الثلاثاء، 23 يوليو 2013

المشاركة لا المغالبة - الحركات الإسلامية والسياسية في العالم العربي

 المشاركة لا المغالبة 

  الحركات الإسلامية والسياسية في العالم العربي

ناثان براون





 منذ عقود،‮ ‬وحركات الإسلام السياسي تبحث عن الوجود في ساحة لطالما وصفت بأنها حكر على النظم السياسية القائمة‮.  ‬فبعد أن ظهرت جماعة الإخوان المسلمين على يد‮ "‬حسن البنا‮" ‬عام ‮ ‬1928، بدا أن الجماعة تشكل تيارا متمايزا في الفكر والممارسة،‮ ‬بصورة جعلت تيار الإسلام السياسي في العالم العربي يكتسب زخما متزايدا،‮ ‬ومن ثم وجدت النظم القائمة هذا الصعود تهديدا لشرعيتها التي اهتزت بفعل الأزمات الاجتماعية،‮ ‬وعدم قدرتها على الاستجابة لتطلعات شعوبها‮. ‬ومع موجة التحول الديمقراطي المحدود التي طالت العديد من الدول العربية،‮ ‬والانتقال من حالة السلطوية إلى شبه السلطوية،‮ ‬أصبحت الانتخابات مجرد أداة شكلية‮. ‬إذ إن التيارات السياسية المختلفة،‮ ‬بما في ذلك تيارات الإسلام السياسي،‮ ‬مسموح لها بالمشاركة في الانتخابات،‮ ‬ولكن دون أن تحصد الأغلبية،‮ ‬وبالتالي أصبح لزاما على تيار الإسلام السياسي أن يدخل الانتخابات رافعا شعار‮ "‬مشاركة لا مغالبة‮".‬
وفي هذا الصدد،‮ ‬يتناول‮ "‬ناثان براون‮" ‬في كتابه " ‬الحركات الإسلامية والسياسة في العالم العربي" - الذي ترجمه سعد محيو وصدر في بيروت عن ‬الشبكة العربية للأبحاث والنشر،‮ ‬2012- العلاقة المعقدة التي جمعت تيار الإسلام السياسي بالنظم السياسية القائمة،‮ ‬ويستعرض عبر فصول الكتاب التسعة التغيرات التي طرأت على هذه العلاقة،‮ ‬عبر منهج مقارن لتجارب الإسلاميين في مصر،‮ ‬والأردن،‮ ‬والكويت،‮ ‬وفلسطين‮.‬
الإسلاميون بين الجمود والتسييس‮:‬
عندما وصف‮ "‬حسن البنا‮" ‬جماعة الإخوان المسلمين بأنها‮ "‬فكرة جامعة تضم كل المعاني الإصلاحية،‮ ‬فهي دعوة سلفية،‮ ‬وطريقة سنية،‮ ‬وحقيقة صوفية،‮ ‬وهيئة سياسية،‮ ‬وجماعة رياضية،‮ ‬ورابطة علمية ثقافية،‮ ‬وشركة اقتصادية‮"‬،‮ ‬كان يعبر بذلك عن فكرة شاملة للجماعة التي مثلت الرافد الأساسي لتيار الإسلام السياسي‮. ‬ولكن هذه الفكرة ظلت حبيسة كتابات أقطاب الجماعة،‮ ‬إذ إن النزول للواقع بشتي معطياته دفع الإسلاميين للتركيز على الجانب الدعوي والاجتماعي،‮ ‬وإغفال الجانب السياسي‮.‬
وهذه الحقيقة أوجدت حالة من الالتباس،‮ ‬فالإسلاميون لديهم مشروع فكري يري أن العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تزاوج لا تقبل الانفصام‮. ‬بيد أنهم يصطدمون بواقع تسيطر عليه نظم سلطوية،‮ ‬ترفض أي منازعة عليه،‮ ‬ومن ثم كانت تيارات الإسلام السياسي تلجأ إلى الانكفاء على ذاتها،‮ ‬بل وفي بعض الأحيان مهادنة النظم السلطوية،‮ ‬وهو ما أفضي إلى بعض الجمود الفكري داخل هذه التيارات‮.‬
وهنا،‮ ‬يري‮ "‬براون‮" ‬أن تجارب التاريخ‮ (‬كما في حالة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا‮) ‬تشير،‮ ‬بدرجة أو بأخري،‮ ‬إلى أن تطور المواقف السياسية للحركات الدينية رهن بالعملية السياسية‮. ‬فوجود عملية سياسية تقدم مكافآت لقاء المشاركة،‮ ‬وفي الوقت نفسه تشهد مخاطر نظير استراتيجيات مغايرة،‮ ‬يدفع هذه الحركات نحو المزيد من الانفتاح،‮ ‬والتعايش مع قيم كانت تتبني مواقف عدائية إزاءها‮.‬
التحول من السلطوية إلى شبه السلطوية‮:‬
بدت العلاقة بين النظم الحاكمة في العالم العربي وتيار السلام السياسي علاقة معقدة،‮ ‬فهي علاقة تراوحت بين التصادم والمهادنة،‮ ‬وإن كان المتغير الأقوي في هذه العلاقة هو النظم الحاكمة التي كانت توصف بأنها نظم سلطوية،‮ ‬تمنع أي فرصة للمعارضة في الفوز في الانتخابات،‮ ‬وتكبت الحريات،‮ ‬وبالتالي كانت مساحة التحرك لتيار الإسلام السياسي مقيدة وموسومة بالقمع السلطوي‮. ‬وتعد تجربة الإخوان المسلمين خلال الحقبة الناصرية واحدة من التجارب الرئيسية في هذا السياق‮.‬
