الخميس، 29 سبتمبر 2016

الحركة الإصلاحية الثالثة

 الحركة الإصلاحية الثالثة

ما بعد أزمة المشروع الفكري عند الحركة الإسلامية 



عرض: محمود المنير
وهناك ضرورة تستدعي إعادة الرصد والتحليل والاستشراف للسلوك السياسي للإسلاميين، لاسيما وأن الدراسات السابقة أغفلت عنصراً مهماً في المعادلة، وهو المرتبط بالمشروع الفكري لدى الحركة الإسلامية: كيف تبلور وتطور؟ وما العناصر المحددة لهذا المسار والعوامل المفسرة لتطوره، وما الأزمات التي عايشها؟ وكيف كان يدبرها في كل محطة من محطاته؟
   وقد اختار المؤلف (بلال التليدي وهو كاتب وباحث مغربي، متخصص في شؤون الحركات الإسلامية) العمل في هذا الكتاب على المتن الفكري لمشروع الحركة الإسلامية، بالإضافة إلى مختلف الأفكار التي تفاعل معها الإسلاميون ضمن مشاريعهم الفكرية من خارج أنساقهم التنظيمية والهيكلية المحدودة، واعتمد على استخدام أدوات نقدية تحليلية بغرض توصيف أزمة المشروع الفكري للحركة الإسلامية.
توسيع مفهوم المشروع الإسلامي:
وقد وسع الكاتب مفهوم المشروع الفكري للإسلاميين، فضم للحركة الإسلامية التقليدية بمفهومها التنظيمي مختلف الأفكار والمشاريع التي نظر لها مفكرون ومثقفون ينتمون إلى الحالة الإسلامية العامة، شرط التقيد بضابط وظيفي، يتمثل بالدور والوظيفة التي قامت بها هذه المشاريع في صياغة المشروع الفكري للإسلاميين، وتبلورت مفرداته وتطور مساره ورسم مستقبله.
ويدخل في هذا الاختيار أدبيات مالك بن نبي، أو جودت سعيد، أو محمد سعيد رمضان البوطي، وغيرهم من المفكرين الذين يخرجون عن الإطار الحركي التنظيمي، بحكم تبني الحركات الإسلامية لبعض مشاريعهم الفكرية، أو بعض مقولاتهم ومفاهيمهم، والأدوار التي قامت بها في إعادة صياغة أدبياتهم.
سؤال تبرير الوجود:
   في الفصل الأول وتحت عنوان أسئلة الإنتاج الفكري للإسلاميين، بدأ المؤلف باستعراض نماذج جلية في الإنتاج الفكري للإسلاميين منذ الحركة الإصلاحية الأولي التي بدأت مع مجلة المنار للشيخ رشيد رضا، ورسالة أمير البيان شكيب أرسلان ثم كتاب أبي الحسن الندوي «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟»، ثم كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، ثم كتب مصطفي السباعي، وعبد القادر عودة، ثم بعض رسائل حسن البنا، ومؤلفات القرضاوي، وغيرها من المؤلفات والنماذج التي تناولها المؤلف انشغلت بالإجابة على أسئلة تبرير الوجود، أي تبرير الحاجة إلي ريادة الإسلام للبشرية، وهي كما يرى المؤلف لأزمة سلفية عامة تربط قيام الأمة ونهضتها بما قامت به الأمة في سلفها. ومن هذه التساؤلات:
لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟
ما هي أسباب التخلف والانحطاط الذي تعيشه الأمة؟
ما هي ملامح مشروع النهضة للخروج من حالة التخلف التي تعيشها الأمة؟
   وخلص إلى أن الناظر إلى حصيلة أدبيات الإسلاميين الدائرة حول سؤال تبرير الوجود يخلص إلى أن إنتاجهم الفكري في عمومه، اتسم بثلاث خصائص: الكثافة، والتنوع، والامتداد في الزمن، بحكم أن الاشتغال على تبرير الوجود ظل يحتل مساحة كبيرة لدى العقل الإسلامي، حتى وهو يتجاوز مرحلة التأسيس، ويدخل مراحل أخرى متقدمة، وما يبرر ذلك هو نوع التحديات والتشكيكات التي تطال مسلمات هذا المشروع أو منطلقاته أو بعض اختياراته.
