التمذهب دراسة نظرية نقدية
ملخص من عدة مواقع من الإنترنت:
رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التعريف بموضوع الكتاب:
يعتبر الحديث عن موضوع التمذهب حديثًا مهمًّا جدًّا, وذلك لما له من صلة وثيقة بأبواب الاجتهاد والتقليد التي لها أهمية كبرى في علم أصول الفقه ودراساته, كما تكمن أهمية الموضوع أيضًا في كونه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطريقة البناء والتكوين العلمي, والتدرج والترقي في طلب العلم الشرعي, وصلته الوثيقة بفقه النوازل الذي يعد علمًا ذا أهمية بالغة.
لهذه الأسباب وغيرها كان على طلاب العلم أن يتطرقوا لهذا الموضوع بالدراسة والتمحيص, والبحث والتفتيش, ليسبروا غوره, ويبينوا مسائله, ويحلُّوا مشكلاته
التعريف بموضوع الكتاب:
يعتبر الحديث عن موضوع التمذهب حديثًا مهمًّا جدًّا, وذلك لما له من صلة وثيقة بأبواب الاجتهاد والتقليد التي لها أهمية كبرى في علم أصول الفقه ودراساته, كما تكمن أهمية الموضوع أيضًا في كونه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطريقة البناء والتكوين العلمي, والتدرج والترقي في طلب العلم الشرعي, وصلته الوثيقة بفقه النوازل الذي يعد علمًا ذا أهمية بالغة.
لهذه الأسباب وغيرها كان على طلاب العلم أن يتطرقوا لهذا الموضوع بالدراسة والتمحيص, والبحث والتفتيش, ليسبروا غوره, ويبينوا مسائله, ويحلُّوا مشكلاته
أهم نتائج البحث :
يمكن بيان نتائج البحث في النقاط الآتية :
1) جاء وزن : ( تمفعل ) في لغة العرب ؛ فقد جاء في حديث نبوي ، وأثر عن أحد الصحابة رضي الله عنهم ، إضافة إلى اعتبار الوزن لدى طائفة من علماء الصرف ومحققيه.
2) يشمل مسمى المذهب في الاصطلاح عدة أمور ، وهي :
• أقوال إمام المذهب .
• أقوال أتباع الإمام وأصحابه التي لا تتعارض مع أصول المذهب ، وتخريجات أرباب المذهب على أصول مذهبهم وفروعه .
• أصول المذهب .
والأقرب تعريف المذهب بأنه : أقوال الإمام في المسائل الشرعية الاجتهادية ، وما جرى مجرى قوله ، وقواعد الاستنباط التي سار عليها ، وما خُرّج على قوله ، أو على أصله .
3) لم يتعرض متقدمو الأصوليين إلى بيان المعنى الاصطلاحي للتمذهب ، وكان اهتمام المتأخرين بتعريفه ظاهراً .
4) عرّف التمذهب في الاصطلاح بعدد من التعريفات ، لم يسلم كثير منها من بعض الاعتراضات ، وقد رأيت تعريفه بأنه التزام غير العامي مذهب مجتهد معين في الأصول والفروع ، أو في أحدهما ، أو انتساب مجتهد إليه .
5) هناك عدد من المصطلحات لها علاقة بمصطلح التمذهب ، وهي : التقليد ، والاجتهاد ، والاتباع ، والتأسي ، والتعصب ، والخلاف ، والانتصار للمذهب ، والصلابة في المذهب .
6) لا يعتبر المجتهد المستقل إماماً إلا إذا كان له أتباع يسيرون على أقواله الأصولية والفروعية .
7) للاجتهاد شروط متعددة، وقد اختلفت مناهج الأصوليين في ذكرها ، وقد جعلتهما على نوعين :
النوع الأول : الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد .
النوع الثاني : الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد .
وأهم شروط النوع الأول : ( الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد):
• الأول : العقل .
• الثاني : البلوغ .
• الثالث : الإسلام .
• الرابع : الملكةُ الفقهية .
8) لا تشترط للوصول إلى مرتبة الاجتهاد : الأوصاف الآتية : العدالة ، والذكورية ، والحرية .
9) أهم شروط النوع الثاني : ( الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد ) :
• الأول : معرفة كتاب الله سبحانه وتعالى :
• الثاني : معرفة السنة النبوية .
• الثالث : معرفة الناسخ والمنسوخ .
• الرابع : معرفة أسباب نزول الآيات ، وأسباب ورود الأحاديث .
• الخامس : معرفة المسائل المجمع عليها .
• السادس : معرفة علم أصول الفقه .
• الثامن : معرفة لسان العرب .
10) لا تشترط لبلوغ مرتبة الاجتهاد معرفة العلوم الآتية : معرفة علم الكلام ، ومعرفة علم المنطق ، ومعرفة الفروع الفقهية .
11) نظراً لانحصار أقوال أئمة المذاهب ، فقد اتجه أتباع الأئمة إلى التوصل إلى أحكام الفروع الفقهية بطرق عدة ، وتحصل لدي منها ثمانية طرق ، وهي :
الأول : القول ، الثاني : المفهوم ، الثالث : الفعل ، الرابع : السكوت ، الخامس : التوقف ، السادس : القياس على القول ، السابع : لازم القول ، الثامن : ثبوت الحديث .
12) تشح كتابات الأصوليين في تقرير الطريق الأول : ( القول ) ، باستثناء ما دونه علماء الحنابلة ، ولعل مرة هذا الأمر إلى بدهية نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق لفظه .
13) النظر إلى قول إمام المذهب من جانبين :
الجانب الأول : ثبوت القول عن الإمام .
الجانب الثاني : دلالة قول إمام المذهب .
ويثبت قول الإمام إذا وصل إلينا عن طريق كتاب ألفه ، أو يذكر تلاميذه لقوله .
14) لنقل التلاميذ قول إمامهم من حيث نسبته إليه تفصيل :
فإذا اتفق التلاميذ على نقل قول إمامهم ، ولم يختلفوا فيه ، فالمنقول قوله الذي تصح نسبته إليه .
أما إذا حصل بين التلاميذ اختلاف :
إن لم ينفرد واحد منهم بالنقل ، فمذهب الإمام لا يخرج عن أقوالهم ، ويبقى النظر في طلب مرجح لأحدها .
إن انرفد أحد التلاميذ بقول مخالف لسائرهم :
إن لم يكن لقول المنفرد دليل قوي ، فلا ينسب ما ذكره إلى إمام المذهب .
إن كان للقول الذي انفرد به التلميذ دليل قوي ، فالمسألة محل خلاف عند علماء الحنابلة، والأرجح : النظر إلى وجود قرينة تدل على تعدد المجلس أو اتحاده :
فإن كان ثمة قرينة ترجح اتحاد المجلس ، لم ينسب القول إلى إمام المذهب .
وإن رجحت القرينة تعدد المجلس ، قبل ما نقله التلميذ .
وإن خلا الحال عن القرينة نسب القول إلى الإمام ، إلا إذا كان التلميذ كثير الانفراد .
15) إذا سئل إمام المذهب عن حكم ، فأجاب بآية ، أو بحديث ، أو بقول صحابي ، فما دلت عليه الآية والحديث وقول الصحابي ، هو قول الإمام الذي ينسب إليه .
16) إذا سئل إمام المذهب عن حكم ، فأجاب بقول عالم ، وتجرد الحال عن قرينة دالة على اختيار القول المحكي ، فالأقرب نسبة القول الذي حكاه الإمام إليه .
17) إذا أخبر التلميذ برأي إمامه ، ولم تكن حكايته للرأي بنص عن إمامه ، بل بما فهمه منه ، فالأقرب اعتبار حكاية التلميذ في هذه الحالة كنص الإمام .
18) إذا فسر التلميذ قول إمامه ، أو ذكر له قيداً أو مخصصاً له ، فالحكم هنا كالحكم فيما لو أخبر التلميذ برأي إمامه على سبيل الحكاية .
19) بعد ثبوت النقل عن الإمام ، ينظر إلى جانب دلالة القول :
• إن كان القول صريحاً في مدلوله ، نسب إلى إمام المذهب .
• إن كان القول ظاهراً في مدلوله ،ويحتمل غيره ، فإنه ينسب المدلول الظاهر إلى الإمام ، ويجوز تأويله بدليل أقوى منه .
• إن كان اللفظ محتملاً لشيئين على السواء ، فإنه ينسب اللفظ إلى الإمام ، ويتوقف في نسبة المدلول إليه .
20) صحة نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق مفهوم الموافقة ، أما فيما يتصل بنسبة القول عن طريق مفهوم المخالفة ، فالمسألة محل خلاف ، والأقرب من وجهة نظري صحة نسبة القول إلى الإمام بناءً على مفهوم المخالفة متى ما احتفت به قرينة تدل على اختصاص المذكور بالحكم ، وعدم نسبة القول إلى الإمام بناءً على المفهوم ، إذا خلا الكلام عن قرينة دالة على اختصاص المذكور بالحكم .
21) في نسبة القول إلى الإمام عن طريق فعله خلاف بين العلماء ، والأقرب من وجهة نظري اعتبار القرينة في الفعل ، فإن احتفت بالفعل قرينة دالة على أن ما صدر من الإمام يمثل رأيه نسب إليه ، وإلا فلا ينسب .
22) لسكوت إمام المذهب صورتان :
الصورة الأولى : أن يفعل أمر عنده ، ويسكت عن إنكاره ، فهل يعد سكوته إقراراً منه على جواز الفعل ؟
الصورة الثانية : أن يفتي إمام المذهب بحكم ، ثم يعترض عليه معترض ، فيسكت عن الجواب ، فهل يعد سكوته رجوعاً عن قوله ؟
وقد سقت الحديث في الصورتين في سياق واحد ؛ نظراً لتقاريهما ، وظهر لي أن السكوت ليس بطريق لإثبات قول الإمام في كلتا الصورتين :
23) لمعرفة توقف إمام المذهب طرق ، منها :
• تصريح الإمام بالتوقف .
• الإجابة التي يفهم منها التوقف ، ويفهم التوقف بأمور متعددة .
• حكاية تلاميذ الإمام وأصحابه أنه متوقف .
24) إن كان سبب التوقف تعارض الأدلة ، مع عدم المرجح ، فالتوقف حينئذ قول ، وإن كان سبب التوقف عدم النظر في المسألة ابتداء ، أو عدم استكمال النظر فيها ، فلا يعد التوقف حينئذ قولاً .
25) تباينت أقوال العلماء في مسألة : ( القياس على قول إمام المذهب ) ، وتعددت وجهاتهم فيها ، والأقرب من وجهة نظري صحة نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس ، إذا نص على علة الحكم ، وصحة نسبة القول إليه إذا لم ينص على علة الحكم ، ولم يومئ إليها ، لكن ينسب القول إليه مقيداً – بقولنا مثلاً : قياس قوله كذا – مع ذكر الأصل المقيس عليه .
26) لا تصح نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق النقل والتخريج بين قوليه .
27) المراد بلازم القول في مسألة : ( نسبة القول إلى إمام المذهب ) : أن يقول إمام المذهب قولاً ، ويلزم منه لازم عقلي ، أو شرعي ، أو عادي ، فهل تصح نسبة القول باللازم إلى الإمام في هذه الحالة ؟
28) اختلف العلماء في نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق اللازم ، والذي يظهر لي أن وطأة الخلاف في هذه المسألة تخف إذا طبقنا اللازم في الفروع الفقهية ؛ لانتفاء المفاسد الكبرى التي قد تترتب على القول بنسبة لازم القول إلى القائل ، والأقرب من وجهة نظري : أنه إذا كان اللازم بعيداً ، بحيث يغلب على الظن غفلة المتكلم عنه ، فلا ينسب إلى إمام المذهب ، وإذا كان اللازم غير بعيد ، نسب إليه مقيداً .
29) لنسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق ثبوت الحديث النبوي الثابت أربع صور ، وهي :
الصورة الأولى : إذا روى الإمام الحديث ، ولم يرده ، ولم ينقل عنه خلاف ما دل عليه الحديث .
وقد اختلف الحنابلة في هذه الصورة ، والأقرب عندي أن الأصل عدم صحة نسبة القول إلى إمام المذهب ، إلا إن كان هناك قرينة دالة على أن ما رواه قد اختاره ، كما لو بوب على الحديث مثلاً ، أو صححه .
الصورة الثانية : إذا روى الإمام الحديث ، وخالفه .
صرح بعض العلماء بعدم نسبة القول إلى الإمام في هذه الصورة .
الصورة الثالثة : إذا ثبت الحديث من غير مروي الإمام ، وخالفه .
اختلف العلماء في نسبة القول إلى إمام المذهب في هذه الصورة ، والأقرب من وجهة نظري عدم صحة نسبة القول إلى الإمام .
الصورة الرابعة : إذا ثبت الحديث من غير مروي الإمام ، ولم ينقل عنه قول بخلافه .
الأقرب عندي في هذه الصورة هو صحة نسبة القول إلى إمام المذهب ، لكن مع توضيح ذلك ، بأن يقال : لم يرد في المسألة قول عن الإمام ، وقد صح الحديث فيها ، ومن أصول الإمام القول بالحديث ، وأنه مذهبه .