ويشير‮ "‬براون‮" ‬إلى أن التحول من السلطوية إلى شبه السلطوية أدى إلى تراخي قبضة الاستبداد‮. ‬وعطفا على هذا،‮ ‬بات من المقبول مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية،‮ ‬وخوض الانتخابات،‮ ‬ولكن في الوقت ذاته لا يسمح لهم بالفوز‮.‬
ومع هذا التحول في النظم الحاكمة،‮ ‬كان على التيار الإسلامي اغتنام هذه الفرصة،‮ ‬فيما وجد نفسه مرتبكا بين سمتين،‮ ‬بحسب‮ "‬براون‮". ‬فهو من ناحية،‮ ‬لديه من المرونة التي تجعله يتكيف مع مختلف الظروف،‮ ‬ولكنه في الوقت ذاته يتفاعل ويتحرك بحذر،‮ ‬ومن ثم إهدار بعض الفرص السانحة،‮ ‬وهي سمة اكتسبها التيار بفعل التركيز الشديد على التنظيم الداخلي،‮ ‬والحفاظ على تماسكه‮.‬
تأثير التحول في الإسلاميين‮:‬
وفي هذا الصدد،‮ ‬يشير‮ "‬براون‮" ‬إلى أن هذا التحول في شكل النظم القائمة كان له مردود على الإسلاميين من خلال المؤشرات التالية‮:-‬
أولا‮- ‬التعاطي الإيجابي مع العملية السياسية‮. ‬فبمرور الوقت،‮ ‬بدأ تيار الإسلام السياسي يتنازل عن بعض مواقفه،‮ ‬وأصبح يشارك بصفة شبه دورية في الانتخابات‮. ‬فجماعة الإخوان المسلمين في مصر شاركت في الانتخابات البرلمانية منذ ثمانينيات القرن المنصرم،‮ ‬وتمكنت خلال انتخابات ‮ ‬2005 من حصد‮ ‬88 مقعدا من مقاعد البرلمان‮. ‬وعقب ثورة يناير‮ ‬2011? تمكنت‮ - ‬عبر ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة‮ - ‬من حصد أكثرية مريحة في البرلمان‮. ‬وتشابهت تجربة الإخوان في الأردن مع التجربة المصرية،‮ ‬حيث تأسست الجماعة عام ‮ ‬1945 وكانت أول مشاركة في الانتخابات عام ‮ .‬1989
وفي سياق متصل،‮ ‬كانت الحركة الإسلامية في الكويت تتبني نهجا مقاربا،‮ ‬حيث رفضت العملية السياسية برمتها‮. ‬ولكن هذا الموقف راوح مكانه،‮ ‬وبدأ الاهتمام بالمشاركة يستحوذ على فكر الحركة بعد تأسيس الحركة الدستورية الإسلامية‮ "‬حدس‮". ‬فيما تطرح حركة حماس تجربة أخري،‮ ‬بدأت بالمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي،‮ ‬وانتهت بالمشاركة في الانتخابات عام‮ ‬2006? والتي هي نتاج تسويات أوسلو المرفوضة أساسا من الحركة‮.‬
ثانيا‮- ‬أفضت المشاركة السياسية للتيار الإسلامي إلى إشكاليتين رئيسيتين‮. ‬إذ إنه من ناحية،‮ ‬يدرك أن النظم القائمة صاحبة اليد الطولي،‮ ‬ومن ثم يلجأ إلى مهادنتها،‮ ‬وفي بعض الأحيان التوافق معها،‮ ‬حفاظا على البقاء‮. ‬ومن ناحية أخري،‮ ‬واجه التيار الإسلامي أزمات داخلية،‮ ‬وصلت في بعض التجارب إلى الانشقاقات الداخلية،‮ ‬وبروز تياري الصقور والحمائم‮.‬
ثالثا‮- ‬مع نكوص الأنظمة السياسية عن تعهداتها،‮ ‬وقمع الإسلاميين‮  ‬في حالة أشبه ما تكون بالانتقال العكسي اللحظي من شبه السلطوية إلى السلطوية،‮ ‬بدا تيار الإسلام السياسي وكأنه‮ "‬حركات أنبوبية‮"‬،‮ ‬عندما تتعرض للضغوط،‮ ‬تبحث عن فضاءات أخري‮. ‬فالمنع من دخول البرلمان يدفع نحو العمل في النقابات المهنية والجامعات‮.‬
رابعا‮- ‬تشكيل الأحزاب السياسية،‮ ‬وهو ما سعي التيار من خلاله لإيجاد قدر من الاستقلالية للتحركات السياسية والمناورات،‮ ‬بعيدا عن مواقف الحركة الأم‮. ‬وفي هذا السياق،‮ ‬تحمل تجربة الإخوان المسلمين في مصر دلالات واضحة‮. ‬ففي عام‮ ‬2010 أعرب‮ "‬سعد الكتاتني‮" ‬عن اعتقاده بأن تقديم طلب للحصول على ترخيص للحزب سيكون بمثابة شهادة وفاة للجماعة‮. ‬ولكن بعد ثورة ‮ ‬25 يناير،‮ ‬سارعت الجماعة إلى تشكيل‮ "‬حزب الحرية والعدالة‮" ‬ليحصد أكثرية في البرلمان،‮ ‬مما جعل البعض يعتقد أن شعار‮ "‬مشاركة لا مغالبة‮" ‬قد جاوزه الزمن‮.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق