين الخمسين فضلاً عن موجز لأحد أعمال كل منهم وقائمة بأبرز مؤلفاته، وبعض المراجع المفيدة حوله. يعرض الكتاب أفكار وأعمال هؤلاء المفكرين، كل على حدة، ويجري ترتيبهم تحت مجموعة عناوين غير تقليدية تتعلق بالمدارس الفكرية المعاصرة في دراسة العلاقات الدولية


الاثنين، 14 أغسطس 2017

الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية

الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية

 


 منقول من موقع المكتبة الشاملة
قراءة في كتاب

الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية
المؤلف: الدكتور حامد عبد الماجد قويسي.
الناشر: دار التوزيع والنشر الإسلامية.
حجم الكتاب: 566 صفحة من الحجم الكبير.
عرض: وائل عبد الغني.

هذه الدراسة المنهجية المتخصصة في النظرية السياسية الإسلامية نال بها
الباحث درجة الماجستير من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.
تنطلق الدراسة من افتراض مفاده: أن النجاح أو الإخفاق على المستوى الداخلي
والخارجي في ممارسة الوظيفة العقيدية للدول أو الأنظمة التي تعاقبت على حكم أمة
الإسلام ما هو إلا اختلاف في الدرجة لا في النوع؛ ومن ثم اتصفت الممارسة بقدر
كبير من الاستقرار والاستمرار.
هذه الوظيفة قد عرفتها الخبرة الإسلامية بدرجة مكثفة دون أن يكون لها
الوضوح الكافي على مستوى الدراسات من قبل، وقد رأى الباحث أن يتم التنظير
لها على ثلاثة مستويات:
1 - مستوى القيم التي تحكم الوظيفة (المبادئ) .
2 - مستوى البناء النظامي (الهياكل والمؤسسات) .
3 - مستوى قواعد الممارسة ونماذجها التطبيقية.
وتسعى الدراسة لبيان قيمة الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية في إطار نظرية
وظائف الدولة الإسلامية وتحديد موقعها منها في إطار من التجريد والعمومية.
ويتقدم المؤلف بين يدي بحثه بفصل تمهيدي يوضح فيه أهمية انطلاق
التنظير من (المنهج المعرفي المستمد من الوحي) بواقعيته المثالية؛ لتلافي آثار
أزمة الانطلاق من المنهج الغربي التي اتضحت معالمها هناك على مستوى: المنهج،
والنظرية، والتطبيق، بالإضافة إلى ما يمكن أن ينشأ من إشكاليات مضاعفة عند
تطبيقه على واقعنا الإسلامي؛ لقصوره عن تفسير كثير من الظواهر التي تنشأ
داخل مجتمعاتنا المسلمة نتيجة لقصور مسلَّماته وجمودها عند حدث معين ولحظة
تاريخية معينة، ولعل هذا يفسر جزءاً كبيراً من إخفاق الأنظمة العربية في تحقيق
أي من أهدافها التي رفعتها غداة استقلالها.
فطبيعة المنهج وضرورة التميز العقيدي تمليان علينا ضرورة البناء العلمي
والتطبيقي على هدي قواعده وأصوله المستمدة من الشرع.
ويحتوي الكتاب إلى جانب المقدمة القيمة التي تصلح لأن ينال على
موضوعها مع شيء من العمق والتوسع درجة علمية بجدارة خمسة فصول، يقطع
في كل منها شوطاً نحو بناء النظرية:
ففي الفصل الأول:
يضع إطاراً لوظائف الدولة الإسلامية، ويبين موضع الوظيفة العقيدية، وفيه
يتناول برؤية نقدية الكتابات التي عالجت وظائف الدولة الإسلامية، ويفرق فيها بين
اتجاهات تقليدية، وتجديدية.. والقديم منها والمعاصر، من أجل استخلاص بعض
النتائج التي تمهد لبناء مفهوم الوظيفة العقيدية لغوياً وأصولياً ليعتمده أساساً للتنظير.
ويرى المؤلف أن الاتجاه التقليدي قد ركز بوجه عام على الإمامة والخلافة
والإمارة باعتبارها تحقق أهدافاً منبثقة من التصور العقيدي العام، وقد ركز على
وظائف الدولة باعتبارها واجبات الإمام واختصاصاته دون اهتمام بواجبات الرعية
والعلماء وأهل الحل والعقد باعتبارهم جزءاً من الحقيقة البشرية للدولة.. وقد قدم
لنا هذا الاتجاه قوائم سردية بوظائف الإمام وواجباته مع خلط وقع بين الوظائف
وأدوات الممارسة.. ويُعَدُّ الماوردي والفراء أبرز من تكلم في هذا المجال، وكثيراً
ما تأثرت كتابات هذا الاتجاه في أسلوب عرضها بالواقع السياسي الموجود سواء في
المذكور أو المسكوت عنه.
أما كتب الفارابي وإخوان الصفا وأمثالهم فلا تنطلق من أنموذجنا المعرفي؛
إذ كتبت في ظروف تعرَّض فيها العالم الإسلامي لموجة تغريب من الحضارتين
الفارسية واليونانية ربما كانت أقسى مما هو مشاهد اليوم من أوْرَبَةٍ وأمْركة، وقد
كانت تلك الكتابات بمثابة نقطة البدء في الفصل بين ما يمكن أن يسمى «وظائف
دينية» و «وظائف دنيوية» .
ورغم الإسهامات الجادة لهذا الاتجاه فإنه لم يقدم لنا مفهوماً واضحاً لوظائف
الدولة، ولم تنضج منهجيته لتقدم لنا حواراً منهجياً فعالاً بين الأوامر المنزلة وبين
قضايا الواقع.
وفي المقابل نجد أن الاتجاه التجديدي قد ركز في كتاباته القديمة على الخطوط
العامة دون خوض في التفصيلات مع أهميتها في كثير من الأحيان، لكنها شكلت
تياراً مستمراً مرتبطاً بحركة الاجتهاد على امتداد الساحة الزمانية والمكانية للدولة
الإسلامية.
وقد قطعت هذه الكتابات شوطاً في التأصيل؛ إذ قدمت نظرة شاملة ومتكاملة
لمضمون وظائف الدولة، وأصَّلت له وربطت مفهومه بمفهمومَيْ: «الولاية»
و «الأمانة» كما جاء في كتابات ابن تيمية، وبـ «الخطط» كما هي في كتابات
ابن خلدون، وكما ربطته بالمقاصد والمصالح الشرعية التي محورها: «حراسة
الدين وسياسة الدنيا به» .
أما الكتابات المعاصرة في الاتجاه نفسه فقد ربطت هذه الوظائف بمفهومَيْ
«الحاكمية» و «الاستخلاف» وبين مفهوم الدولة ووظيفتها وفكرتها وعقيدتها في
نظرة شاملة ومتكاملة، دون أن ترقى لتشكل نظرية في هذا الجانب، كما أنها لم
تستخدم المداخل الاجتهادية (القياس، والاستصلاح، والاستصحاب) في ضبط
الممارسة.
ويرى المؤلف في نظرته التي تأتي امتداداً للاتجاه التجديدي أهمية وجود
تصور واضح عن مفهوم الدولة ونشأتها وتطورها - ووظائفها حتى يمكننا التعرف
على طبيعة الوظيفة العقيدية وبلورة مفهومها في شكل نظرية؛ فيرى أن مفهوم
الدولة: عبارة عن بلورة نهائية لترابط عضوي بين حقيقتين: معنوية (عقيدة
التوحيد) ، وبشرية (أمة إمام أهل الحل والعقد) .
ومن حيث نشأة الدولة وتطورها: يرى وجود رابط سببي وزمني بين نشوء
الدولة وبين مولد الرسالات السماوية، فنجد في القرآن تأصيلاً لهذه النشأة: [كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ
البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ] (البقرة: 213) ، فهناك مرحلة الأمة الواحدة.. ثم مرحلة
الاختلاف.. ثم مرحلة إرسال الرسل ونشأة الدولة التي نشأت بجهد أتباع الرسل
المسدَّد باتِّباعهم لمنهج الرسل.
أما الوظائف: فيفرق بين مستويات ثلاثة:
- الوظيفة باعتبارها قيمة.
- الوظيفة باعتبارها بناءً مؤسسياً.
- الوظيفة باعتبارها ممارسة وسلوكاً.
ويرى المؤلف أن «الوظيفة العقيدية» و «الوظيفة الاستخلافية» هما
مضمون وظائف الدولة؛ حيث تتبلور كل وظيفة عن قيمة محددة.. ثم تتمحور
القيم لتعبر عن قيمة واحدة هي قيمة «التوحيد» ، وتسعى لإنجاز مقصد واحد هو
«حفظ الدين» ، والذي يرتبط هو الآخر بمفاهيم: العبادة.. والأمانة..
والاستخلاف.
أما الوظيفة الاستخلافية فهي في جوهرها تابعة ومساندة للوظيفة العقيدية،
وتشتمل على وظيفتين يندرج تحت كل منهما وظيفتان:
العمران: ويندرج تحتها الوظيفة الإنمائية والأمنية.
والعدل: ويتحقق ب: الوظيفة التوزيعية والجزائية.
هذه الوظائف تتساند لتشكل الوظيفة الاستخلافية التي تتبع وتساند الوظيفة العقيدية
التي جوهرها التوحيد وتتحدد في ثلاثة أبعاد:
1 - تحديد موقف واضح من العقيدة (إعلان الالتزام) .
2 - بناء وتأسيس الكيان العقيدي بما يحويه من نظم.
3 -القيام بواجب الدعوة من خلال الإقناع.
وهو ما ستوضحه الفصول القادمة.
الفصل الثاني: بناء مفهوم الوظيفة العقيدية:
بدءاً بالدلالة اللغوية للتركيب حيث يشير إلى: «مجموعة الأنشطة والعمليات
الملزمة التي تقوم بها الدولة لتحقيق المنهج الذي ينبثق من العقيدة التي يعتقدها
ويرتبط بها مجتمع من المجتمعات أو نظام من الأنظمة» .
ومروراً بالدلالة الأصولية التي تعني: الولاية الشرعية العامة للدولة
الإسلامية في تنفيذ وممارسة الفروض والواجبات الكفائية المتعلقة بحق الله تعالى
بوجه عام «والتي تخدم كثيراً في صياغة النظرية.
وعلى مستوى النظرية نجد أمامنا ثلاثة مقومات تتشكل منها معاً هذه الوظيفة:
- حقيقة معنوية جوهرها التوحيد.
- حقيقة بشرية تشكل الجسد السياسي للدولة (الخليفة العلماء أهل الحل
والعقد الرعية) .
- العلاقة بين الحقيقتين وهي علاقة إيمان واعتقاد من جانب، وتوظيف
وعمل من جانب آخر.
هذا المفهوم وفق هذه الرؤية يتفرد بسمات الشمول والحركية والواقعية وتعدد
المستويات والأبعاد والأطراف والعموم والتجريد الذي يؤهل لصلاحيته للإنسان في
أي زمان ومكان.
وسيتم تفصيل ذلك في الفصول القادمة.
الفصل الثالث: مضمون الوظيفة العقيدية وأبعادها:
أما من جهة المضمون: فإن وظائف الدولة تعبر في التحليل الأخير عن القيم
الأساسية في المجتمع التي جوهرها التوحيد باعتبارها القيمة المحورية العليا،
والتي تفرض تحديد مقصد الوظيفة التي تعبر عنها، كما تحدد نظام القيم الإسلامي
الذي يتميز بخصائص الشمول والمثالية والواقعية والحكمة في الممارسة والوحدة في
التعامل والطابع الإنساني العالمي، كما يتميز بالجمع بين الجماعية والفردية في آن
واحد.
وتسعى العقيدة من وراء ذلك إلى إحداث التغيير كمّاً وكيفاً من خلال الممارسة
وصولاً إلى المثالية العليا التي تتميز في نموذجنا الإسلامي برؤية واضحة وهدف
محدد هو الفوز الأخروي، وترتبط بوظيفة الاستخلاف على منهاج النبوة.
وبأسلوب أوضح تعد ممارسة الوظيفة العقيدية في الواقع العملي جوهر التطبيق
الواقعي لتوحيد الألوهية وتقترب كثيراً من الصياغة الحديثة لمفهوم الحاكمية، أو
بالتعبير الشهير مقصد (حفظ الدين) ليس بمفهوم الدولة الحارس الذي عرفته
الخبرة الأوروبية والذي يعني الحفاظ على العقيدة في أصولها وإنما بتطبيقها في
الواقع العملي الحيوي بجميع جوانبه وأبعاده والذي لا يتم إلا في إطار كيان سياسي؛
ذلك أنه لا يسع المسلمين أن يعبدوا الله بالمفهوم الشامل إلا حين يغدون رعايا
مخلصين لدولة إسلامية، ولن يتاح لهم أن يعيشوا بما يتفق مع أخلاقيات عقيدتهم
إلا من خلال الانتماء إلى أمة المؤمنين؛ ولهذا فمقصد» حفظ الدين «مقصد سابق
لوجود الدولة التي تفقد مسوِّغ وجودها إذا ما تخلت عنه أو تنكرت له.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نتصور حدين في هذا المجال:
حداً أدنى: تغدو به الدولة مسلمة، ويتمثل في إعلانها الالتزام بالإسلام،
وعدم إخلالها بمنطقة المحكمات (المعلوم من الدين بالضرورة) .
وحداً أعلى: تكون به الدولة إسلامية، وهو نموذج أرقى تسعى فيه الدولة
لتحقيق مقاصد الشريعة كلها في إطار المحكم وفي إطار الظني بإعمال الاجتهاد في
مجاله.