30) يعد المتمذهب الركن الأقوى في التمهب ، وقد عرفته بأنه : الذي يلتزم مذهباً معيناً في الأصول والفروع ، أو في أحدهما ، أو من ينتسب إلى مذهب معين .
31) يشترط في المتمذهب شروط عامة ، وشروط خاصة .
• الشروط العامة : الأول : العقل ، الثاني : البلوغ ، الثالث : الإسلام .
• الشروط الخاصة : الأول : أن يكون متهيئاً للتمذهب ، الثاني : أن يعرف مذهب إمامه في الأصول والفروع ، أو في أحدهما .
32) يدخل المخرج في طبقة من طبقات التمذهب ، وهي أعلى الطبقات ، ويدخل الفروعي في طبقة من طبقات التمذهب ، وهي أدناها .
33) لتمذهب المجتهد ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، دون أن يكون لهذه النسبة أثر في اجتهاده .
فالأصل في هذه الحالة هو الجواز .
الحالة الثانية : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل الاتباع .
والذي يظهر لي في هذه الحالة هو الجواز ، وعدم المنع منها .
الحالة الثالثة : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل التقليد .
يبنى الحكم في هذه الحالة على ما حرره الأصوليون في مسألة : ( تقليد المجتهد لغيره من المجتهدين ) ، وهي مسألة خلافية ، وقد رجحت فيها القول القائل بمنع المجتهد من تقليده غيره من المجتهدين إلا إذا تعذر عليه الاجتهاد تعذراً حقيقياً ؛ لأي سبب كان ، إذا ظن أنه لن يتوصل إلى رأي راجح في المسألة ، لكن لابد أن تطمئن نفسُ المجتهد إلى القول الذي قلد فيه غيره .
34) الأقرب أن العامي لا مذهب له ، ولا يصح منه التمذهب ؛ لفقده أهلية معرفة المذهب.
35) التمذهب فرع الاجتهاد ، فما كان من المسائل محلاً للاجتهاد ، فهو محل للتمذهب ، سواء أكان من مسائل الفقه ، أم من مسائل أصول الفقه ، ولذا قلت : محل التمذهب هو الفقه وأصوله مما لم يقم عليه دليل قاطع .
36) يشمل محل التمذهب أموراً ، وهي :
• أولاً : مسائل أصول الفقه التي لم يقم عليها دليل قاطع .
• ثانياً : مسائل الفقه التي ثبتت بدليل نقلي ظني، وهي على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : المسائل الفقهية التي ثبت بدليل ظني الثبوت ، ظني الدلالة .
النوع الثاني : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل ظني الثبوت ، قطعي الدلالة .
النوع الثالث : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت ، ظني الدلالة .
• ثالثاً : المسائل التي لم يرد فيها دليل نقلي أصلاً .
37) المسائل التي ليست مجالاً للتمذهب :
أولاً : القواعد والأصول التي ثبتت بالدليل القاطع .
ثانياً : ما علم من الدين بالضرورة .
ثالثاً : المسائل التي ثبتت بالإجماع القاطع .
رابعاً : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة .
38) لمعرفة المذهب ثلاثة طرق :
الطريق الأول : ما صنفه إمام المذهب .
الطريق الثاني : ما نقله تلاميذ إمام المذهب ، ومعاصروه .
الطريق الثالث : ما دونه أرباب المذهب في مؤلفاتهم الأصولية والفقهية .
ومن الأمور المهمة التي تتصل بالطريق الثاني : ضرورة انتفاء الشذوذ والعلة عما نقل عن إمام المذهب .
ومن الأمور المهمة التي تتصل بالطريق الثالث : ضرورة الانتباه إلى أنه ليس كل ما دون في الكتب المذهبية تصح نسبته إلى إمام المذهب وإلى مذهبه ، فقد يوجد فيها ما لا تسوغ حكايته منسوباً إلى المذهب أو إلى إمامه .
39) هناك صور متعدد لنقل المذهب يعتريها الخطأ ، وقد بينت أهمها ، وأسباب الوقوع فيها .
40) اهتم أتباع المذاهب بتمييز المسائل المذكورة في مذهبهم ، واستعملوا مصطلحات في معان خاصة ، وقد ذكرت أهم المصطلحات التي استعملوها .
والمصطلحات التي تحدثت عنها ، هي : الرواية ، والتنبيه ، والقول ، والوجه ، والاحتمال ، والتخريج ، والنقل والتخريج ، والصحيح ، والمعروف ، والراجح ، وقياس المذهب ، والمشهور من المذهب ، وظاهر المذهب ، والضعيف ، والشاذ ، والطرق ، والإجراء، والتوجيه .
41) تكلمت عن مسألة : ( تفضيل مذهب من المذاهب ) في الفقرتين الآتيتين :
الأولى : هل يجوز تفضيل مذهب على غيره ؟
الثانية : نماذج من أقول بعض العلماء في تفضيل مذهبهم على غيره .
من أهم ما يتصل بالحكم في النقطة الأولى : ( هل يجوز تفضيل مذهب على غيره ؟ ) :
أولاً : إن كان الباعث على الحديث عن فضل المذهب ومزيته ، التعصب له ، وإيجاب التزامه في جميع المسائل ، وتحريم الخروج عنه ، حتى ولو خالف الدليل : فإنه لا يجوز.
ثانياً : إن كان الحديث عن تفضيل المذهب متضمناً الحط من قدر أئمة المذاهب الأخرى ، أو الطعن فيهم : فإنه لا يجوز .
ثالثاً : لا يوجد مذهب من المذاهب الفقهية المتبوعة متمحض في الصواب ولا في الخطأ ، بل أي مذهب يصيب في بعض المسائل ، ويخطئ في بعضها الآخر ، وبناءً عليه : فترجيح مذهب برمته على مذهب آخر لا يخلو من كثير من الحيف .
في النقطة الثانية : ( نماذج من أقوال بعض العلماء في تفضيل مذهبهم على غيره ) ، تبين أن حديث بعض العلماء عن فضل مذهبهم لم يخل من الحط من أئمة المذاهب الأخرى، في حين أنه جاء عن بعض العلماء كلام جيد حينما تحدثوا عن التفضيل بين المذاهب .
42) يمكن تقسيم التمذهب عدة أقسام ، وذلك باعتبارات مختلفة :
باعتبار محله ينقسم إلى :
• التمذهب في الأصول .
• التمذهب في الفروع .
• التمذهب في الأصول والفروع .
باعتبار درجة الالتزام بالمذهب ينقسم إلى :
• التمذهب في جميع المسائل ، أو أغلبها .
• التمذهب في كثير من المسائل ، أو بعضها .
باعتبار صفة التمذهب ينقسم إلى :
• التمذهب الحقيقي .
• التمذهب الاسمي .
باعتبار معرفة الدليل ينقسم إلى :
• التمذهب مع معرفة الدليل .
• التمذهب مع عدم معرفة الدليل .
43) لم يؤجد قبل نشأة المذاهب الفقهية تمذهب بمعناه المعهود ، ولا نسبة مذهبية إلى أحد من المجتهدين .
44) وجدت اللبنات الأولى في طريق التمذهب بين تلامذة علماء الصحابة رضي الله عنهم ، وقد سقت شاهداً على هذا الأمر من كلام علي بن المديني .
45) من أهم الصور العلمية الموجودة قبل وجود المذاهب الفقهية وجود مدرستين : إحداهما تعنى بالأثر ، والأخرى تعنى بالرأي ، ولكل منهما سمات وخصائص ، وقد تخرج فيهما عدد من الأئمة المجتهدين ، وقد ظهر أثر الاختلاف المنهجي بين المدرستين في أصول المذاهب الفقهية الناشئة عنهما .
46) كان هناك عدد من المذاهب الفقهية ، وقد بقي منهما المذاهب الفقهية الأربعة : ( المذهب الحنفي ، والمذهب المالكي ، والمذهب الشافعي ، والمذهب الحنبلي ) ، وقد هيأ الله تعالى لها عدداً من الأسباب التي أسهمت في بقائها قروناً عدة إلى وقتنا الحاضر، ومن أهم هذه الأسباب :
• التلاميذ النجباء .
• تمذهب الدولة بالمذهب الفقهي .
• المدارس المذهبية .
• الأوقاف على أرباب المذهب .
• تفرق المذهب في الأقاليم .
47) وجد في أواخر القرن الثاني الهجري تقريباً عدد من المتمذهبين بمذاهب بعض الأئمة، وقد برزت في القرن الثالث الهجري أسماءُ عدد من المتمذهبين المحققين ، وشاع التمذهب في هذا القرن ، وبدأ فيه ظهور المناظرات والمجادلات المذهبية .
48) حل التمذهب محل الاجتهاد المطلق في القرون التالية للقرن الثالث الهجري ، فكان غالباً على الحياة العلمية ، وبدأت في هذه القرون الكتابة في فقه الأئمة وأصولهم ، مع اتسام المؤلفات بالتنظيم والتحقيق للمذهب ، وصاحب هذا الأمر نبوغ عدد من المتمذهبين المحققين لمذاهبهم .
49) مما برز في القرون التالية للقرن الثالث الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري :
• نضوج الكتابة في علم أصول الفقه ، وتحرير مسائله ، ونضوج الاتجاهين الرئيسين فيه .
• قيام عدد من المتمذهبين بأعمال علمية مذهبية ، ومن أهمها :
o القيام ببيان علل الأحكام التي استنبطها إمام المذهب .
o القيام بالترجيح بين الآراء المختلفة في المذهب .
o القيام بالانتصار للمذهب .
• شيوع دراسة النوازل عن طريق الاجتهاد المذهبي المقيد .
• القول بإقفال باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية .
• شيوع التعصب المذهبي بين عدد من المتمذهبيين .
• وجود العلماء الذين بينوا خطر التقليد المذهبي ، وحذروا منه .
50) لم يختلف الحال كثيراً بعد انسلاخ القرن السابع الهجري ، بل زاد تمسك المتمذهبين بمذاهبهم ، فلا يحيد أكثرهم عنها ، وتمكنت روح التقليد المذهبي الصرف بين صفوفهم ، ومع ذلك ، فقد وجد عدد من العلماء المحققين لمذاهبهم العارفين بأدلتها، ومما ظهر جلياً في القرون التالية للقرن السابع إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً .
• انتشار المختصرات المذهبية ذات التعقيدات اللفظية .
• شيوع الكتب ذات التطبيقات الفقهية ، والتي عرفت باسم : كتب الفتاوى .
• استمرار انتشار التعصب المذهبي بين عدد من أرباب المذاهب .
• وجود عدد من العلماء الذين بينوا خطر التقليد المذهبي .
• ظهور بعض الدعوات في العالم الإسلامي ، التي ينادي كثير منها بالعودة إلى الكتاب والسنة.
51) استمر الحال الذي كان طاغياً على الحياة العلمية في القرون السابقة على الحالة العلمية في غالب سنين القرن الرابع عشر الهجري ، ثم بدأ انحسار الصبغة المذهبية القائمة ، والتعصب المذهبي عن الحياة العلمية بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً ، وتبع ذلك وجود المجامع والمحافل العلمية التي تمارس الاجتهاد الجماعي ، إضافة إلى وجود الكتب المذهبية بكافة ألوانها مطبوعة ، مع خدمة عدد منها على أسس علمية.
52) وجد بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري ، وفي القرن الخامس عشر الهجري عدد من العلماء الذين حاربوا التمذهب ، وقد تباينوا في هذا الأمر ، فمنهم من حارب التقليد المذهبي ، ومنهم من حارب التمذهب بصورة عامة .
53) لمسألة : ( تقليد المجتهد الميت ) علاقة واضحة بمسألة : ( حكم التمذهب ) ، وقد نص بعض العلماء على تفريع مسألة حكم التمذهب على مسألة تقليد الميت .
54) اختلف الأصوليون في مسألة : ( تقليد المجتهد الميت ) على أقوال عدة ، وقد ظهر لي أن القول الراجح في المسألة هو جواز تقليد المجتهد الميت .
55) تحدثت عن مسألة : ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) ، وقد تبين لي من خلال النظر فيها ، وتأملها أن العلماء متفقون على عدم وجوب التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي .
وترد مسألة : ( التمذهب بقول الصحابي ) عند القائلين بعدم حجية قول الصحابي .
56) اختلف العلماء في مسألة : ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) على قولين ، ومن أبرز الأدلة التي جاءت في سياق المسألة ، وكان له مناقشات متعددة ، دليل الإجماع الذي حكاه إمام الحرمين الجويني ، فقد حكى إجماع المحققين على منع غير المجتهدين من أخذ أقوال الصحابة رضي الله عنهم ، وقد انتهيت في المسألة إلى القول بجواز التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي من جهة التنظير ، ويبقى النظر في إمكانه ، والظاهر عدم إمكان التمذهب إلا بمشقة بالغة .
57) تعد مسألة : ( التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المشهورة ) كبرى المسائل التي دار فيها حديث وجدل كبيرين بين العلماء قديماً وحديثاً ، وحينما بحثت المسألة ظهرت لي عدة أمور ، من أهمها :
• لا خلاف بين العلماء في قبول وجود المذاهب الفقهية الأربعة .
• اتفق العلماء المجيزون للتمذهب على أن المتمذهب المتأهل إذا خالف مذهبه ، وخرج عنه ؛ لرجحان غيره من المذاهب ، فقد أحسن .
• من خلال تأمل المسألة تبين لي أن خلاف العلماء فيها وارد على ثلاث صور :
الصورة الأولى : التزام المتذهب بمذهب إمامه ، واكتفاؤه به ، بحيثُ لا يخرج عنه ، أو التزامه بمذهبه ، مع عدم معرفته بدليله .
الصورة الثاني : إعراض المتمذهب المتأهل عن النظر في الأدلة .
الصورة الثالثة : التزام المتمذهب بالمذهب مع مخالفته للدليل .
• من أبرز العلماء الذين جاء عنهم كلام في التمذهب : ابن حزم ، وابن عبد البر ، وتقي الدين ابن تيمية ، وابن القيم – وقد تبعهم كثير من العلماء المتأخرين والمعاصرين – وقد حررت أقوالهم في المسألة ، وخلاصة الأمر أنهم حاربوا التقليد المذهبي، أي : التمذهب دون معرفة دليل المذهب .
• اختلف العلماء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين في مسألة : ( التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المشهورة ) ، وقد استدل كل فريق بأدلة متعددة ، وقد ذكرت طرفاً منها ، وانتهيت في الترجيح إلى تفصيل طويل في المسألة ، وخلاصته أن التمذهب جائز في الجملة ، وأن وطأة الخصومة والنزاع بين المجوزين أو الموجبين للتمذهب ، والمانعين منه تخلف في المسائل التي لم يرد فيها نص من الشارع .
• للخلاف في المسألة عدة أسباب ، وقد ظهر أثره في نشوء مسألة أخرى ، وهي : ( الانتقال عن المذهب ) .
58) تحدثت عن مسألة : ( حكم التمذهب بغير المذاهب الأربعة ) ، وقد جعلت التمذهب بالمذاهب على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : التمذهب بمذهب مندثر .
القسم الثاني: التمذهب بالمذهب الظاهري .
القسم الثالث : التمذهب بمذهب فقهي لإحدى الفرق المبتدعة .
• فيما يتصل بالقسم الأول : ( التمذهب بمذهب مندثر ) ، بينت حكم هذا القسم ، ومن أهم ما توصلت إليه : أن تقرير الحكم فيه لا يختلف عن تقريره في مسألة، ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) ، وأن الأولى عدم التمذهب بمذهب مندثر.
• فيما يتصل بالقسم الثاني : ( التمذهب بالمذهب الظاهري ) ، فإن بعض الباحثين يعد المذهب الظاهري من المذاهب المندثرة ، لكنني آثرت الحديث عنه في قسم مستقل ؛ لتميزه عن سائر المذاهب بتدوين أصوله وفروعه ، وانفراده ببعض الآراء الأصولية ، ولوجود بعض الأفراد الذين ينتسبون إليه ، وقد بينت أن التمذهب به يعني : التزام أصوله ، مع القناعة برجحاتها عن حجة وبرهان ، ثم تطبيق هذه الأصول على الفروع الفقهية ، سواء أوافق علماء المذهب الظاهري ، أم خالفهم ، أما التزام المذهب الظاهري في أصوله وفروعه ، وعدم الخروج عنه ، في الجملة – وقد يصحب الالتزام معرفة الدليل في بعض المسائل – فإن أصول المذهب الظاهري ترد هذا الالتزام .
وقد بينت صعوبة القول بمنع التمذهب بالمذهب الظاهري ، مع أن الأولى ترك التمذهب به ؛ لعدد من الاعتبارات .
• فيما يتصل بالقسم الثالث : ( التمذهب بمذهب فقهي لإحدى الفرق المبتدعة ) ، فإن الفرق المنتسبة إلى البدعة تختلف في مدى تغلغل البدعة فيها :
• فإن كانت بدعة المذهب مكفرة ، فلا يجوز التمذهب به .
• وإن كانت بدعة المذهب غير مكفرة ، فإن الأقرب من وجهة نظري هو المنع من التمذهب به ، لعدد من الاعتبارات ، علماً أنني لم أقف – فيما رجعت إليه من مصادر – على من نص على حكم التمذهب في القسم الثالث ؛ ولعل السبب في هذا الأمر عائد إلى أن اهتمام العلماء منصب على الرد على عقائد المبتدعة المنحرفة ، وفي هذا غنية عن الحديث عن حكم التمذهب بمذاهبهم الفقهية ؛ لأنه إذا بطلت آراء المذهب المقدمة ، فبطلان آرائه الفقهية والأصولية تبع .
59) كان لبعض أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين جهود في بيان طبقات العلماء والمفتين ، ومن ضمنها طبقات المتمذهبين ، ومن أهم من ذكر الطبقات من متقدمي أهل العلم : ابن الصلاح ، وابن حمدان ، وابن القيم ، وابن كمال باشا .
60) كان لتقسيم ابن كمال باشا وقفات من بعض أهل العلم ، ولاسيما من علماء المذهب الحنفي ، فكان منهم المؤيد ، ومنهم المعارض المنتقد له .
61) من أهم من ذكر طبقات المتمذهبين من العلماء المتأخرين : شاه ولي الله الدهلوي ، والشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتور محمد الفرفور .
62) أرى أن أبرز من ذكر الطبقات السابقة : ابن الصلاح ، وابن كمال باشا – إذ أثرهما على من جاء بعدهما واضح – وهما يسيران في اتجاهين متقاربين ، وقد أجريت موازنة بين ما ذكراه من طبقات .
63) بعد التأمل فيما ذكر في باب الطبقات انتهيت إلى تقسيم المتمذهبين إلى أربع طبقات ، وهي :
الطبقة الأولى : المجتهد المطلق المنتسب إلى مذهب معين .
الطبقة الثانية : المجتهد المقيد في مذهب إمام معين .
الطبقة الثالثة : مجتهد الترجيح .
الطبقة الرابعة : حافظ المذهب .
64) مبنى التمذهب على التزام مذهب إمام بعينه ، وقد يحصل انتقال عن المذهب بالكلية، أو خروج عنه في بعض المسائل .
65) قد يصل المتمذهب إلى درجة الاجتهاد المطلق في الشريعة الإسلامية ، لكن هل له أن يدعي بلوغ درجة الاجتهاد المستقل ، بحيث يمسي مجتهداً مستقلاً بأصوله وفروعه ؟ وقد بينت الحكم بما خلاصته :
• إذا لم تجتمع في المتمذهب شروط الاجتهاد ، فليس له ادعاء بلوغه .
• إذا اجتمعت شروط الاجتهاد فيه ، وادعى أنه مجتهد مستقل بالاجتهاد ، فلهذه الدعوى صورتان :
الصورة الأولى : أن يكون لنفسه أصولاً وقواعد يسير عليها مخالفة لما استقرت عليه أصول المذاهب .
والذي يظهر لي في هذه الصورة المنع منها ، وعدم جوازها .
الصورة الثانية : أن لا يكون لنفسه أصولاً وقواعد مخالفة لما استقرت عليه أصول المذاهب ، بل يسير على الأصول المدونة ، لكنه يأخذ بما ترجح عنده من الأصول ، دون التزام أصول مذهب معين .
والذي يظهر لي في هذه الصورة الجواز ، بشرط : أن لا يدعي لنفسه مذهباً قائماً بأصوله وقواعده الخاصة .
66) إذا اجتمعت شروط الاجتهاد في المتمذهب ، ورأى من نفسه أنه مجتهد مطلق منتسب إلى مذهب إمامه ، فالواجب عليه ترك التمذهب والذهاب إلى الاجتهاد في الأحكام .
67) قد يرى بعض المتمذهبين ترك مذهبه بالكلية ، والانتقال عنه إلى التمذهب بمذهب آخر ، والأصل في هذا الأمر هو الجواز والإباحة ، ويختلف الحكم مدحاً أو ذماً بالنظر إلى غرض المتمذهب في انتقاله :
• إن كان الغرض دنيوياً فالانتقال مذموم .
• إن كان الغرض دينياً فالانتقال ممدوح .
68) قد يخرج التمذهب عن مذهبه في بعض المسائل ، ولا يكون ثمة ارتباط بينها ، وقد يخرج عن مذهبه في مسائل بينها ارتباط ، وقد يكون خروجه عن المذهب على سبيل تتبع الرخص .
69) إن كان الخروج عن المذهب في مسائل لا يوجد ارتباط بينها ، فخروجه محل خلاف ، والأقرب من وجهة نظري القول بالجواز ، إذا اطمأنت نفس المتمذهب إلى القول الذي ذهب إليه ، وخلا الخروج عن قصد التلهي والهوى .
70) إن كان خروج المتمذهب عن مذهب بقصد الترخص بالرخص المذهبية ، فهذا ما يسمى بـ ( تتبع الرخص ) ، وقد اهتم كثير من المتأخرين والمعاصرين بالحديث عنه ، وتعددت تعريفاتهم له ، وغالبها يسير في اتجاه متقارب ، وقد اخترت تعريفه بـ : أن يأخذ المكلف فيما يقع له من المسائل بأخف الأقوال .
71) اختلف العلماء في حكم تتبع الرخص على أقاويل كثيرة ، وقد بينت ضرورة التفريق بين حالة من يتتبع الرخص دائماً ، دون مسوغ ولا حاجة ، وحالة من يأخذ بالرخصة عند وجود ما يدعو إلى الأخذ بها ، والأقرب أن تتبع الرخص محرم ، والخلاف في المسألة خلاف معنوي ، ويظهر أثره في الحكم يفسق متتبع الرخص .
72) إن كان خروج المتمذهب عن مذهبه في مسائل بينها ارتباط ، فهذا ما يسمى بـ (التلفيق بين المذاهب ) ، ولقد اهتم كثير من العلماء المتأخرين والمعاصرين بالحديث عن التلفيق ، وتعددت تعريفاتهم له ، وقد اخترت تعريفه بأنه : تركيب كيفية في مسألة واحدة ، ذات فروع مترابطة أو في مسألتين لهما حكم المسألة الواحدة ، من قول مجتهدين أو أكثر ، بحيث لا يقول بصحتها أحد من المجتهدين .
73) للتلفين أقسام ثلاثة ، وهي :
القسم الأول : التلفيق في الاجتهاد .
القسم الثاني : التلفيق في التقليد .
القسم الثالث : التلفيق في التقنين .
74) يبنى الحكم في القسم الأول : ( التلفيق في الاجتهاد ) على ما ذكره الأصوليون في مسألة : إحداث قول ثالث .
75) اختلف العلماء في القسم الثاني : ( التلفيق في التقليد ) على عتدة أقوال ، وقد حكي في أدلة القائلين بالمنع من التلفيق الإجماع على منعه ، وقد بينت بعد إمكانية انعقاد الإجماع ، واحتمال إرادة من حكاه إجماع الإمامين على القول ببطلان ما صدر عن الملفق ، والأقرب في حكم القسم الثاني من وجهة نظري :
• بالنسبة للعامي يعصب القول بمنعه من التلفيق ، وإبطال عبادته بسبب وقوعه فيه .
• بالنسبة للمتمذهب : إن ترجح له ما ذهب إليه ، فالقول في هذه الحالة كالقول في التلفيق في الاجتهاد ، وإن قارن تلفيقه تتبع للرخص ، فله حكم مسألة : ( تتبع الرخص ) ، وإن خلا التلفيق عما سبق ، فإن وقع فيه عن غير قصد ، فلا حرج عليه ، وإن قصده فالأحوط تركه ؛ خروجاً من الخلاف .
76) اهتم كثير من المعاصرين بالحديث عن القسم الثالث : ( التلفيق في التقنين ) ، الذي يقصد به : تخير ولي الأمر من أحكام مختلف المذاهب الفقهية المعتبرة مجموعة من الأحكام ، لتكون قانوناً يقضى ويفتى به بين من يخضعون له ، بحيث يأخذ أحكام القانون من عدة مذاهب على وجه يترتب عليه التلفيق بين أقوال المجتهدين في مسألة واحدة .
ومجمل القول في حكم التلفيق في القسم الثالث ، أنه لا يخرج عن القسمين الأولين : ( التلفيق في الاجتهاد ) ، و( التلفيق في التقليد ) ، ويكون النظر في المسألة إلى المقنن ، أهو من المجتهدين ، أم من المقلدين ؟
• إن كان من المجتهدين أخذ حكم مسألة : (التلفيق في الاجتهاد ) .
• إن كان من المقلدين أخذ حكم مسألة : ( التلفيق في التقليد ) .
77) لا يخلو مذهب من المذاهب الفقهية من الوقوع في مخالفة دليل من الأدلة الشرعية ، ولاسيما دليل السنة النبوية ، فإذا كان المذهب على خلاف ما دل الحديث النبوي عليه ، فهل يأخذ المتمذهب بالحديث ؟
اختلف العلماء في المسألة على عدة أقوال ، وقد فصلت القول في الترجيح ، وقد بينت ضرورة الاهتمام بالنظر إلى ثبوت صحة الحديث ، وعدم الغفلة عن أحكام متقدمي المحدثين على الأحاديث ، ولاسيما حين يضعفون حديثاً ظاهر إسناده الصحة ؛ لعلة خفية ، ثم يأتي من يصحح الحديث بالنظر في إسناده غافلاً عما أعل الحديث به ، وذكرت أيضاً ضرورة الانتباه إلى معرفة درجة الزيادة في متون الأحاديث ، وضرورة الانتباه إلى بعض المتساهلين في تصحيح الأحاديث الضعيفة ، ولاسيما إن كان في متنها شيءٌ من الشذوذ والنكارة .
78) قد يصادف المتمذهب في بعض الأوقات وجود أكثر من قول لإمامه في مسألة واحدة ، فيحتاج إلى الترجيح بينها ، ولقيامه به جعلت الترجيح على قسمين :
القسم الأولى : الترجيح بين قولي إمام المذهب اللذين قالهما في وقت واحد .
القسم الثانية : الترجيح بين قولي إمام المذهب اللذين قالهما في وقتين .
وتحت هذين القسمين حالات ، وتحت الحالات صور وتفصيلات ، وبمراعاة ما ذكرته فيها يتحقق للمتمذهب غلبة الظن بأنه أخذ بقول إمامه الذي استقر رأيه عليه .
79) يتصل بما سبق الحديث عن مسألتين مهمتين اهتم بهما عدد من الأصوليين ، وللخلاف فيها آثار في عدة مسائل ، وهما :
المسألة الأولى : إذا جاء عن إمام المذهب قولان مختلفان ، وقد علم المتأخر منهما من المتقدم ، فهل ينسب إليه القول المتقدم ؟
اختلف العلماء في المسألة ، وتعددت أقوالهم وأدلتهم فيها ، وقد ظهر لي أن الإمام إذا صرح بالرجوع ، أو علم رجوعه ، فلا ينسب إليه القول المتقدم قطعاً ، أما إذا لم يصرح بالرجوع ، ولم يعلم رجوعه ، فالظاهر رجوعه عن قوله المتقدم .
المسألة الثانية : إذا جاء عن إمام المذهب قولان مختلفان ، ولم يعلم المتقدم منهما من القول المتأخر ، فما القول الذي ينسب إلى إمام المذهب في هذه الحالة ؟
اختلف العلماء في المسألة ، وتعددت أقوالهم وأدلتهم فيها ، وقد ظهر لي أنه من جهة نسبة القول إلى إمام المذهب : فإن الأرجح هو اعتقاد نسبة أحد القولين غليه ، ورجوعه عن القول الآخر ، دون تعيين أحدهما ، أما من جهة عمل المتمذهب : فالأقرب أنه يأخذ بالقول الأشبه بأصول مذهبه وقواعده .
80) لمعرفة رجوع إمام المذهب عن قوله عدة طرق ، منها :
• تصريح الإمام نفسه برجوعه عن قوله .
• ما ينقله تلاميذ الإمام وأصحابه من رجوع إمامهم عن قوله .
• ما يقرره أصحاب المذهب المحققون فيه أن إمامهم قد رجع عن قوله .
• إذا تعارض قول لإمام المذهب مع قول آخر ، وعلم القول المتأخر منهما ، فالمتقدم مرجوع عنه .
81) إذا ثبت عند التمذهب رجوع إمامه عن قوله ، فهل له أخذ القول المرجوع عنه في هذه الحالة ؟
لا يخلو الأمر من حالتين :
الحالة الأولى : أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله وفاقية .
الحالة الثانية : أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله خلافية .
والذي يظهر لي في الحالة الأولى : ( أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله وفاقية ) هو عدم جواز أخذ قول الإمام المرجوع عنه .
أما في الحالة الثانية : ( أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله خلافية ) :
• إن ترجح للتمذهب قول إمامه المرجوع عنه ، فالظاهر جواز أخذه ، إن لم أقل بالوجوب.
• إذا كان أخذ المتمذهب للقول المرجوع عنه بناءً على أنه مذهب إمامه ، فالظاهر عدم الجواز .
82) يعتد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الأصولية إذا كان أصولياً عارفاً بالأصول ، أما إذا كان المتمذهب غير عارف بأصول الفقه ، أو كان في معرفته ضعف ، فلا يعتد بقوله في هذه الحالة .
83) يعتد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الفقهية في الحالات الآتية :
• إذا كان المتمذهب أصولياً ذا مهارة وبصر بالفقه .
• إذا كان المتمذهب من طبقة المخرجين .
• إذا كان المتمذهب من طبقة مجتهدي الترجيح ، وتحقق له في المسألة محل النظر وصف الاجتهاد المذهبي المقيد .
84) قد يقف المتمذهب في بعض المسائل الأصولية أو الفقهية على اختلاف في مذهبه بين إمامه ، وأحد الأصحاب :
• فإن كان قول الصاحب غير سائر على أصول المذهب ، وأراد المتمذهب أخذه ، فله حكم مسألة : ( الخروج عن المذهب ) .
• إن كان القول سائراً على أصول المذهب ، فالأصل في هذا المقام هو قول إمام المذهب ، ويسوغ الأخذ بقول الصاحب لمقتض .
85) إذا وقع اختلاف بين المتمذهبين في تعيين المذهب :
• فإن كان المتمذهب متمكناً من الترجيح المذهبي بنفسه ، فإنه يبين الاختلاف في المذهب ، ثم المعول على ما ترجح عنده .
• وإن لم يكن متمكناً من الترجيح ، فعليه الاعتماد على ما يرجحه شيوخ مذهبه من أرباب درجة الاجتهاد المذهبي المقيد ، وأرباب درجة مجتهدي الترجيح ، فإن كان ثمة اختلاف بين المرجحين في تعيين المذهب ، فهناك عدد من المرجحات ، منها : الترجيح بالكثرة ، ولاسيما إن كانوا من المحققين للأقوال المذهبية ، والترجيح بزيادة العلم ، والترجيح بموافقة أكثر المذاهب المتبوعة .
86) من المهام التي تولاها عدد من المتمذهبين القيام بإفتاء الناس في أمورهم وما يعرض لهم ، وقد بينت خلاف العلماء في مسألة : ( إفتاء المتمذهب بمذهبه ) ، وقد ترجح عندي جواز إفتاء مجتهد المذهب بمذهبه ، ولمجتهد الترجيح ( مجتهد الفتيا ) الإفتاء بمذهبه الذي ترجح لديه ، أما حافظ المذهب ، فله الإفتاء فيما نص إمامه على حكمه إذا لم يوجد غيره ، وليس له الإفتاء فيما لم يقف لإمامه على نص فيه .
87) تتصل مسألة : ( الإفتاء بقول ضعيف في المذهب ) بمسألة : ( الإفتاء بالمذهب ) ، ولذا تحدثت عنها ، وبينت أن الأصل في الإفتاء أن يكون بالمذهب المعتمد أو الصحيح ، ولا يصح الإفتاء بالقول الضعيف دون مسوغ ، وإذا كان سؤال المستفتي عن المذهب أو قول إمامه ، لم يسغ إفتاؤه بالقول المذهبي الضعيف ، وقد بينت عدداً من الضوابط لجواز الإفتاء بالقول الضعيف في بعض الحالات ، وهي :
• أن يكون المفتي بالقول الضعيف عارفاً بالمذهب ومآخذه ، بارعاً فيه .
• أن لا يكون القول في نفسه قولاً شاذاً لم يقل به أحد من العلماء المعتبرين ، ولا ضعيفاً ضعفاً شديداً في المذهب .
• أن تكون هناك ضرورة ، أو حاجة داعية إلى الإفتاء بالقول الضعيف ، أو مصلحة راجحة تترتب على الإفتاء به .
• أن لا ينسب المتمذهب القول الذي أفتى به إلى إمامه .
88) يسوغ للمتمذهب أن يفتي بغير مذهبه إذا ترجح لديه ، مع إعلامه السائل بقول الإمام ، أما إن أفتى بغير مذهبه ؛ لسهولته ويسره ، فالذي يظهر لي في حكم المسألة هو المنع وعدم الجواز ، وإن أفتى بغير مذهبه ؛ لأنه أحوط ، فالظاهر الجواز ، إن لم يقع المستفتي في حرج ومشقة ، مع إعلامه المستفتي بمذهب الإمام .
89) اعتمد كثير من المتمذهبين عند دراسة النوازل على تخريج حكمها على أصول المذهب وقواعده ، وتخريج حكمها على فروع المذهب .
90) المقصود بتخريج حكم النازلة : أن يبين المتمذهب حكم النازلة التي لم ينص إمامه عليه بإلحاقها بقاعدة من قواعد المذهب ، أو بإلحاقها بما يشبهها من فروعه .
91) يفتقر تخرج حكم النازلة على أصول المذهب ، وفروعه إلى أمرين مهمين :
• الأمر الأول : صحة نسبة الأصل إلى إمام المذهب أو إلى مذهبه ( فإن كان التخريج على فروع المذهب ، فلابد أن يكون الفرع المخرج عليه ثابت النسبة إلى إمام المذهب أو إلى مذهبه ) .
• الأمر الثاني : أن يوجد في مذهب الإمام مجتهدون مقيدون بمذهبه ، يسيرون على طريقته ، ولديهم قدرة على التخريج والإلحاق .
92) هناك حاجة قائمة لوجود المذاهب الفقهية المتبوعة ؛ إذ ما فيها من أقوال يمثل فقه الشريعة وأصولها ، ولأن التفقه عن طريقها من سبل التفقه في دين الله تعالى ، ولئلا يأتي الناظر في المسائل الخلافية بقول آخر يحرم به إجماع من سبقه .
93) للتمذهب آثار إيجابية متعددة ، ومن أهمها :
• ظهور المناظرات والمساجلات الفقهية والأصولية بين أرباب المذاهب المختلفة ؛ بغية الاستدلال للمذهب والانتصار له بإبراز أدلته .
• ازدهار النشاط التأليفي في مختلف الموضوعات المتعلقة بالفقه وأصوله ، وقد كان النشاط التأليفي في فنون متعددة ، منها :
التأليف في الفقه المذهبي .
التأليف في الألغاز والأحاجي والمطارحات الفقهية .
التأليف في أصول المذهب .
التأليف في قواعد المذهب الفقهية وضوابطه .
التأليف في بيان أدلة المذهب .
التأليف في الردود على مخالفي المذهب .
التأليف في مناقب إمام المذهب .
التأليف في طبقات علماء المذهب .
• تجنب الآراء الشاذة .
• الإلمام الشمولي بالمسائل الأصولية ، والفقهية .
• دعم سبيل الارتقاء إلى مقام الاجتهاد .
• تجنب التناقض في الاختيار بين الأقوال .
• بروز فن الفروق الفقهية ، والأشياء والنظائر .
94) لم يكن تطبيق التمذهب عند بعض المتمذهبين على الوجه الصحيح ، فترتب على تمذهبهم عدد من الآثار السلبية ، وظهر لي أن من أهمها :
• ظهور التعصب المذهبي بين أرباب المذاهب المختلفة ، ومن صوره :
الإعراض عن الاستدلال بالكتاب والسنة الثابة .
رد دلالة الآيات والأحاديث الثابتة ، والتكلف في ذلك .
الانتصار للمذهب بالأحاديث الواهية .
الاستدلال بالحديث متى ما وافق المذهب ومخالفة الحديث نفسه في حكم آخر دل عليه ؛ لمخالفته المذهب .
• دعوى غلق باب الاجتهاد ، ومحاربة من يدعيه .
• ظهور الحيل الفقهية .
• عدم الاطلاع على ما لدى المذاهب الأخرى .
95) كان لظهور الآثار السلبية عدد من الأسباب ، من أهمها :
• الغلو في تعظيم أئمة المذاهب .
• اعتقاد عدم خفاء شيء من الأدلة على إمام المذهب .
• اتباع الهوى .
• التعصب للمذهب .
• المناظرات والجدل .
• الإلف والاعتياد على مذهب فقهي واحد .
• الخشية من وقوع الناس في تتبع الرخص ، والتلفيق بين المذاهب .
• الأوقاف على المذاهب الفقهية .
• الوقوع في ردة الفعل .
• الضعف العلمي .
• الكسل والرغبة في الراحة .
96) قدمت عدداً من المقترحات لعلاج آثار التمذهب السلبية ، والمقترحات هي:
• الاهتمام بالكتب المذهبية البعيدة عن التعصب ، والتي تعنى بالاستدلال .
• الاطلاع على بقية المذاهب المتبوعة ، ومعرفة أقوال السلف .
• التفاء علماء المذاهب الفقهية لدراسة ما يهم المسلمين .
• تربية المتمذهب على احترام المذاهب وأهلها .
• العناية بالتخصص العلمي .
• العناية بطرق التعليم .
97) قدم بعض المعارضين للتمذهب مشروعاً يقترح فيه توحيد المذاهب المتبوعة في مذهب واحد ، وأهم ما وقفت عليه : ما ذكره الشيخ محمد الباني ، وما ذكره الأستاذ محمد عيد عباسي .
98) كان المشروع الذي ذكره الأستاذ محمد عيد عباسي أنضج ممن قبله ، وقد وجهت إليه شيئاً من النقد الدال على عدم صلاحيته ، وبينت ضرورة الانتباه إلى أن نقد المشروع لا يعني بحال انتقاد من يدعو إلى تعظيم الأدلة ، والعمل بها ، فهذا شيء ، والمشروع المقترح شيء آخر .
يمكن بيان نتائج البحث في النقاط الآتية :
1) جاء وزن : ( تمفعل ) في لغة العرب ؛ فقد جاء في حديث نبوي ، وأثر عن أحد الصحابة رضي الله عنهم ، إضافة إلى اعتبار الوزن لدى طائفة من علماء الصرف ومحققيه.
2) يشمل مسمى المذهب في الاصطلاح عدة أمور ، وهي :
• أقوال إمام المذهب .
• أقوال أتباع الإمام وأصحابه التي لا تتعارض مع أصول المذهب ، وتخريجات أرباب المذهب على أصول مذهبهم وفروعه .
• أصول المذهب .
والأقرب تعريف المذهب بأنه : أقوال الإمام في المسائل الشرعية الاجتهادية ، وما جرى مجرى قوله ، وقواعد الاستنباط التي سار عليها ، وما خُرّج على قوله ، أو على أصله .
3) لم يتعرض متقدمو الأصوليين إلى بيان المعنى الاصطلاحي للتمذهب ، وكان اهتمام المتأخرين بتعريفه ظاهراً .
4) عرّف التمذهب في الاصطلاح بعدد من التعريفات ، لم يسلم كثير منها من بعض الاعتراضات ، وقد رأيت تعريفه بأنه التزام غير العامي مذهب مجتهد معين في الأصول والفروع ، أو في أحدهما ، أو انتساب مجتهد إليه .
5) هناك عدد من المصطلحات لها علاقة بمصطلح التمذهب ، وهي : التقليد ، والاجتهاد ، والاتباع ، والتأسي ، والتعصب ، والخلاف ، والانتصار للمذهب ، والصلابة في المذهب .
6) لا يعتبر المجتهد المستقل إماماً إلا إذا كان له أتباع يسيرون على أقواله الأصولية والفروعية .
7) للاجتهاد شروط متعددة، وقد اختلفت مناهج الأصوليين في ذكرها ، وقد جعلتهما على نوعين :
النوع الأول : الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد .
النوع الثاني : الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد .
وأهم شروط النوع الأول : ( الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد):
• الأول : العقل .
• الثاني : البلوغ .
• الثالث : الإسلام .
• الرابع : الملكةُ الفقهية .
8) لا تشترط للوصول إلى مرتبة الاجتهاد : الأوصاف الآتية : العدالة ، والذكورية ، والحرية .
9) أهم شروط النوع الثاني : ( الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد ) :
• الأول : معرفة كتاب الله سبحانه وتعالى :
• الثاني : معرفة السنة النبوية .
• الثالث : معرفة الناسخ والمنسوخ .
• الرابع : معرفة أسباب نزول الآيات ، وأسباب ورود الأحاديث .
• الخامس : معرفة المسائل المجمع عليها .
• السادس : معرفة علم أصول الفقه .
• الثامن : معرفة لسان العرب .
10) لا تشترط لبلوغ مرتبة الاجتهاد معرفة العلوم الآتية : معرفة علم الكلام ، ومعرفة علم المنطق ، ومعرفة الفروع الفقهية .
11) نظراً لانحصار أقوال أئمة المذاهب ، فقد اتجه أتباع الأئمة إلى التوصل إلى أحكام الفروع الفقهية بطرق عدة ، وتحصل لدي منها ثمانية طرق ، وهي :
الأول : القول ، الثاني : المفهوم ، الثالث : الفعل ، الرابع : السكوت ، الخامس : التوقف ، السادس : القياس على القول ، السابع : لازم القول ، الثامن : ثبوت الحديث .
12) تشح كتابات الأصوليين في تقرير الطريق الأول : ( القول ) ، باستثناء ما دونه علماء الحنابلة ، ولعل مرة هذا الأمر إلى بدهية نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق لفظه .
13) النظر إلى قول إمام المذهب من جانبين :
الجانب الأول : ثبوت القول عن الإمام .
الجانب الثاني : دلالة قول إمام المذهب .
ويثبت قول الإمام إذا وصل إلينا عن طريق كتاب ألفه ، أو يذكر تلاميذه لقوله .
14) لنقل التلاميذ قول إمامهم من حيث نسبته إليه تفصيل :
فإذا اتفق التلاميذ على نقل قول إمامهم ، ولم يختلفوا فيه ، فالمنقول قوله الذي تصح نسبته إليه .
أما إذا حصل بين التلاميذ اختلاف :
إن لم ينفرد واحد منهم بالنقل ، فمذهب الإمام لا يخرج عن أقوالهم ، ويبقى النظر في طلب مرجح لأحدها .
إن انرفد أحد التلاميذ بقول مخالف لسائرهم :
إن لم يكن لقول المنفرد دليل قوي ، فلا ينسب ما ذكره إلى إمام المذهب .
إن كان للقول الذي انفرد به التلميذ دليل قوي ، فالمسألة محل خلاف عند علماء الحنابلة، والأرجح : النظر إلى وجود قرينة تدل على تعدد المجلس أو اتحاده :
فإن كان ثمة قرينة ترجح اتحاد المجلس ، لم ينسب القول إلى إمام المذهب .
وإن رجحت القرينة تعدد المجلس ، قبل ما نقله التلميذ .
وإن خلا الحال عن القرينة نسب القول إلى الإمام ، إلا إذا كان التلميذ كثير الانفراد .
15) إذا سئل إمام المذهب عن حكم ، فأجاب بآية ، أو بحديث ، أو بقول صحابي ، فما دلت عليه الآية والحديث وقول الصحابي ، هو قول الإمام الذي ينسب إليه .
16) إذا سئل إمام المذهب عن حكم ، فأجاب بقول عالم ، وتجرد الحال عن قرينة دالة على اختيار القول المحكي ، فالأقرب نسبة القول الذي حكاه الإمام إليه .
17) إذا أخبر التلميذ برأي إمامه ، ولم تكن حكايته للرأي بنص عن إمامه ، بل بما فهمه منه ، فالأقرب اعتبار حكاية التلميذ في هذه الحالة كنص الإمام .
18) إذا فسر التلميذ قول إمامه ، أو ذكر له قيداً أو مخصصاً له ، فالحكم هنا كالحكم فيما لو أخبر التلميذ برأي إمامه على سبيل الحكاية .
19) بعد ثبوت النقل عن الإمام ، ينظر إلى جانب دلالة القول :
• إن كان القول صريحاً في مدلوله ، نسب إلى إمام المذهب .
• إن كان القول ظاهراً في مدلوله ،ويحتمل غيره ، فإنه ينسب المدلول الظاهر إلى الإمام ، ويجوز تأويله بدليل أقوى منه .
• إن كان اللفظ محتملاً لشيئين على السواء ، فإنه ينسب اللفظ إلى الإمام ، ويتوقف في نسبة المدلول إليه .
20) صحة نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق مفهوم الموافقة ، أما فيما يتصل بنسبة القول عن طريق مفهوم المخالفة ، فالمسألة محل خلاف ، والأقرب من وجهة نظري صحة نسبة القول إلى الإمام بناءً على مفهوم المخالفة متى ما احتفت به قرينة تدل على اختصاص المذكور بالحكم ، وعدم نسبة القول إلى الإمام بناءً على المفهوم ، إذا خلا الكلام عن قرينة دالة على اختصاص المذكور بالحكم .
21) في نسبة القول إلى الإمام عن طريق فعله خلاف بين العلماء ، والأقرب من وجهة نظري اعتبار القرينة في الفعل ، فإن احتفت بالفعل قرينة دالة على أن ما صدر من الإمام يمثل رأيه نسب إليه ، وإلا فلا ينسب .
22) لسكوت إمام المذهب صورتان :
الصورة الأولى : أن يفعل أمر عنده ، ويسكت عن إنكاره ، فهل يعد سكوته إقراراً منه على جواز الفعل ؟
الصورة الثانية : أن يفتي إمام المذهب بحكم ، ثم يعترض عليه معترض ، فيسكت عن الجواب ، فهل يعد سكوته رجوعاً عن قوله ؟
وقد سقت الحديث في الصورتين في سياق واحد ؛ نظراً لتقاريهما ، وظهر لي أن السكوت ليس بطريق لإثبات قول الإمام في كلتا الصورتين :
23) لمعرفة توقف إمام المذهب طرق ، منها :
• تصريح الإمام بالتوقف .
• الإجابة التي يفهم منها التوقف ، ويفهم التوقف بأمور متعددة .
• حكاية تلاميذ الإمام وأصحابه أنه متوقف .
24) إن كان سبب التوقف تعارض الأدلة ، مع عدم المرجح ، فالتوقف حينئذ قول ، وإن كان سبب التوقف عدم النظر في المسألة ابتداء ، أو عدم استكمال النظر فيها ، فلا يعد التوقف حينئذ قولاً .
25) تباينت أقوال العلماء في مسألة : ( القياس على قول إمام المذهب ) ، وتعددت وجهاتهم فيها ، والأقرب من وجهة نظري صحة نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس ، إذا نص على علة الحكم ، وصحة نسبة القول إليه إذا لم ينص على علة الحكم ، ولم يومئ إليها ، لكن ينسب القول إليه مقيداً – بقولنا مثلاً : قياس قوله كذا – مع ذكر الأصل المقيس عليه .
26) لا تصح نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق النقل والتخريج بين قوليه .
27) المراد بلازم القول في مسألة : ( نسبة القول إلى إمام المذهب ) : أن يقول إمام المذهب قولاً ، ويلزم منه لازم عقلي ، أو شرعي ، أو عادي ، فهل تصح نسبة القول باللازم إلى الإمام في هذه الحالة ؟
28) اختلف العلماء في نسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق اللازم ، والذي يظهر لي أن وطأة الخلاف في هذه المسألة تخف إذا طبقنا اللازم في الفروع الفقهية ؛ لانتفاء المفاسد الكبرى التي قد تترتب على القول بنسبة لازم القول إلى القائل ، والأقرب من وجهة نظري : أنه إذا كان اللازم بعيداً ، بحيث يغلب على الظن غفلة المتكلم عنه ، فلا ينسب إلى إمام المذهب ، وإذا كان اللازم غير بعيد ، نسب إليه مقيداً .
29) لنسبة القول إلى إمام المذهب عن طريق ثبوت الحديث النبوي الثابت أربع صور ، وهي :
الصورة الأولى : إذا روى الإمام الحديث ، ولم يرده ، ولم ينقل عنه خلاف ما دل عليه الحديث .
وقد اختلف الحنابلة في هذه الصورة ، والأقرب عندي أن الأصل عدم صحة نسبة القول إلى إمام المذهب ، إلا إن كان هناك قرينة دالة على أن ما رواه قد اختاره ، كما لو بوب على الحديث مثلاً ، أو صححه .
الصورة الثانية : إذا روى الإمام الحديث ، وخالفه .
صرح بعض العلماء بعدم نسبة القول إلى الإمام في هذه الصورة .
الصورة الثالثة : إذا ثبت الحديث من غير مروي الإمام ، وخالفه .
اختلف العلماء في نسبة القول إلى إمام المذهب في هذه الصورة ، والأقرب من وجهة نظري عدم صحة نسبة القول إلى الإمام .
الصورة الرابعة : إذا ثبت الحديث من غير مروي الإمام ، ولم ينقل عنه قول بخلافه .
الأقرب عندي في هذه الصورة هو صحة نسبة القول إلى إمام المذهب ، لكن مع توضيح ذلك ، بأن يقال : لم يرد في المسألة قول عن الإمام ، وقد صح الحديث فيها ، ومن أصول الإمام القول بالحديث ، وأنه مذهبه .
30) يعد المتمذهب الركن الأقوى في التمهب ، وقد عرفته بأنه : الذي يلتزم مذهباً معيناً في الأصول والفروع ، أو في أحدهما ، أو من ينتسب إلى مذهب معين .
31) يشترط في المتمذهب شروط عامة ، وشروط خاصة .
• الشروط العامة : الأول : العقل ، الثاني : البلوغ ، الثالث : الإسلام .
• الشروط الخاصة : الأول : أن يكون متهيئاً للتمذهب ، الثاني : أن يعرف مذهب إمامه في الأصول والفروع ، أو في أحدهما .
32) يدخل المخرج في طبقة من طبقات التمذهب ، وهي أعلى الطبقات ، ويدخل الفروعي في طبقة من طبقات التمذهب ، وهي أدناها .
33) لتمذهب المجتهد ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، دون أن يكون لهذه النسبة أثر في اجتهاده .
فالأصل في هذه الحالة هو الجواز .
الحالة الثانية : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل الاتباع .
والذي يظهر لي في هذه الحالة هو الجواز ، وعدم المنع منها .
الحالة الثالثة : أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين ، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل التقليد .
يبنى الحكم في هذه الحالة على ما حرره الأصوليون في مسألة : ( تقليد المجتهد لغيره من المجتهدين ) ، وهي مسألة خلافية ، وقد رجحت فيها القول القائل بمنع المجتهد من تقليده غيره من المجتهدين إلا إذا تعذر عليه الاجتهاد تعذراً حقيقياً ؛ لأي سبب كان ، إذا ظن أنه لن يتوصل إلى رأي راجح في المسألة ، لكن لابد أن تطمئن نفسُ المجتهد إلى القول الذي قلد فيه غيره .
34) الأقرب أن العامي لا مذهب له ، ولا يصح منه التمذهب ؛ لفقده أهلية معرفة المذهب.
35) التمذهب فرع الاجتهاد ، فما كان من المسائل محلاً للاجتهاد ، فهو محل للتمذهب ، سواء أكان من مسائل الفقه ، أم من مسائل أصول الفقه ، ولذا قلت : محل التمذهب هو الفقه وأصوله مما لم يقم عليه دليل قاطع .
36) يشمل محل التمذهب أموراً ، وهي :
• أولاً : مسائل أصول الفقه التي لم يقم عليها دليل قاطع .
• ثانياً : مسائل الفقه التي ثبتت بدليل نقلي ظني، وهي على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : المسائل الفقهية التي ثبت بدليل ظني الثبوت ، ظني الدلالة .
النوع الثاني : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل ظني الثبوت ، قطعي الدلالة .
النوع الثالث : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت ، ظني الدلالة .
• ثالثاً : المسائل التي لم يرد فيها دليل نقلي أصلاً .
37) المسائل التي ليست مجالاً للتمذهب :
أولاً : القواعد والأصول التي ثبتت بالدليل القاطع .
ثانياً : ما علم من الدين بالضرورة .
ثالثاً : المسائل التي ثبتت بالإجماع القاطع .
رابعاً : المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة .
38) لمعرفة المذهب ثلاثة طرق :
الطريق الأول : ما صنفه إمام المذهب .
الطريق الثاني : ما نقله تلاميذ إمام المذهب ، ومعاصروه .
الطريق الثالث : ما دونه أرباب المذهب في مؤلفاتهم الأصولية والفقهية .
ومن الأمور المهمة التي تتصل بالطريق الثاني : ضرورة انتفاء الشذوذ والعلة عما نقل عن إمام المذهب .
ومن الأمور المهمة التي تتصل بالطريق الثالث : ضرورة الانتباه إلى أنه ليس كل ما دون في الكتب المذهبية تصح نسبته إلى إمام المذهب وإلى مذهبه ، فقد يوجد فيها ما لا تسوغ حكايته منسوباً إلى المذهب أو إلى إمامه .
39) هناك صور متعدد لنقل المذهب يعتريها الخطأ ، وقد بينت أهمها ، وأسباب الوقوع فيها .
40) اهتم أتباع المذاهب بتمييز المسائل المذكورة في مذهبهم ، واستعملوا مصطلحات في معان خاصة ، وقد ذكرت أهم المصطلحات التي استعملوها .
والمصطلحات التي تحدثت عنها ، هي : الرواية ، والتنبيه ، والقول ، والوجه ، والاحتمال ، والتخريج ، والنقل والتخريج ، والصحيح ، والمعروف ، والراجح ، وقياس المذهب ، والمشهور من المذهب ، وظاهر المذهب ، والضعيف ، والشاذ ، والطرق ، والإجراء، والتوجيه .
41) تكلمت عن مسألة : ( تفضيل مذهب من المذاهب ) في الفقرتين الآتيتين :
الأولى : هل يجوز تفضيل مذهب على غيره ؟
الثانية : نماذج من أقول بعض العلماء في تفضيل مذهبهم على غيره .
من أهم ما يتصل بالحكم في النقطة الأولى : ( هل يجوز تفضيل مذهب على غيره ؟ ) :
أولاً : إن كان الباعث على الحديث عن فضل المذهب ومزيته ، التعصب له ، وإيجاب التزامه في جميع المسائل ، وتحريم الخروج عنه ، حتى ولو خالف الدليل : فإنه لا يجوز.
ثانياً : إن كان الحديث عن تفضيل المذهب متضمناً الحط من قدر أئمة المذاهب الأخرى ، أو الطعن فيهم : فإنه لا يجوز .
ثالثاً : لا يوجد مذهب من المذاهب الفقهية المتبوعة متمحض في الصواب ولا في الخطأ ، بل أي مذهب يصيب في بعض المسائل ، ويخطئ في بعضها الآخر ، وبناءً عليه : فترجيح مذهب برمته على مذهب آخر لا يخلو من كثير من الحيف .
في النقطة الثانية : ( نماذج من أقوال بعض العلماء في تفضيل مذهبهم على غيره ) ، تبين أن حديث بعض العلماء عن فضل مذهبهم لم يخل من الحط من أئمة المذاهب الأخرى، في حين أنه جاء عن بعض العلماء كلام جيد حينما تحدثوا عن التفضيل بين المذاهب .
42) يمكن تقسيم التمذهب عدة أقسام ، وذلك باعتبارات مختلفة :
باعتبار محله ينقسم إلى :
• التمذهب في الأصول .
• التمذهب في الفروع .
• التمذهب في الأصول والفروع .
باعتبار درجة الالتزام بالمذهب ينقسم إلى :
• التمذهب في جميع المسائل ، أو أغلبها .
• التمذهب في كثير من المسائل ، أو بعضها .
باعتبار صفة التمذهب ينقسم إلى :
• التمذهب الحقيقي .
• التمذهب الاسمي .
باعتبار معرفة الدليل ينقسم إلى :
• التمذهب مع معرفة الدليل .
• التمذهب مع عدم معرفة الدليل .
43) لم يؤجد قبل نشأة المذاهب الفقهية تمذهب بمعناه المعهود ، ولا نسبة مذهبية إلى أحد من المجتهدين .
44) وجدت اللبنات الأولى في طريق التمذهب بين تلامذة علماء الصحابة رضي الله عنهم ، وقد سقت شاهداً على هذا الأمر من كلام علي بن المديني .
45) من أهم الصور العلمية الموجودة قبل وجود المذاهب الفقهية وجود مدرستين : إحداهما تعنى بالأثر ، والأخرى تعنى بالرأي ، ولكل منهما سمات وخصائص ، وقد تخرج فيهما عدد من الأئمة المجتهدين ، وقد ظهر أثر الاختلاف المنهجي بين المدرستين في أصول المذاهب الفقهية الناشئة عنهما .
46) كان هناك عدد من المذاهب الفقهية ، وقد بقي منهما المذاهب الفقهية الأربعة : ( المذهب الحنفي ، والمذهب المالكي ، والمذهب الشافعي ، والمذهب الحنبلي ) ، وقد هيأ الله تعالى لها عدداً من الأسباب التي أسهمت في بقائها قروناً عدة إلى وقتنا الحاضر، ومن أهم هذه الأسباب :
• التلاميذ النجباء .
• تمذهب الدولة بالمذهب الفقهي .
• المدارس المذهبية .
• الأوقاف على أرباب المذهب .
• تفرق المذهب في الأقاليم .
47) وجد في أواخر القرن الثاني الهجري تقريباً عدد من المتمذهبين بمذاهب بعض الأئمة، وقد برزت في القرن الثالث الهجري أسماءُ عدد من المتمذهبين المحققين ، وشاع التمذهب في هذا القرن ، وبدأ فيه ظهور المناظرات والمجادلات المذهبية .
48) حل التمذهب محل الاجتهاد المطلق في القرون التالية للقرن الثالث الهجري ، فكان غالباً على الحياة العلمية ، وبدأت في هذه القرون الكتابة في فقه الأئمة وأصولهم ، مع اتسام المؤلفات بالتنظيم والتحقيق للمذهب ، وصاحب هذا الأمر نبوغ عدد من المتمذهبين المحققين لمذاهبهم .
49) مما برز في القرون التالية للقرن الثالث الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري :
• نضوج الكتابة في علم أصول الفقه ، وتحرير مسائله ، ونضوج الاتجاهين الرئيسين فيه .
• قيام عدد من المتمذهبين بأعمال علمية مذهبية ، ومن أهمها :
o القيام ببيان علل الأحكام التي استنبطها إمام المذهب .
o القيام بالترجيح بين الآراء المختلفة في المذهب .
o القيام بالانتصار للمذهب .
• شيوع دراسة النوازل عن طريق الاجتهاد المذهبي المقيد .
• القول بإقفال باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية .
• شيوع التعصب المذهبي بين عدد من المتمذهبيين .
• وجود العلماء الذين بينوا خطر التقليد المذهبي ، وحذروا منه .
50) لم يختلف الحال كثيراً بعد انسلاخ القرن السابع الهجري ، بل زاد تمسك المتمذهبين بمذاهبهم ، فلا يحيد أكثرهم عنها ، وتمكنت روح التقليد المذهبي الصرف بين صفوفهم ، ومع ذلك ، فقد وجد عدد من العلماء المحققين لمذاهبهم العارفين بأدلتها، ومما ظهر جلياً في القرون التالية للقرن السابع إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً .
• انتشار المختصرات المذهبية ذات التعقيدات اللفظية .
• شيوع الكتب ذات التطبيقات الفقهية ، والتي عرفت باسم : كتب الفتاوى .
• استمرار انتشار التعصب المذهبي بين عدد من أرباب المذاهب .
• وجود عدد من العلماء الذين بينوا خطر التقليد المذهبي .
• ظهور بعض الدعوات في العالم الإسلامي ، التي ينادي كثير منها بالعودة إلى الكتاب والسنة.
51) استمر الحال الذي كان طاغياً على الحياة العلمية في القرون السابقة على الحالة العلمية في غالب سنين القرن الرابع عشر الهجري ، ثم بدأ انحسار الصبغة المذهبية القائمة ، والتعصب المذهبي عن الحياة العلمية بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً ، وتبع ذلك وجود المجامع والمحافل العلمية التي تمارس الاجتهاد الجماعي ، إضافة إلى وجود الكتب المذهبية بكافة ألوانها مطبوعة ، مع خدمة عدد منها على أسس علمية.
52) وجد بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري ، وفي القرن الخامس عشر الهجري عدد من العلماء الذين حاربوا التمذهب ، وقد تباينوا في هذا الأمر ، فمنهم من حارب التقليد المذهبي ، ومنهم من حارب التمذهب بصورة عامة .
53) لمسألة : ( تقليد المجتهد الميت ) علاقة واضحة بمسألة : ( حكم التمذهب ) ، وقد نص بعض العلماء على تفريع مسألة حكم التمذهب على مسألة تقليد الميت .
54) اختلف الأصوليون في مسألة : ( تقليد المجتهد الميت ) على أقوال عدة ، وقد ظهر لي أن القول الراجح في المسألة هو جواز تقليد المجتهد الميت .
55) تحدثت عن مسألة : ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) ، وقد تبين لي من خلال النظر فيها ، وتأملها أن العلماء متفقون على عدم وجوب التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي .
وترد مسألة : ( التمذهب بقول الصحابي ) عند القائلين بعدم حجية قول الصحابي .
56) اختلف العلماء في مسألة : ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) على قولين ، ومن أبرز الأدلة التي جاءت في سياق المسألة ، وكان له مناقشات متعددة ، دليل الإجماع الذي حكاه إمام الحرمين الجويني ، فقد حكى إجماع المحققين على منع غير المجتهدين من أخذ أقوال الصحابة رضي الله عنهم ، وقد انتهيت في المسألة إلى القول بجواز التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي من جهة التنظير ، ويبقى النظر في إمكانه ، والظاهر عدم إمكان التمذهب إلا بمشقة بالغة .
57) تعد مسألة : ( التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المشهورة ) كبرى المسائل التي دار فيها حديث وجدل كبيرين بين العلماء قديماً وحديثاً ، وحينما بحثت المسألة ظهرت لي عدة أمور ، من أهمها :
• لا خلاف بين العلماء في قبول وجود المذاهب الفقهية الأربعة .
• اتفق العلماء المجيزون للتمذهب على أن المتمذهب المتأهل إذا خالف مذهبه ، وخرج عنه ؛ لرجحان غيره من المذاهب ، فقد أحسن .
• من خلال تأمل المسألة تبين لي أن خلاف العلماء فيها وارد على ثلاث صور :
الصورة الأولى : التزام المتذهب بمذهب إمامه ، واكتفاؤه به ، بحيثُ لا يخرج عنه ، أو التزامه بمذهبه ، مع عدم معرفته بدليله .
الصورة الثاني : إعراض المتمذهب المتأهل عن النظر في الأدلة .
الصورة الثالثة : التزام المتمذهب بالمذهب مع مخالفته للدليل .
• من أبرز العلماء الذين جاء عنهم كلام في التمذهب : ابن حزم ، وابن عبد البر ، وتقي الدين ابن تيمية ، وابن القيم – وقد تبعهم كثير من العلماء المتأخرين والمعاصرين – وقد حررت أقوالهم في المسألة ، وخلاصة الأمر أنهم حاربوا التقليد المذهبي، أي : التمذهب دون معرفة دليل المذهب .
• اختلف العلماء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين في مسألة : ( التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المشهورة ) ، وقد استدل كل فريق بأدلة متعددة ، وقد ذكرت طرفاً منها ، وانتهيت في الترجيح إلى تفصيل طويل في المسألة ، وخلاصته أن التمذهب جائز في الجملة ، وأن وطأة الخصومة والنزاع بين المجوزين أو الموجبين للتمذهب ، والمانعين منه تخلف في المسائل التي لم يرد فيها نص من الشارع .
• للخلاف في المسألة عدة أسباب ، وقد ظهر أثره في نشوء مسألة أخرى ، وهي : ( الانتقال عن المذهب ) .
58) تحدثت عن مسألة : ( حكم التمذهب بغير المذاهب الأربعة ) ، وقد جعلت التمذهب بالمذاهب على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : التمذهب بمذهب مندثر .
القسم الثاني: التمذهب بالمذهب الظاهري .
القسم الثالث : التمذهب بمذهب فقهي لإحدى الفرق المبتدعة .
• فيما يتصل بالقسم الأول : ( التمذهب بمذهب مندثر ) ، بينت حكم هذا القسم ، ومن أهم ما توصلت إليه : أن تقرير الحكم فيه لا يختلف عن تقريره في مسألة، ( التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي ) ، وأن الأولى عدم التمذهب بمذهب مندثر.
• فيما يتصل بالقسم الثاني : ( التمذهب بالمذهب الظاهري ) ، فإن بعض الباحثين يعد المذهب الظاهري من المذاهب المندثرة ، لكنني آثرت الحديث عنه في قسم مستقل ؛ لتميزه عن سائر المذاهب بتدوين أصوله وفروعه ، وانفراده ببعض الآراء الأصولية ، ولوجود بعض الأفراد الذين ينتسبون إليه ، وقد بينت أن التمذهب به يعني : التزام أصوله ، مع القناعة برجحاتها عن حجة وبرهان ، ثم تطبيق هذه الأصول على الفروع الفقهية ، سواء أوافق علماء المذهب الظاهري ، أم خالفهم ، أما التزام المذهب الظاهري في أصوله وفروعه ، وعدم الخروج عنه ، في الجملة – وقد يصحب الالتزام معرفة الدليل في بعض المسائل – فإن أصول المذهب الظاهري ترد هذا الالتزام .
وقد بينت صعوبة القول بمنع التمذهب بالمذهب الظاهري ، مع أن الأولى ترك التمذهب به ؛ لعدد من الاعتبارات .
• فيما يتصل بالقسم الثالث : ( التمذهب بمذهب فقهي لإحدى الفرق المبتدعة ) ، فإن الفرق المنتسبة إلى البدعة تختلف في مدى تغلغل البدعة فيها :
• فإن كانت بدعة المذهب مكفرة ، فلا يجوز التمذهب به .
• وإن كانت بدعة المذهب غير مكفرة ، فإن الأقرب من وجهة نظري هو المنع من التمذهب به ، لعدد من الاعتبارات ، علماً أنني لم أقف – فيما رجعت إليه من مصادر – على من نص على حكم التمذهب في القسم الثالث ؛ ولعل السبب في هذا الأمر عائد إلى أن اهتمام العلماء منصب على الرد على عقائد المبتدعة المنحرفة ، وفي هذا غنية عن الحديث عن حكم التمذهب بمذاهبهم الفقهية ؛ لأنه إذا بطلت آراء المذهب المقدمة ، فبطلان آرائه الفقهية والأصولية تبع .
59) كان لبعض أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين جهود في بيان طبقات العلماء والمفتين ، ومن ضمنها طبقات المتمذهبين ، ومن أهم من ذكر الطبقات من متقدمي أهل العلم : ابن الصلاح ، وابن حمدان ، وابن القيم ، وابن كمال باشا .
60) كان لتقسيم ابن كمال باشا وقفات من بعض أهل العلم ، ولاسيما من علماء المذهب الحنفي ، فكان منهم المؤيد ، ومنهم المعارض المنتقد له .
61) من أهم من ذكر طبقات المتمذهبين من العلماء المتأخرين : شاه ولي الله الدهلوي ، والشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتور محمد الفرفور .
62) أرى أن أبرز من ذكر الطبقات السابقة : ابن الصلاح ، وابن كمال باشا – إذ أثرهما على من جاء بعدهما واضح – وهما يسيران في اتجاهين متقاربين ، وقد أجريت موازنة بين ما ذكراه من طبقات .
63) بعد التأمل فيما ذكر في باب الطبقات انتهيت إلى تقسيم المتمذهبين إلى أربع طبقات ، وهي :
الطبقة الأولى : المجتهد المطلق المنتسب إلى مذهب معين .
الطبقة الثانية : المجتهد المقيد في مذهب إمام معين .
الطبقة الثالثة : مجتهد الترجيح .
الطبقة الرابعة : حافظ المذهب .
64) مبنى التمذهب على التزام مذهب إمام بعينه ، وقد يحصل انتقال عن المذهب بالكلية، أو خروج عنه في بعض المسائل .
65) قد يصل المتمذهب إلى درجة الاجتهاد المطلق في الشريعة الإسلامية ، لكن هل له أن يدعي بلوغ درجة الاجتهاد المستقل ، بحيث يمسي مجتهداً مستقلاً بأصوله وفروعه ؟ وقد بينت الحكم بما خلاصته :
• إذا لم تجتمع في المتمذهب شروط الاجتهاد ، فليس له ادعاء بلوغه .
• إذا اجتمعت شروط الاجتهاد فيه ، وادعى أنه مجتهد مستقل بالاجتهاد ، فلهذه الدعوى صورتان :
الصورة الأولى : أن يكون لنفسه أصولاً وقواعد يسير عليها مخالفة لما استقرت عليه أصول المذاهب .
والذي يظهر لي في هذه الصورة المنع منها ، وعدم جوازها .
الصورة الثانية : أن لا يكون لنفسه أصولاً وقواعد مخالفة لما استقرت عليه أصول المذاهب ، بل يسير على الأصول المدونة ، لكنه يأخذ بما ترجح عنده من الأصول ، دون التزام أصول مذهب معين .
والذي يظهر لي في هذه الصورة الجواز ، بشرط : أن لا يدعي لنفسه مذهباً قائماً بأصوله وقواعده الخاصة .
66) إذا اجتمعت شروط الاجتهاد في المتمذهب ، ورأى من نفسه أنه مجتهد مطلق منتسب إلى مذهب إمامه ، فالواجب عليه ترك التمذهب والذهاب إلى الاجتهاد في الأحكام .
67) قد يرى بعض المتمذهبين ترك مذهبه بالكلية ، والانتقال عنه إلى التمذهب بمذهب آخر ، والأصل في هذا الأمر هو الجواز والإباحة ، ويختلف الحكم مدحاً أو ذماً بالنظر إلى غرض المتمذهب في انتقاله :
• إن كان الغرض دنيوياً فالانتقال مذموم .
• إن كان الغرض دينياً فالانتقال ممدوح .
68) قد يخرج التمذهب عن مذهبه في بعض المسائل ، ولا يكون ثمة ارتباط بينها ، وقد يخرج عن مذهبه في مسائل بينها ارتباط ، وقد يكون خروجه عن المذهب على سبيل تتبع الرخص .
69) إن كان الخروج عن المذهب في مسائل لا يوجد ارتباط بينها ، فخروجه محل خلاف ، والأقرب من وجهة نظري القول بالجواز ، إذا اطمأنت نفس المتمذهب إلى القول الذي ذهب إليه ، وخلا الخروج عن قصد التلهي والهوى .
70) إن كان خروج المتمذهب عن مذهب بقصد الترخص بالرخص المذهبية ، فهذا ما يسمى بـ ( تتبع الرخص ) ، وقد اهتم كثير من المتأخرين والمعاصرين بالحديث عنه ، وتعددت تعريفاتهم له ، وغالبها يسير في اتجاه متقارب ، وقد اخترت تعريفه بـ : أن يأخذ المكلف فيما يقع له من المسائل بأخف الأقوال .
71) اختلف العلماء في حكم تتبع الرخص على أقاويل كثيرة ، وقد بينت ضرورة التفريق بين حالة من يتتبع الرخص دائماً ، دون مسوغ ولا حاجة ، وحالة من يأخذ بالرخصة عند وجود ما يدعو إلى الأخذ بها ، والأقرب أن تتبع الرخص محرم ، والخلاف في المسألة خلاف معنوي ، ويظهر أثره في الحكم يفسق متتبع الرخص .
72) إن كان خروج المتمذهب عن مذهبه في مسائل بينها ارتباط ، فهذا ما يسمى بـ (التلفيق بين المذاهب ) ، ولقد اهتم كثير من العلماء المتأخرين والمعاصرين بالحديث عن التلفيق ، وتعددت تعريفاتهم له ، وقد اخترت تعريفه بأنه : تركيب كيفية في مسألة واحدة ، ذات فروع مترابطة أو في مسألتين لهما حكم المسألة الواحدة ، من قول مجتهدين أو أكثر ، بحيث لا يقول بصحتها أحد من المجتهدين .
73) للتلفين أقسام ثلاثة ، وهي :
القسم الأول : التلفيق في الاجتهاد .
القسم الثاني : التلفيق في التقليد .
القسم الثالث : التلفيق في التقنين .
74) يبنى الحكم في القسم الأول : ( التلفيق في الاجتهاد ) على ما ذكره الأصوليون في مسألة : إحداث قول ثالث .
75) اختلف العلماء في القسم الثاني : ( التلفيق في التقليد ) على عتدة أقوال ، وقد حكي في أدلة القائلين بالمنع من التلفيق الإجماع على منعه ، وقد بينت بعد إمكانية انعقاد الإجماع ، واحتمال إرادة من حكاه إجماع الإمامين على القول ببطلان ما صدر عن الملفق ، والأقرب في حكم القسم الثاني من وجهة نظري :
• بالنسبة للعامي يعصب القول بمنعه من التلفيق ، وإبطال عبادته بسبب وقوعه فيه .
• بالنسبة للمتمذهب : إن ترجح له ما ذهب إليه ، فالقول في هذه الحالة كالقول في التلفيق في الاجتهاد ، وإن قارن تلفيقه تتبع للرخص ، فله حكم مسألة : ( تتبع الرخص ) ، وإن خلا التلفيق عما سبق ، فإن وقع فيه عن غير قصد ، فلا حرج عليه ، وإن قصده فالأحوط تركه ؛ خروجاً من الخلاف .
76) اهتم كثير من المعاصرين بالحديث عن القسم الثالث : ( التلفيق في التقنين ) ، الذي يقصد به : تخير ولي الأمر من أحكام مختلف المذاهب الفقهية المعتبرة مجموعة من الأحكام ، لتكون قانوناً يقضى ويفتى به بين من يخضعون له ، بحيث يأخذ أحكام القانون من عدة مذاهب على وجه يترتب عليه التلفيق بين أقوال المجتهدين في مسألة واحدة .
ومجمل القول في حكم التلفيق في القسم الثالث ، أنه لا يخرج عن القسمين الأولين : ( التلفيق في الاجتهاد ) ، و( التلفيق في التقليد ) ، ويكون النظر في المسألة إلى المقنن ، أهو من المجتهدين ، أم من المقلدين ؟
• إن كان من المجتهدين أخذ حكم مسألة : (التلفيق في الاجتهاد ) .
• إن كان من المقلدين أخذ حكم مسألة : ( التلفيق في التقليد ) .
77) لا يخلو مذهب من المذاهب الفقهية من الوقوع في مخالفة دليل من الأدلة الشرعية ، ولاسيما دليل السنة النبوية ، فإذا كان المذهب على خلاف ما دل الحديث النبوي عليه ، فهل يأخذ المتمذهب بالحديث ؟
اختلف العلماء في المسألة على عدة أقوال ، وقد فصلت القول في الترجيح ، وقد بينت ضرورة الاهتمام بالنظر إلى ثبوت صحة الحديث ، وعدم الغفلة عن أحكام متقدمي المحدثين على الأحاديث ، ولاسيما حين يضعفون حديثاً ظاهر إسناده الصحة ؛ لعلة خفية ، ثم يأتي من يصحح الحديث بالنظر في إسناده غافلاً عما أعل الحديث به ، وذكرت أيضاً ضرورة الانتباه إلى معرفة درجة الزيادة في متون الأحاديث ، وضرورة الانتباه إلى بعض المتساهلين في تصحيح الأحاديث الضعيفة ، ولاسيما إن كان في متنها شيءٌ من الشذوذ والنكارة .