سؤال الجدوى والصلاحية:
يشير المؤلف إلى أن الإنتاج الفكري للحركة الإسلامية في هذه المرحلة انتقل من سؤال تبرير الوجود إلى سؤال تبرير الجدوى والصلاحية؛ إذ انشغل بشكل أساسي بالإجابة عن ثلاث قضايا مرتبطة: تتعلق أولاها ببيان حتمية الحل الإسلامي، فيما اتسمت القضية الثالثة بالطابع السجالي، بحكم أن مضمونها اتجه إلى تأكيد إفلاس المشاريع الفكرية المنافسة ويأتي في هذا السياق كتابات سيد قطب: «معركة الإسلام مع الرأسمالية»، ومن كتابات أبي الأعلى المودودي: «نحن والحضارة الغربية»، «الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة» ومن كتابات أبي الحسن الندوي: «موقف العالم الإسلامي تجاه الحضارة الغربية»، ومن كتابات القرضاوي: «الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا»؛ وكتاب محمد سعيد رمضان البوطي: «نقض أوهام المادية الجدلية».
وتناول المؤلف عدة نماذج تدور حول عدة مستويات فكرية شكلت ملامح إنتاج هذه المرحلة وهي:
بيان حتمية الحل الإسلامي.
بيان شمولية شريعة الإسلام وخلودها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان.
مدافعة المشاريع الفكرية المنافسة.
مفردات المشروع الإسلامي ومضمونه وخياراته:
من خلال رصد المؤلف تبين له أن الإسلاميين اشتغلوا في هذه المرحلة بمحاولة الإجابة عن بعض الفراغات التي أظهرتها مرحلة المساجلة والتدافع، بحيث أظهر السجال مثلاً حول قضية نظام الحكم في الإسلام الحاجة إلى بيان الموقف من الديمقراطية والعلاقة بينها وبين الشورى، كما تطلب إعادة قراءة التراث السياسي الإسلامي ونقد الأساس الفكري للاستبداد داخل مجمل أطياف التراث الإسلامي، كما أظهرت عملية التدافع الحاجة إلى إعادة بناء الموقف من المرأة، كما اشتغل الإنتاج الفكري بالسؤال الحقوقي بجميع تفاصيله، وبتأصيل منظومة حقوق الإنسان، والحريات العامة، وما يرتبط بها من أسئلة التعددية، والتداول السلمي للسلطة، وحرية المعتقد، وغيرها من الأسئلة المحورية التي تولدت من رصيد المساجلة مع الاختيارات الفكرية والسياسية المطروحة.
الخطوط الثلاثة الكبرى:
   تناول المؤلف في الفصل الثاني الأبعاد التقيمية للإنتاج الفكري للإسلاميين، من خلال ثلاثة خطوط كبرى: فعل التبشير، وفعل المدافعة، وفعل التجديد والاجتهاد؛ بحكم أن كل منتوج فكري ينطلق من قاعدة عرض اختيارته الكبرى ثم مدافعة الاختيارات المنافسة لينتهي بعد ذلك إلى تقديم رؤاه وأجوبته التفصيلية عن المعضلات، أو بلغة أدق تقديم رؤيته للمشروع المجتمعي في تجلياته الواقعية.
تقييم خط التبشير:
   ووفقاً لرصد المؤلف فقد اشتغل خط التبشير في المشروع الفكري الإسلامي على محاور متعددة ضمنت له التوسع والامتداد والكثافة؛ وهي:
محور النماذج المشرقة فى التاريخ والتجربة الحضارية الإسلامية.
محور إثبات التناغم بين العلم والدين وبين العقل والإيمان.
محور بيان الخصائص العامة للإسلام أو خصائص مقومات التصور الإسلامي.
محور الرقائق والنماذج التربوية والتركيز فيه على البعد المناقبي في شخوص الصحابة والتابعين والسلف الصالح.
محور بيان شمولية الإسلام وحتمية الانتهاء إليه، وأن المستقبل له.
محور إثبات المظلومية للإسلام بسبب المؤامرة عليه من قادة الغرب ومن الصليبيين والصهاينة والأعداء.
ويرى المؤلف أن المحاور السابقة يجمعها عدة روابط هي:
تأكيد الطابع الطهراني والمناقبي للمشروع الإسلامي.
التدفق اللاعقلاني في النظر إلى علاقة الإسلام بالعلم عن طريق تضخيم فكرة الإعجاز العلمي في القرآن إلى الحد الذي ساد فيه التعسف في تأويل الآيات لضمان تناسبها مع معطيات العلم النسبية.
الحضور القوي للبعد التأصيلي لشمولية الإسلام وحتميته كنظام ومنهج حياة.
ضمور البعد المنهجي؛ إذا كان الهم ينصرف إلى القضايا التبشيرية والتعبوية أكثر من الاهتمام بتكوين الملكات النقدية في التعامل مع الاختيارات الفكرية المعروضة.