وعندما تصل الدولة إلى تحقيق مقاصد الشريعة الخمسة على الأقل في درجة
الضروريات التي تتبلور في مقصد حفظ الدين، فإنها تصبح مسلمة.. وبينها وبين
أن تكون إسلامية مسافة أخرى تشمل الاجتهاد في مساحة الظنيات. والفارق كما
يبدو نوعي وكمي في آن واحد؛ فهي لا تصبح إسلامية دون أن تكون مسلمة؛ كما
يشك بدرجة كبيرة في أن تظل مسلمة دون أن تنجز المقاصد الشرعية من خلال
الانتقال من مجرد إعلان قبول الالتزام العقيدي وحمايته إلى محاولة تحقيقه وبناء
المجتمع العقيدي من خلاله، والتعامل الخارجي انطلاقاً من مبدأ الدعوة، وأن يكون
رجوعها إلى الشرع رجوع افتقار لا رجوع استظهار، ولا يقبل التعلل بالتدرج في
التطبيق؛ إذ الفرق جلي بينه وبين الانحراف؛ فالتدرج لا يمكن من خلاله الإخلال
بمبدأ الاحتكام إلى الله ورسوله من خلال التلاعب بالنصوص لتسويغ الانحراف في
عملية الممارسة.
ويلفت النظر إلى أن مقصد» حفظ الدين «لا يجوز أبداً قصره على المعاني
المباشرة للّفظ؛ بل يعني أيضاً الحفظ الحقيقي المنصرف إلى الكيان البشري الذي
يكوّن الجسد السياسي للدولة، أي حفظ العقيدة مطبقة في الأمة، ويرتبط بهذا مقصد
آخر هو الوحدة.. سواء على مستوى الكينونة الفردية، أو الكيان الاجتماعي على
مستوى الإدراك.. والولاء.. والنظام.
أما من حيث الأبعاد: فنجد أمامنا ثلاثة جوانب رئيسة كبيرة ومتكاملة يؤدي
بعضها إلى بعضها الآخر وهي:
1 - تحديد موقف من العقيدة وحمايتها.
2 - بناء الكيان العقيدي (المجتمع الملتزم بالعقيدة) .
3 - تحقيق غايات البناء من خلال الممارسة (أداء الوظائف) .
ومن الثابت أن الدولة في جميع نماذجها التاريخية كانت تسعى لممارسة عقيدة
معينة ارتبط وجودها المعنوي والحضاري بها؛ ولهذا فإن الموقف من العقيدة لا
يعدو القبول أو الرفض، أما فكرة الحياد التي تدعيها بعض النظم؛ فهي نوع من
القفز على الحقائق؛ إذ لا بد من استبطان عقيدة أو أيديولوجية تسعى لتحقيقها.
ولهذا فإن الموقف الإيجابي بإعلان الدولة التزامها العقيدي يعد أول مستويات
الممارسة.
أما عن الحد الفكري لإسلام الدولة قياساً على الشهادتين بالنسبة للفرد فيتمثل
في الإقرار بأمور هي:
1 - أن الحاكمية لله وحده، وأن الدولة أداة من أدوات الاستخلاف.
2 - أن القانون الأساسي للدولة الإسلامية هو الشريعة الإسلامية.
3- بطلان كل قانون مخالف للشريعة وإلغاؤه.
4 - على الحكومة ألا تتصرف في شؤون الدولة إلا ضمن الحدود المرسومة
في الشريعة لوظيفتها.
هذه الأمور تعد الخطوة الأولى التي لا يقبل دونها؛ لأن إعلان الالتزام
العقيدي يوضح» فكرة الدولة «الأساسية وغاية قيامها.. ويحدد مواطنيها وماهية
حقوقهم وواجباتهم، وعلى أي أساس تُكتسب أو تفقد، والمبادئ التي يسير عليها
جهاز حكومتها المتحكم في سلطاتها الإدارية وقواعد مسؤوليتها وحدود وظيفتها؛
ولهذا يرى البعض أهمية وضع دستور إسلامي يحدد النظام العام، وهو ما تحدده
المثالية الإلهية والعقيدة التوحيدية المنبثقة عنها، ولا يجوز مخالفته ويعاقب كل من
يخالفه أو يحاول الاعتداء عليه.
وأما حماية العقيدة فتكون من كل ما يشكل نقضاً (الردة) أو تحريفاً
(الابتداع) .
وفي مجال الدعوة يبرز المنطق الاتصالي ودوره في إزالة اللبس وسوء الفهم
الذي يمكن أن يحول بين الناس وبين اعتناقهم للإسلام دون إكراه.
أما المستوى الثاني: فهو بناء الكيان العقيدي (أو المجتمع الملتزم بالعقيدة)
والذي يعني بلورة العقيدة على المستوى العملي في كيان عضوي بشري يحقق
غايات المثالية العليا الإلهية والعقيدة الإسلامية، والذي يؤسس حركته على الإيمان
بالله واليوم الآخر، ويؤسس روابطه على عقيدة الولاء والبراء التي تعطي عقد
الولاء للمؤمنين، والذمة لأهل الكتاب، والبراء من الكافرين والمنافقين.
وتتم عملية البناء على مرحلتين: التكوين، ثم البناء والتأسيس.
ثم يأتي المستوى الثالث: تحقيق غايات البناء التي تتبلور حول تمكين الفرد
والمجتمع من تحقيق ذاتيتهما الإسلامية في الواقع التطبيقي والاجتماعي داخلياً.
وتمارس الدولة واجبين في إطار قيامها بوظيفتها العقيدية هما:
1 - الإشراف على إقامة فروض الكفايات وتنظيمها.
2 - مراقبة إقامة فروض الأعيان.
أما على مستوى التعامل الخارجي فنجد وظيفة الدعوة التي تنطلق من رؤية
توحيدية للعالم الذي يتمحور جغرافياً حول القبلة، وإنسانياً حول آدم» الناس بنو
آدم، وآدم من تراب « [1] ، ومن منطلق عالمية الحضارة الإسلامية صاحبة الدين
الخاتم المنفتح على الإنسانية كلها؛ ولهذا نجد التعامل الخارجي يخضع لمجموعة
من الأسس هي:
1 - الاتصال هو محور التعامل الخارجي.
2 - وحدة الانطلاق من القاعدة الثقافية والتعامل الفكري (الإقناع والاقتناع) .
3 - وحدة قيم التعامل حيث إن التعامل الخارجي هو امتداد للداخلي.
4 - الاتصال مع القيادات الحاكمة بصدد الإقناع بالدعوة وعرض الرسالة.
وإلى جانب مسلك الدعوة هناك مسلك مساند هو الجهاد الذي يراه المؤلف أداة
فكرية وحقيقة معنوية تضم مجموعة من المبادئ المعنوية والأخلاقية.
وتوضح لنا الخبرة التاريخية الأدوات التي تمت الدعوة من خلالها؛ كالرسائل
والسرايا والغزوات وعقود الصلح والموادعة والمعاهدات.
الفصل الرابع: الإطار النظامي والمؤسسي للوظيفة العقيدية:
ويعني بها المؤسسات التي تترجم مدارك الأمة ووعيها إلى واقع عملي، وتعد
صلة بين الوظيفة كقيم والوظيفة كممارسة؛ ومن هنا فإن التوحيد بوصفه قيمة
محورية يمكن تحقيقها من خلال قيمتين نظاميتين هما:» الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر «داخلياً، و» الدعوة «خارجياً.
وكلا المبدأين واضح الأبعاد والدرجات والمستويات وفق أسس واضحة محددة
المحتوى والمضمون، مقننة لأشكال نظامية تقوم على تطبيقه وتحويله إلى واقع
حيوي.
أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهو متردد بين الفرضية العينية والكفائية، ولا تسقط عهدته إلا بالأداء أو
العجز، وتتأكد فرضيته في مثل حال المحتسب وأهل الاختصاص في تخصصهم،
وهو من حيث القدرة متدرج يبدأ من التغيير بالقلب بالمفارقة والمفاصلة
الشعورية.. ثم باللسان الذي يمكن لنا أن نُدخِل في إطاره بعض الممارسات
المعاصرة في المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية.. ثم يأتي المستوى
الثالث: التغيير من خلال القوة التي توسَّع مفهومها اليوم فاستوعبت صوراً
معاصرة يمكن أن تستخدم في عملية التغيير، خاصة في وقت لم يعد المعروف
الأكبر هو التوحيد، كما لم يعد حد المنكر يقف عند المناكير والكبائر الجزئية
والمحلية، بل يتصاعد حتى يصل إلى مناكير السياسة العامة التي يتمثل أكبرها في
التبعية والإذعان لهيمنة القوى الاستعمارية.
ثانياً: الدعوة:
وهي وظيفة خارجية مكملة للوظيفة الداخلية وكلاهما مستمر في الأمة كما
عبَّرت عنه الآية بصيغة المضارعة: [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ] (آل عمران: 104) ، ولهذا فإن الدعوة تمثل
ممارسة واجبة الأداء على الكفاية لإدخال أمة الدعوة في أمة الإجابة، وهو مبدأ
توظف له الدولة إمكاناتها كافة لتحقيق الهدف الأسمى، وترسم خططها لتحقيق
متطلباته الآنية والمستقبلية وفق منطلقاته الثلاثية: الحكمة.. الموعظة الحسنة..
الجدال بالتي هي أحسن؛ وهي مبادئ تكفل حسن الأداء في ظل تغير الظروف
الدولية والداخلية.
وتفاعلاً مع هذه القضية يطرح المؤلف مدى قابلية النظام الدولي الجديد
لممارسة الدولة الإسلامية واجبَ الدعوة إلى الله.. ويحاول أن يتلمس الإجابة في
ظل وضع دولي محفوف بالمخاطر..! ويقدم ملامح عامة يمكن من خلالها بناء
تصور ما حول الرؤية الواقعية والمستقبلية لهذه الفريضة المهمة.
ويفرق المؤلف بين الدعوة بوصفها وظيفة اتصالية وبين المفاهيم السائدة في
هذا المجال على الساحة الدولية؛ كالدعاية، والحرب النفسية، والتسميم السياسي.
وبعد أن أوضح صورة الإطار النظامي للوظيفة العقيدية بدأ في الاقتراب أكثر
من طبيعة الأداء، فتحدث عن الأشكال النظامية معتمداً على الخبرة الإسلامية.
ويفرق في هذا الصدد بين نوعين من الأشكال النظامية:
أ - أشكال تأسيسية: (تقوم بإنشاء الأشكال المؤسسية) .
ب - أشكال مؤسسية: (أساسية مساندة) .
ويمكن فهم الأشكال التأسيسية في إطار مؤسسات المسجد باعتباره شكلاً نظامياً
تأسيسياً؛ إذ يحوي العناصر التي تقيم الأشكال المؤسسية؛ فيحوي مؤسسة أولي
الأمر وأهل الحل والعقد وهم أهل الاختيار الذين يختارون الحاكم، وأهل الشورى
من أهل العلم والدراية، وأهل الاجتهاد من العلماء الحائزين لشروط الاجتهاد.
أما الأشكال المؤسسية فمنها ما هو أساسي، ومنها ما هو مساند، وتحمل لنا
الخبرة الإسلامية صوراً للأساسي مثل مؤسسة الحسبة، ودور العلم، والمدارس
الإسلامية التي تعالج تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف على مستوى الداخل، إلى جانب
ديوان الرسائل وديوان الجند اللذين يمارسان الدعوة على مستوى الخارج.
كما عرفت الخبرة عدداً من الأشكال المساندة كان أهمها مؤسستي: أهل
الفتوى، وأهل القضاء.
ولكل شكل من هذه الأشكال مبادئه وصوره وقوانينه وأدواته النظامية التي
تحكمه وتضبط عمله بما يحفظ لعملية ممارسة الوظيفة العقيدية الأداء.
وتكشف لنا الممارسة العصرية عن ثلاثة أنواع للأشكال النظامية يجب التمييز
بينها:
1- (أشكال أصلية) ناتجة عن حكم شرعي يوجبها لإنفاذ أحد فروض الكفاية،
ويأتي في حكمها الأشكال الطبيعية الناتجة عن وضع تكويني في مجتمعنا يقره
الإسلام.
2 - (أشكال طارئة) وجدت قبل الاستعمار لكنها مثلت انحرافاً عن الإسلام
3 - (أشكال وافدة) جاءت مع الاستعمار الأوروبي المعاصر.
وقد تم تحجيم النوع الأول، وضربت فعاليته لصالح النوعين الآخرين بما
يعني قطع أي إمكانية لتطوير الأشكال النظامية الأصيلة وتوليدها لأشكال تحقق
التواصل! وقد خلفت هذه المعضلة كثيراً من المشاكل والتعقيدات تحول دون
الاستقلال الحقيقي والتنمية في ظل اغتراب السلطة عن الجمهور وهامشية
المؤسسات الأصلية الموجودة وعدم فاعليتها.
ومن هنا كان لا بد من طرح تساؤلات جادة حول منهجية بناء الأشكال
المؤسسية في الواقع الحالي التي نجد في مدخل الذرائع حلولاً لإشكالاتها.
وينبه المؤلف إلى أن معالجة الوظيفة العقيدية على مستوى التنظير بوصفها
وظيفة لدولة إسلامية قائمة وموجودة بالفعل هو أمر غير واقع الآن، دون أن ينفي
ذلك وجود مستويات لممارسة الوظيفة يقوم بها المجتمع المسلم حتى في ظل غياب
الدولة تنبني على الاجتهاد المرحلي أو الانتقالي، كما ينبه إلى ضرورة الابتعاد عن
النمط الأوروبي المتَّسم بالضخامة والتعقيد والعودة إلى النماذج الصغيرة في
المجتمعات الاجتماعية والسياسية، في ضوء ما يسميه: (تفاعل المقاييس) الذي
يعتمد على الأبعاد المقدارية والوصفية والآماد والمعدلات، بجوار الجوانب
الموضوعية التي يعالجها مدخل الذرائع في فهم الواقع، وإيجاد ما يناسبه من حلول
لمعضلاته.
الفصل الخامس: فاعلية الوظيفة العقيدية في الممارسة:
وقبل أن يعرض المؤلف لنماذج تاريخية تعبر عن صدقية ما بناه في فصوله
السالفة يشير إلى مبدأ علمي مهم هو: عدم جواز الخلط بين الظاهرة باعتبارها
مبدأ، والخبرة باعتبارها معالجة.
يقدم لنا أربعة نماذج تطبيقية متقابلة: اثنين للنجاح.. واثنين للإخفاق..
تجمع الدلالات السلبية والإيجابية بوصفه أمراً علمياً مقصوداً في ممارسة الوظيفة
العقيدية بمستوياتها المختلفة.
النموذج الأول: نموذج الدولة النبوية: من حيث كونه نموذجاً قياسياً للنجاح
يمكن الاحتكام إليه في فهم دلالات أي ممارسة للوظيفة سواء في مرحلة التأسيس،
أو مرحلة الممارسة، بدءاً بإعلان الالتزام العقيدي وحمايته، ومروراً بمستوى بناء
الكيان العقيدي، ووصولاً إلى التعامل الخارجي من منطلق الدعوة؛ هذا النموذج
مع مثاليته المرهفة مثّل واقعاً يمكن القياس عليه والاستلهام منه.
وفي المقابل نجد النموذج الثاني: يتمثل في دولة بني إسرائيل في عهد نبي
الله موسى عليه السلام بدلالاتها الغنية ونتائجها، كنموذج قياسي للإخفاق في أداء
هذه الوظيفة، يمكن أن يمثل عنصر خبرة في فهم أسباب الإخفاق النفسية والإيمانية
والأخلاقية والاجتماعية للنموذج الذي يعد افتراقاً عن إطاره العقيدي في مستويات
الممارسة ويصلح في فهم أي مرحلة تاريخية أخرى.
النموذج الثالث: من النماذج التاريخية نموذج الدولة في عهد عمر بن
عبد العزيز: باعتبارها مؤشراً قوياً على إمكانية التطبيق، ومدى النجاح في
الاقتراب من النموذج القياسي؛ متى ما صحت المنطلقات وتبنت الدولة أداء هذه
الوظيفة، هذا ما تظهره التجربة وتؤكده الدلالات التي يمكن استخلاصها
هنا.
وفي المقابل يأتي النموذج الرابع: ليبرز تجربة دول (ملوك الطوائف)
باعتبارها نموذجاً تاريخياً للإخفاق؛ سواء في الميلاد أو التأسيس أو في الممارسة
التي افترقت كثيراً عن الإطار العقيدي الجامع.
وفي الخاتمة:
يعود المؤلف فيفصّل في قضية التميز المنهجي الذي افتتح بها دراسته القيمة.
- فيمايز بين الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية وبين الوظيفة الدينية للدولة
البابوية التي يقدس فيها الحاكم، وتطلق سلطاته كما هو معروف في الخبرة
الأوروبية وفي النموذج الفرعوني، أما النموذج الإسلامي فيجمع بين إلهية
المصدر، والطبيعة الاجتهادية المنضبطة بالأصول الشرعية - المحتملة للخطأ
والصواب.
- كما يمايز بينها وبين الدولة والحكومة الأيديولوجية التي تقوم على فكرة
إلغاء الدين باسم السياسة، والمجتمع الديني باسم سيادة المجتمع المدني، أما الدولة
الإسلامية فالسياسة في حركتها تصير ديناً، كما يعبر الدين عن الظاهرة السياسية.
- ويمايز كذلك بينها وبين الدولة والحكومة القيادية التي ظهرت في أعقاب
الحرب العالمية الثانية والتي يبرز فيها دور محوري للزعامة السياسية التي تجسد
عقيدة الأمة، وهو نموذج يمكن إدراجه تحت الفرعونية السياسية.
- وكذا الأمر مع الدولة العلمانية التي تزعم خدمة الصالح العام، وتقوم على
الفصل بين ممارسة السلطة والنواحي العقيدية، وبدلاً من المعتقد أو الدين فإنها
تقدس الدستور، ويأتي سن القوانين وفق التأسيس الوضعي للمصالح المشتركة
للمواطنين والتي تحكمها لغة القوة لا الحق.
ثم يُسدل الستار بمجموعة من الدلالات السياسية لممارسة الوظيفة العقيدية في
الواقع المعاصر:
فعلى المستوى النظري:
- يؤكد على أن الوظيفة العقيدية تقدم تنظيراً حقيقياً لمفهوم الدولة ونشأتها
وتطورها، وهو ما زال يشهد أزمة وتضارباً في الفكر الأوروبي.
- كما يؤكد على أهمية الانطلاق من النموذج المعرفي المستمد من الوحي في
التفاعل الموضوعي مع الواقع، وفي تقديم رؤية على درجة عالية من الوضوح
والضبط والتكامل لبناء نظرية الدولة ووظائفها في إطار التنظير السياسي الإسلامي
وعلى المستوى العملي والحركي:
- يؤكد على حقيقة أن وجود عقيدة أو فلسفة سياسية واضحة وحقيقة بشرية
مؤمنة وملتحمة بها، ووجود سياسة عامة نابعة منها هو الذي يحدد للدولة خطوات
ممارستها الحركية، وماذا تريد على وجه التحديد.
- كما أن الوظيفة العقيدية تطرح إجابات معاصرة لقضايا الواقع على مستوى
الأنظمة والمجتمعات العربية والمسلمة، بالإضافة إلى الواقع العالمي.
- كما تقدم منهجاً للتعامل مع الأزمات التي يعاني منها الواقع (دلالات
الحاضر) ، إضافة إلى غناها بالحلول للخروج منها (دلالات المستقبل) .
- وهي تقدم منهجاً لمعالجة الأزمات الثلاث الأساسية التي تواجه الدول
العربية والمسلمة: أزمة التأسيس.. أزمة الهوية.. أزمة الشرعية.
- إلى جانب ما تقدمه من تفسير لظهور حركات التجديد والإحياء الإسلامية
ونموها من جهة، وفهم حركات التبديد من جهة أخرى.
وعلى المستوى الدولي تمنحنا الدلالات الآتية:
- فهم جوانب الاستقرار في الدول المتقدمة.
- تراجع مفهوم العلمانية أو اللادينية في الواقع العالمي المعاصر.
- تقدم تفسيراً لما نشهده من سقوط الأيديولوجية؛ إذ تمثل دراسة الوظيفة
العقيدية مدخلاً مقارناً لتحليل السلوك الداخلي في الأنظمة القائمة في تعاملها مع
شعوبها ومجتمعاتها؛ من حيث علاقة التربية السياسية، والتلقين الأيديولوجي،
والتعبئة السياسية.
- عودة الدين ليمارس دوراً مهماً على الساحة الدولية.

الجمعة، 11 أغسطس 2017

عولمة السياسة العالمية

عولمة السياسة العالمية
 
 



قام جدال واسع في أوساط علماء السياسة الدولية خلال تسعينيات القرن العشرين حول أهمية التغيرات التي يشهدها العالم. وتركّز قسم كبير من هذا الجدال على مفهوم العولمة التي تشكّل موضوع هذا الكتاب، إذ يستحضر الكتاب مجموعة كبيرة من الخبراء الذين تتباين آراؤهم في العولمة.
ذلك أن العولمة بالنسبة لبعضهم هي تحويل للشكل التقليدي الناظم الدولة، في حين يرى آخرون أن السياسة الدوليّة تبقى من دون تغيير إلى حد بعيد. ويهدف الكتاب إلى تقديم منظور شامل للسياسة الدولية المعاصرة من خلال دراسة المقاربات المختلفة للموضوع في سياق محاور رئيسية إجمالية موحدة.
يتألف الكتاب من خمسة وعشرين فصلاً كتب كلّ واحد منها أحد الاختصاصيين في ميدان العولمة والسياسة العالمية.
ويتضمن كلّ فصل مناقشة للنقاط الأساسية في عولمة السياسة العالمية، ويركّز اهتمامه على تقديم عرض لكيفية عمل السياسة العالمية المعاصرة. وتبحث المقدمة مفهوم العولمة وتلخّص الحجج الرئيسية المؤيدة والمعارضة.
ويليها أربعة أقسام تشمل ما يلي:
- الخلفية التاريخية للسياسة العالمية المعاصرة.
- النظريات الرئيسية التي تطرح تفسيرات للسياسة العالمية.
- تركيبات السياسة العالمية المعاصرة.
- القضايا الرئيسية للسياسة العالمية المعاصرة.
وينتقل هذا الكتاب من استعراض السياسات الدوليّة بعد انتهاء الحرب الباردة إلى تناول المجريات العالمية وأثرها على أكثر القضايا إلحاحاً في القرن الحادي والعشرين.
يقع الكتاب في (1083) صفحة من القطع الكبير.
Download - MeidaFire

الأربعاء، 7 يونيو 2017

المأزق العالمي للديمقراطية

المأزق العالمي للديمقراطية

بلوغ نقطة التحول

 



في كتاب المأزق العالمي للديمقراطية: بلوغ نقطة التحول الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات (255 صفحة بالقطع الوسط)، لا يدّعي مؤلفه عصام فاهم العامري أنه يقدم فيه مخططًا جاهزًا لتجديد الديمقراطية، فمن الممكن بحسبه أن يتخذ تجديدها مسارات متعددة، وأن يستفيد من التجارب الناجحة ويطورها أو يضيف إليها، مستدركًا ضرورة إقناع الناخبين والحكومات على حد سواء بالأسس الموضوعية لقبول القيود المفروضة على ميل الحكومات الطبيعي إلى تجاوز حدود صلاحياتها. فالاتجاهات الكبرى التي تحكم مجمل التحولات في العالم خلال العقدين المقبلين على الأقل شاهدة على توسّع الاتجاه العالمي للديمقراطية، ومن شأن هذه الاتجاهات أن ترسم ملامح المستقبل للعالم في باقي عقود القرن الحادي والعشرين.

يرى العامري في كتابه هذا أن بروز عصر الغضب والأساليب التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومات الديمقراطية لقمع المتظاهرين الغاضبين بقوة، يلقي الضوء على عنصر آخر لمأزق الديمقراطية على المستوى العالمي، مشيرًا إلى أن الغضب الشعبي الذي اجتاح المجتمعات الغربية ليس مرهونًا بالأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يزال العالم يعاني تداعياتها منذ أواخر عام 2007، وإن كانت هذه الأزمة قد فاقمت حالة السخط بسبب ما أحدثته من بطالة وتراجع في مستوى الحياة ونقص الدخل الفردي، وتراكم الديون الشخصية، وإنما مصدر ذلك كله هو "توعك" الديمقراطية.

يهدف العامري من هذا الكتاب إلى المساهمة في الحوار الدائر في عدد من البلدان في شأن مستقبل السياسات الديمقراطية، ويفترض فيه أن الديمقراطية تواجه مأزقًا عالميًا بسبب تحولات عالمية كبرى وفواعل كثيرة تدفع باتجاه توسع الديمقراطية، وتعظم نداء الشعوب نحوها، "ولا سيما أن هناك نماذج حكومات تسعى إلى الارتقاء بمثُلها وقيمها، إضافة إلى تراجع الديمقراطية وفق مؤشرات القياس المعتمدة لها، وانتكاساتها وبروز تحديات متعاظمة تنحدر بها إلى نوع من الدكتاتورية والقيصرية، وتحوّل ربيعها إلى شتاء جاف، الأمر الذي أوصلها إلى نقطة تحوّل حادة تنفتح على احتمالين: الأول، ارتدادها وانحسارها، كما حدث في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته؛ والثاني، السير بها إلى آفاق رحبة تنهض بمؤسساتها وقيمها وجوهرها على نحو يستجيب لعصر ما بعد الصناعة، بشكل يحيي روح المبادئ الديمقراطية التي خبت، ويعيد إلى المواطَنة مفهومها المفقود، وإلى المجتمع السياسي تفاعله الخلاق من أجل أن تصون الديمقراطية للإنسان كرامته".

في الفصل الأول ما الديمقراطية، يبحث العامري في ماهية الديمقراطية، وغموض المفهوم وسيولته، وأبعاد الديمقراطية وعناصرها، ومعايير الديمقراطية ومقاييسها. وبحسبه، ربما يستحيل في العصر الحديث إزالة الغموض والتناقض في الاستعمالات المتعددة للديمقراطية، لأنها تكون راسخة في المفهوم نفسه. وفي اللحظة التي نتفوه فيها بالديمقراطية ونعتقد أنها حميدة، كقولنا "إن الديمقراطية تعني حكم الشعب"، نكون قد أنشأنا تناقضًا. وعلى الرغم من أن الحرية والديمقراطية لا تترادفان، فإنهما غالبًا ما تُستخدمان بالتبادل. فمن المفترض أن تتأسس الديمقراطية لحماية الحرية، إلا أن غموض المفاهيم غالبًا ما يجعل الديمقراطية والحرية مترادفتين.

يناقش العامري في الفصل الثاني التوسع الديمقراطي العالمي الحجج التي تؤيد فرضية التوسع العالمي للديمقراطية، متطرقًا إلى التفضيل الشعبي للديمقراطية، وإلى دور الإنترنت في انتشار الديمقراطية. وهو يرى أن توسع الديمقراطية العالمي بحاجة إلى اقتناع الشعوب في الدول غير الديمقراطية بضرورة تحوّل دولها إلى الديمقراطية، واستعدادها وقدرتها على العمل من أجل تغيير نظم الحكم إلى الديمقراطية، وتوافر ديناميات تخضع الأنظمة غير الديمقراطية من خلالها للقوى الناشطة من أجل التحول نحو الديمقراطية. وتفضل الشعوب الديمقراطية لأنها تروّج فكرة الحرية وتطوير الإنسان وتمثل الوسيلة الأمثل لحماية المصالح الإنسانية المشتركة. كما يبحث المؤلف في هذا الفصل مسألة تمكين الأفراد وفيضان الطبقة الوسطى في مدن مزدحمة، وأدوار الجيوش في التحول الديمقراطي، ويقدم الصين مثالًا على آفاق التوجه المستقبلي نحو الديمقراطية.

يحلل العامري، في الفصل الثالث تحولات الديمقراطية وموجاتها، والتي شهدتها عبر التاريخ، مركزًا على حوادث الربيع العربي ومآلاته، ومتطرقًا إلى الديمقراطية بين نهاية التاريخ ومستقبله، باحثًا في التحولات والموجات المتعددة، وتجارب التحول الديمقراطي في الموجة الثالثة، متسائلًا إن كان الارتداد العكسي موجة ثالثة أم رابعة، وأين مؤدى الربيع العربي، وما العواقب غير المقصودة؟ يكتب: "ربما يقول ملايين من العرب أنه كان من الأفضل ألا تنفجر حوادث الربيع العربي، رغبة في الحفاظ على الأمن الذاتي، وإن كان هذا الأمن ينتقص الكرامة في ظل الاستبداد، بل إن بعض المواطنين العرب - وهذا الكلام كثيرًا ما سمعناه أكثر من عشرة أعوام من سقوط نظام صدام حسين - يؤكد أن شعوب المنطقة بحاجة دومًا إلى دكتاتوريات تحكمها، وأن فشل الربيع العربي جلي، وأن صناديق الانتخاب التي هي من نتائج ثورات الربيع العربي، ستفرز دكتاتوريات، في أفضل الأحوال"، ليستدرك مذكرًا بأن أنظمة الاستبداد لم تكتف بزرع الأفكار التي تروّج لاستمرارها وتكريسها، بل أوجدت عوامل معوقة لعمليات التغيير، ونمّت التخلف على مدى عقود طويلة، ويكفي هذا الربيع أنه أضاف إلى عناصر القوة الموجودة في الجسد العربي قوة جديدة، هي قوة الشارع.

يتطرق المؤلف في الفصل الرابع انتكاسات الديمقراطية في العالم إلى واقع الديمقراطية في مناطق العالم المختلفة وانتكاساتها والتحديات التي تتعرض لها، متناولًا الدكتاتورية العالمية والقيصرية والشعبوية. وهو وجد دلائل موثّقة على دور بارز للمعتقدات الثقافية في إخفاق كثير من الديمقراطيات؛ ففي أفريقيا، تراجع بسهولة ما كان عند النخبة الناشئة من التزامات سطحية بالديمقراطية وحلّت محله نزعات دكتاتورية مع ضغط هائل واجهتها الأنظمة الجديدة. فالسحر ومزاولوه عوّقوا قيام الديمقراطية في جنوب أفريقيا بسبب إيمان عدد كبير من سكان البلاد أن في استطاعة الأشرار أن يستحضروا عن طريق السحر قوى خفية في من يحسدونهم أو يكرهونهم. وسبق السحر ومزاولوه إقامةَ الديمقراطية في جنوب أفريقيا، وفي أثناء التحرك ضد الحكم العنصري في ثمانينيات القرن الماضي، كانت تهمة مزاولة السحر ترافق في الأغلب تهمة العمالة المأجورة للحكم.

يستكشف العامري في الفصل الخامس، شروط ازدهار الديمقراطية، من ناحية عملية، من خلال نماذج حكومات ديمقراطية اجتهدت من أجل الارتقاء بأدائها كي تسعد شعوبها. فيبحث في التمايزات الديمقراطية، دارسًا تجربتي جمهورية التشيك التي رأى فيها ديمقراطية استثنائية تواجه تحدي المخاوف الشعبية، والأوروغواي التي ترسخ التواضع في الديمقراطية، مبينًا الاختلاف بين الديمقراطية الإسكندنافية والديمقراطية الأميركية. فهذا الاختلاف، بحسب الكتاب، يكمن في طبيعة الديمقراطية في كلّ منها، وفي قيمها وحصيلتها؛ فالولايات المتحدة أمة مقسمة طبقيًا على نحو عميق، وهذا التقسيم ليس تقسيمًا اجتماعيًا فحسب، بل تقسيم سياسي أيضًا، فالطبقة الثرية هي نفسها الطبقة الحاكمة، والنظام السياسي الأميركي كرس قواعد اللعبة السياسية بشدة ضد أولئك الذين يملكون ثروة صغيرة، بينما تعتمد عناصر الديمقراطية الإسكندنافية على ممارسات وقيم كثيرة أهمها الشفافية، وتقديم المواطن على المسؤول.

في خاتمة الكتاب، بلوغ نقطة التحوّل، يقول الكاتب إن الديمقراطية وضِعت في مأزق متواصل بسبب التراجع المستمر في نوعيتها. ولهذا التراجع مظاهر وأشكال منوعة، ربما أهمها الشعور بالبون الشاسع الذي يفصل بين ما يجري في البرلمانات وآراء الناس والحياة اليومية. ويتجلى هذا المأزق في تدنّي الثقة بالمؤسسات الديمقراطية، واشتعال الإيمان بالديمقراطية في لحظات الانتصار، "لكن سرعان ما تنطفئ هذه الشعلة؛ فكثيرًا ما بدا في خارج الغرب أن الديمقراطية تتداعى وتنهار، وأن كثيرًا من الدول التي تخلصت من عتاة دكتاتورياتها تعاني الآن الاضطراب والفوضى وانعدام الأمن وتردّي الأوضاع الاقتصادية، كما يحدث في العراق وليبيا ودول عربية أخرى". وبحسب المؤلف في هذه الخاتمة، الفوضى والحرب الأهلية أسوأ من الدكتاتورية والقمع وغياب الحريات، وهذا ما أظهرته الحوادث في العقد المنصرم. ومع تحرر دول من نظم حكمها الاستبدادية، "ارتفع عدد الدول الفاشلة، الأمر الذي يبيّن أن البديل من الدكتاتورية ليس الديمقراطية بالضرورة، وإنما الفوضى في كثير من الأحيان"، كما يقول. وأثبتت تجارب عدة أن إسقاط الطغاة أسهل كثيرًا من إقامة الديمقراطية، بعدما سادت الخشية من أن تنتج هذه الديمقراطية أنظمة مارقة أو تقوي شوكة الجهاديين والإرهابيين.