78) قد يصادف المتمذهب في بعض الأوقات وجود أكثر من قول لإمامه في مسألة واحدة ، فيحتاج إلى الترجيح بينها ، ولقيامه به جعلت الترجيح على قسمين :
القسم الأولى : الترجيح بين قولي إمام المذهب اللذين قالهما في وقت واحد .
القسم الثانية : الترجيح بين قولي إمام المذهب اللذين قالهما في وقتين .
وتحت هذين القسمين حالات ، وتحت الحالات صور وتفصيلات ، وبمراعاة ما ذكرته فيها يتحقق للمتمذهب غلبة الظن بأنه أخذ بقول إمامه الذي استقر رأيه عليه .
79) يتصل بما سبق الحديث عن مسألتين مهمتين اهتم بهما عدد من الأصوليين ، وللخلاف فيها آثار في عدة مسائل ، وهما :
المسألة الأولى : إذا جاء عن إمام المذهب قولان مختلفان ، وقد علم المتأخر منهما من المتقدم ، فهل ينسب إليه القول المتقدم ؟
اختلف العلماء في المسألة ، وتعددت أقوالهم وأدلتهم فيها ، وقد ظهر لي أن الإمام إذا صرح بالرجوع ، أو علم رجوعه ، فلا ينسب إليه القول المتقدم قطعاً ، أما إذا لم يصرح بالرجوع ، ولم يعلم رجوعه ، فالظاهر رجوعه عن قوله المتقدم .
المسألة الثانية : إذا جاء عن إمام المذهب قولان مختلفان ، ولم يعلم المتقدم منهما من القول المتأخر ، فما القول الذي ينسب إلى إمام المذهب في هذه الحالة ؟
اختلف العلماء في المسألة ، وتعددت أقوالهم وأدلتهم فيها ، وقد ظهر لي أنه من جهة نسبة القول إلى إمام المذهب : فإن الأرجح هو اعتقاد نسبة أحد القولين غليه ، ورجوعه عن القول الآخر ، دون تعيين أحدهما ، أما من جهة عمل المتمذهب : فالأقرب أنه يأخذ بالقول الأشبه بأصول مذهبه وقواعده .
80) لمعرفة رجوع إمام المذهب عن قوله عدة طرق ، منها :
• تصريح الإمام نفسه برجوعه عن قوله .
• ما ينقله تلاميذ الإمام وأصحابه من رجوع إمامهم عن قوله .
• ما يقرره أصحاب المذهب المحققون فيه أن إمامهم قد رجع عن قوله .
• إذا تعارض قول لإمام المذهب مع قول آخر ، وعلم القول المتأخر منهما ، فالمتقدم مرجوع عنه .
81) إذا ثبت عند التمذهب رجوع إمامه عن قوله ، فهل له أخذ القول المرجوع عنه في هذه الحالة ؟
لا يخلو الأمر من حالتين :
الحالة الأولى : أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله وفاقية .
الحالة الثانية : أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله خلافية .
والذي يظهر لي في الحالة الأولى : ( أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله وفاقية ) هو عدم جواز أخذ قول الإمام المرجوع عنه .
أما في الحالة الثانية : ( أن تكون المسألة بعد رجوع الإمام عن قوله خلافية ) :
• إن ترجح للتمذهب قول إمامه المرجوع عنه ، فالظاهر جواز أخذه ، إن لم أقل بالوجوب.
• إذا كان أخذ المتمذهب للقول المرجوع عنه بناءً على أنه مذهب إمامه ، فالظاهر عدم الجواز .
82) يعتد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الأصولية إذا كان أصولياً عارفاً بالأصول ، أما إذا كان المتمذهب غير عارف بأصول الفقه ، أو كان في معرفته ضعف ، فلا يعتد بقوله في هذه الحالة .
83) يعتد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الفقهية في الحالات الآتية :
• إذا كان المتمذهب أصولياً ذا مهارة وبصر بالفقه .
• إذا كان المتمذهب من طبقة المخرجين .
• إذا كان المتمذهب من طبقة مجتهدي الترجيح ، وتحقق له في المسألة محل النظر وصف الاجتهاد المذهبي المقيد .
84) قد يقف المتمذهب في بعض المسائل الأصولية أو الفقهية على اختلاف في مذهبه بين إمامه ، وأحد الأصحاب :
• فإن كان قول الصاحب غير سائر على أصول المذهب ، وأراد المتمذهب أخذه ، فله حكم مسألة : ( الخروج عن المذهب ) .
• إن كان القول سائراً على أصول المذهب ، فالأصل في هذا المقام هو قول إمام المذهب ، ويسوغ الأخذ بقول الصاحب لمقتض .
85) إذا وقع اختلاف بين المتمذهبين في تعيين المذهب :
• فإن كان المتمذهب متمكناً من الترجيح المذهبي بنفسه ، فإنه يبين الاختلاف في المذهب ، ثم المعول على ما ترجح عنده .
• وإن لم يكن متمكناً من الترجيح ، فعليه الاعتماد على ما يرجحه شيوخ مذهبه من أرباب درجة الاجتهاد المذهبي المقيد ، وأرباب درجة مجتهدي الترجيح ، فإن كان ثمة اختلاف بين المرجحين في تعيين المذهب ، فهناك عدد من المرجحات ، منها : الترجيح بالكثرة ، ولاسيما إن كانوا من المحققين للأقوال المذهبية ، والترجيح بزيادة العلم ، والترجيح بموافقة أكثر المذاهب المتبوعة .
86) من المهام التي تولاها عدد من المتمذهبين القيام بإفتاء الناس في أمورهم وما يعرض لهم ، وقد بينت خلاف العلماء في مسألة : ( إفتاء المتمذهب بمذهبه ) ، وقد ترجح عندي جواز إفتاء مجتهد المذهب بمذهبه ، ولمجتهد الترجيح ( مجتهد الفتيا ) الإفتاء بمذهبه الذي ترجح لديه ، أما حافظ المذهب ، فله الإفتاء فيما نص إمامه على حكمه إذا لم يوجد غيره ، وليس له الإفتاء فيما لم يقف لإمامه على نص فيه .
87) تتصل مسألة : ( الإفتاء بقول ضعيف في المذهب ) بمسألة : ( الإفتاء بالمذهب ) ، ولذا تحدثت عنها ، وبينت أن الأصل في الإفتاء أن يكون بالمذهب المعتمد أو الصحيح ، ولا يصح الإفتاء بالقول الضعيف دون مسوغ ، وإذا كان سؤال المستفتي عن المذهب أو قول إمامه ، لم يسغ إفتاؤه بالقول المذهبي الضعيف ، وقد بينت عدداً من الضوابط لجواز الإفتاء بالقول الضعيف في بعض الحالات ، وهي :
• أن يكون المفتي بالقول الضعيف عارفاً بالمذهب ومآخذه ، بارعاً فيه .
• أن لا يكون القول في نفسه قولاً شاذاً لم يقل به أحد من العلماء المعتبرين ، ولا ضعيفاً ضعفاً شديداً في المذهب .
• أن تكون هناك ضرورة ، أو حاجة داعية إلى الإفتاء بالقول الضعيف ، أو مصلحة راجحة تترتب على الإفتاء به .
• أن لا ينسب المتمذهب القول الذي أفتى به إلى إمامه .
88) يسوغ للمتمذهب أن يفتي بغير مذهبه إذا ترجح لديه ، مع إعلامه السائل بقول الإمام ، أما إن أفتى بغير مذهبه ؛ لسهولته ويسره ، فالذي يظهر لي في حكم المسألة هو المنع وعدم الجواز ، وإن أفتى بغير مذهبه ؛ لأنه أحوط ، فالظاهر الجواز ، إن لم يقع المستفتي في حرج ومشقة ، مع إعلامه المستفتي بمذهب الإمام .
89) اعتمد كثير من المتمذهبين عند دراسة النوازل على تخريج حكمها على أصول المذهب وقواعده ، وتخريج حكمها على فروع المذهب .
90) المقصود بتخريج حكم النازلة : أن يبين المتمذهب حكم النازلة التي لم ينص إمامه عليه بإلحاقها بقاعدة من قواعد المذهب ، أو بإلحاقها بما يشبهها من فروعه .
91) يفتقر تخرج حكم النازلة على أصول المذهب ، وفروعه إلى أمرين مهمين :
• الأمر الأول : صحة نسبة الأصل إلى إمام المذهب أو إلى مذهبه ( فإن كان التخريج على فروع المذهب ، فلابد أن يكون الفرع المخرج عليه ثابت النسبة إلى إمام المذهب أو إلى مذهبه ) .
• الأمر الثاني : أن يوجد في مذهب الإمام مجتهدون مقيدون بمذهبه ، يسيرون على طريقته ، ولديهم قدرة على التخريج والإلحاق .
92) هناك حاجة قائمة لوجود المذاهب الفقهية المتبوعة ؛ إذ ما فيها من أقوال يمثل فقه الشريعة وأصولها ، ولأن التفقه عن طريقها من سبل التفقه في دين الله تعالى ، ولئلا يأتي الناظر في المسائل الخلافية بقول آخر يحرم به إجماع من سبقه .
93) للتمذهب آثار إيجابية متعددة ، ومن أهمها :
• ظهور المناظرات والمساجلات الفقهية والأصولية بين أرباب المذاهب المختلفة ؛ بغية الاستدلال للمذهب والانتصار له بإبراز أدلته .
• ازدهار النشاط التأليفي في مختلف الموضوعات المتعلقة بالفقه وأصوله ، وقد كان النشاط التأليفي في فنون متعددة ، منها :
التأليف في الفقه المذهبي .
التأليف في الألغاز والأحاجي والمطارحات الفقهية .
التأليف في أصول المذهب .
التأليف في قواعد المذهب الفقهية وضوابطه .
التأليف في بيان أدلة المذهب .
التأليف في الردود على مخالفي المذهب .
التأليف في مناقب إمام المذهب .
التأليف في طبقات علماء المذهب .
• تجنب الآراء الشاذة .
• الإلمام الشمولي بالمسائل الأصولية ، والفقهية .
• دعم سبيل الارتقاء إلى مقام الاجتهاد .
• تجنب التناقض في الاختيار بين الأقوال .
• بروز فن الفروق الفقهية ، والأشياء والنظائر .
94) لم يكن تطبيق التمذهب عند بعض المتمذهبين على الوجه الصحيح ، فترتب على تمذهبهم عدد من الآثار السلبية ، وظهر لي أن من أهمها :
• ظهور التعصب المذهبي بين أرباب المذاهب المختلفة ، ومن صوره :
الإعراض عن الاستدلال بالكتاب والسنة الثابة .
رد دلالة الآيات والأحاديث الثابتة ، والتكلف في ذلك .
الانتصار للمذهب بالأحاديث الواهية .
الاستدلال بالحديث متى ما وافق المذهب ومخالفة الحديث نفسه في حكم آخر دل عليه ؛ لمخالفته المذهب .
• دعوى غلق باب الاجتهاد ، ومحاربة من يدعيه .
• ظهور الحيل الفقهية .
• عدم الاطلاع على ما لدى المذاهب الأخرى .
95) كان لظهور الآثار السلبية عدد من الأسباب ، من أهمها :
• الغلو في تعظيم أئمة المذاهب .
• اعتقاد عدم خفاء شيء من الأدلة على إمام المذهب .
• اتباع الهوى .
• التعصب للمذهب .
• المناظرات والجدل .
• الإلف والاعتياد على مذهب فقهي واحد .
• الخشية من وقوع الناس في تتبع الرخص ، والتلفيق بين المذاهب .
• الأوقاف على المذاهب الفقهية .
• الوقوع في ردة الفعل .
• الضعف العلمي .
• الكسل والرغبة في الراحة .
96) قدمت عدداً من المقترحات لعلاج آثار التمذهب السلبية ، والمقترحات هي:
• الاهتمام بالكتب المذهبية البعيدة عن التعصب ، والتي تعنى بالاستدلال .
• الاطلاع على بقية المذاهب المتبوعة ، ومعرفة أقوال السلف .
• التفاء علماء المذاهب الفقهية لدراسة ما يهم المسلمين .
• تربية المتمذهب على احترام المذاهب وأهلها .
• العناية بالتخصص العلمي .
• العناية بطرق التعليم .
97) قدم بعض المعارضين للتمذهب مشروعاً يقترح فيه توحيد المذاهب المتبوعة في مذهب واحد ، وأهم ما وقفت عليه : ما ذكره الشيخ محمد الباني ، وما ذكره الأستاذ محمد عيد عباسي .
98) كان المشروع الذي ذكره الأستاذ محمد عيد عباسي أنضج ممن قبله ، وقد وجهت إليه شيئاً من النقد الدال على عدم صلاحيته ، وبينت ضرورة الانتباه إلى أن نقد المشروع لا يعني بحال انتقاد من يدعو إلى تعظيم الأدلة ، والعمل بها ، فهذا شيء ، والمشروع المقترح شيء آخر .
Download - MediaFire - Part1
Download - MediaFire - Part2
Download - MediaFire - Part3
الروابط لا تعمل
ردحذفالروابط لا تعمل
ردحذفاُصلحت الروابط
ردحذف