تقييم خط المدافعة:
   يرى المؤلف أن هذا الخط عرف العديد من المحاور التي عكست تقابلاً حاداً بين بعض الثنائيات التي كان يمثل الدين طرفها الأول وتمثل قضايا أخرى طرفها المقابل وذلك وفق الخريطة التالية:
العلاقة بين العلم والدين أو الصراع مع الفكرة المادية.
العلاقة بين الدين والدولة ودفع الفكرة العلمانية والليبرالية.
العلاقة بين الدين والتحرر ودفع الفكرة الماركسية.
تقييم خط التجديد والاجتهاد:
   ويقصد به المؤلف الخط الذي خصص جزءاً كبيراً من إنتاجه لبلورة مشاريع فكرية جديدة بعيداً عن منطق التبشير أو السجال، وقريباً من منطق بناء الأمة، وتأهيلها لاستعادة وظائفها وأدوارها في الشهود الحضاري، وتناول المؤلف بالتقييم ثلاثة عناوين عامة مندرجة ضمن هذا الخط وهي: بناء النسق الفكري النهضوي، وتقييم مسار بناء مفردات المنهج، ومشاريع الاجتهاد والتجديد الجزئي.
   وبالجملة فإن هذه الإسهامات التي تبلورت ضمن خط الاجتهاد والتجديد سجل المؤلف عليها الملاحظات التالية:
أن السياق السياسي كان عاملاً مهما في إثارة البعد التجديدي.
أن البعد الأكاديمي والبحثى المتخصص ساهم فى تحريك البعد الاجتهادي التجديدي.
أن ضغط الواقع، والمأزق الذي أدت إليه الأدبيات التقليدية دفع إلى تحريك هذا البعد الاجتهادي التجديدي.
أن الاحتكاك بالتجربة الغربية عن قرب ساهم فى إبراز تقدم مهم في ثقافته وحضارته وبنية تفكيره.
أن حركة التجديد، وإن مست مفردات المنهج وتم تنزيلها على بعض الجزئيات إلا أنها ما زالت بعيدة عن أن تشكل حالة عامة فى الأمة.
أزمة المشروع الفكري للإسلاميين:
في الفصل الثالث والأخير من الكتاب تناول المؤلف أزمة المشروع الفكري للإسلاميين من بعدين أساسيين هما:
أزمة الرؤية الكلية الناظمة للمشروع الفكري الإسلامي في ضوء آثارها في الواقع.
أزمة أداة النظر في ضوء الرؤية الكلية، وأثرها في المخرجات الفكرية.
ويطرح الكاتب سؤالاً مركزياً وهو: ماذا يريد الإسلاميون؟ وما هو سقف الأهداف التي يتطلعون إليها؟
ويسجل ملاحظتين تختصران جوهر الأزمة التي يمر منها المشروع الفكري للإسلاميين.
الأولى، وتهم واقع حركية الأفكار في التنظيمات التي وصلت في كسبها الحركي والسياسي إلى ما يشبه الانسداد.
الثانية، وتهم واقع حركية الأفكار في التنظيمات الإسلامية التي تكيفت مع البيئة السياسية، وتبنت الخيار الإصلاحي التراكمي، ولا تزال تتدرج في سلوكها السياسي.
حركة إسلامية ثالثة:
     في الختام يدعو ويبشر المؤلف بحركة إصلاحية ثالثة تقتضي أن يتجه المشروع الفكري للإسلاميين في صيغة واحدة تنهي حالة الانسداد التي يعيشها مشروعهم الفكري، إذا أتيح له التمدد في أكثر من جهة:
التمدد نحو الدولة، بفتح جسور التعاون معها، وتحقيق التكامل والتناغم بين الإصلاح الفكري والمؤسسي.
التمدد نحو المجتمع، بمزيد من فهم طبيعته وتركيبه وتعدديته.
التمدد نحو بقية المكونات، بفهمها وفهم محددات نظريتها وبناء صيغ التعاون معها.
التمدد نحو الغرب، بإبداع صيغة للعب معه في الميدان نفسه وبالقواعد نفسها، لكن بخلفية قيمية ذات مصداقية.
وأخيراً: الانتظام الواعي في المرجعية الإسلامية، وفي التراث الإسلامي، والانطلاق من القيم الإسلامية للتأسيس لحداثة أمة، تتسم بطابع الانسجام مع المعادلة الثقافية والاجتماعية للأمة من جهة، وبسمة التدرج الفاعلة المتحققة في المشاريع الحداثية الغربية من جهة ثانية، ثم بسمة الشهود الحضاري من جهة ثالثة، ذلك الشهود الذي يسمح لها بتقويم أعطاب الحداثات الأخرى المتجسدة على الأرض
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق