الخميس، 3 يوليو 2014

فلسفة الاجتماع في الشريعة الإسلامية

فلسفة الاجتماع في الشريعة الإسلامية



خلاصة هذا البحث منقولة من صفحة المؤلف على تويتر

- الكتب التي تحدّثت عن موضوع الاجتماع والاختلاف لا تخرج عن ثلاثة اتجاهات:
2- الاتجاه الأول: دراسات اهتمت بالجانب الأخلاقي وآداب الاختلاف، وهدفها: بناء المنظومة الأخلاقية التي تحكم الاختلاف في الإسلام.
3- الاتجاه الثاني: دراسات اهتمت بمباحث المحكمات وضابط الخلاف السائغ وغير السائغ، وهدفها: ضبط الشريعة وصيانتها من التحريف والتبديل.
4- الاتجاه الثالث: دراسات اهتمت بمباحث الجماعة وطاعة ولي الأمر، وهدفها: بناء مفهوم الجماعة في الإسلام والتحذير من التفرّق والشذوذ.
5- ورغم ما في هذه الدراسات من فوائد جليلة إلا أنني لم أجد دراسة جادّة جمعت شتات تلك الاتجاهات ووازنت بينها موازنة علمية كافية؛ لتُخرج لنا فلسفة متكاملة حول موضوع الاجتماع.
6- ثم إن غياب عنصر الموازنة عن تلك الاتجاهات قد أثّر على تأصيلها التأصيل الشرعي المعتدل الذي يراعي تنوّع نصوص الشريعة في معالجة مسائل الاجتماع والاختلاف.
7- ويمكن تلخيص أبرز النتائج الواردة في البحث في النقاط التالية:
8- اختطت الشريعة مسارين؛ لمعالجة الاختلاف الواقع في بني آدم؛ الأول: المسار الإصلاحي الذي يدعو إلى التوحيد وأصول الإيمان، وبيان ما يسع فيه الاختلاف وما لا يسع، وهذا المسار يمكن التعبير عنه بـ ما يضاد الكفر والبدعة. وهو الذي أسميناه في البحث بـ الاجتماع الديني.
9- والثاني: المسار التنظيمي الذي يدعو إلى لزوم الجماعة، وينهى عن الفرقة والشذوذ، وهذا المسار يمكن التعبير عنه بـ ما يضاد الفتنة والتنازع. وهو الذي أسميناه في البحث بـ الاجتماع الدنيوي.
10- معنى الاجتماع الديني من حيث الإجمال هو اجتماع الناس على لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما، ومن حيث التفصيل نوعان: اجتماع على اتباع المحكم واجتماع على اعتبار الخلاف السائغ.
11- يقوم الاجتماع الديني بمهمتين أساسيتين هما: حفظ الدين من التبديل والتحريف والزوال، وحفظ المجتمع من التنازع والتقاتل والشقاق.
12- الاجتماع الديني هو المحور والمركز؛ وتتجلّى مركزيته في شيئين: أنه الغاية من خلق الإنسان، وأن مفهومه ثابت لا يتغيّر.
13- تعاملت الشريعة مع الخلاف بنوعيه (السائغ وغير السائغ) وفق قاعدتين هما: قاعدة العلم التي تحفظ معاني الشريعة وتعصمها من الاختلال، وقاعدة العدل التي تحفظ حقوق المختلفين وتعصمهم من العداوة والبغضاء.
14- معنى الاجتماع الدنيوي: تحقيق أمن المجتمع وعدالته وقوّته ومنع أسباب الفتنة والتنازع والاحتراب عنه.
15- حفظ نظام المجتمع واستدامة صلاحه وفق أحكام الشريعة هو المقصد العام من التشريع.
16- يُعبَّر عن الاجتماع الدنيوي في العلم القانوني بـ "النظام العام"، وعالجته الشريعة تحت مُسَمَّى "نظام الولاية".
17- من مفهومي "الاجتماع الديني والاجتماع الدنيوي" يتشكّل الإطار العام لفلسفة الاجتماع في الشريعة الإسلامية.
18- هذان الأصلان "الاجتماع الديني والاجتماع الدنيوي" يعضد بعضهما بعضًا للانتقال بحالة الاجتماع البشري من النقص إلى الكمال.
19- النظام العام مصطلح قانوني، ومعناه: الأسس التي يقوم عليها كيان المجتمع ويتحقق بها أمنه واستقراره.
20- النظام العام -بهذا التركيب- لم يرد في لغة الفقهاء لكن أساسه وجوهره متداول بينهم؛ لأنه يتمثّل في مجموعة من المشتركات الإنسانية التي لا غنى لأي مجتمع عنها.
21- من الأدلة الشرعية المباشرة على مضمون "النظام العام": العهود والمواثيق، ولزوم الجماعة.
22- العهود والمواثيق نوعان: معاقدة بين أفراد المجتمع الواحد، ومعاقدة بين مجتمع وآخر. والقصد منهما -جميعًا-: تحقيق الأمن والسلم المجتمعي.
23- المهمة الرئيسية لفكرة "الجماعة" في الإسلام: المحافظةُ على انتظام المجتمع وفق الشريعة ومنع أسباب اختلاله.
24- الجماعة هي الولاية التي مرجعيتها الكتاب والسنة، حيث جاء لفظ "الجماعة" في النصوص الشرعية بمعنى اتباع الكتاب والسنة "الاجتماع الديني" وجاء بمعنى طاعة ولي الأمر "الاجتماع الدنيوي.
25- ولا تناقض بين الأمرين، بل بعضهما يعضد بعضًا للوصول إلى النموذج الفاضل من الاجتماع البشري الذي يجمع بين قوة المجتمع عبر تحقيق الاجتماع الدنيوي وهدايته عبر تحقيق الاجتماع الديني.
26- معنى الجماعة في النصوص الشرعية نسبي، يشمل كل اجتماع تنظيمي يفضي إلى قطع المنازعة والاقتتال.
27- ومن ثمَّ فإن الجماعة تُطلق ويُراد بها الاجتماع على الإمام الأكبر، وتُطلق ويُراد بها ما دون ذلك من الولايات كنظام الأسرة والثلاثة في السفر وأمير البلد ونحو ذلك.
28- وبالجملة فهي تشمل كل موضع مظنة نزاع وفوضى إذا خلا من الولاية.
29- مفهوم الاجتماع أعمّ من مفهوم الجماعة، ذلك أن النصوص الآمرة بالاجتماع تتضمن الأمر بالجماعة -أصالةً-، وتزيد عليه بالنهي عن كل ما يتسبب في الفتنة والافتراق، سواء أكان تحت مظلة شرعية أم لا.
30- معنى "إذا لم تكن جماعة" الواردة في بعض الأحاديث: أي إذا لم توجد ولاية شرعية للمجتمع تحفظ تماسكه وأمنه واستقراره، وبعبارة أخرى: إذا لم يوجد نظام عام يحمي المجتمع من الفتنة والفرقة والاقتتال.
31- الحد الأدنى من النظام العام يتكوّن من ثلاثة عناصر أساسية هي: الأمن في مقابل الخوف، والقوة في مقابل تسلّط الأعداء، والعدل في مقابل الظلم، سواء في الرأي الشرعي أم القانوني أم الفلسفي.
32- تطبيق الشريعة مشروط بوجود حدّ أدنى من النظام العام في المجتمع " أي مشروط بأن لا يؤدي إلى الفوضى والاختلال"، وأن أيّ إصلاح ديني يتجاوز هذا المبدأ ينقلب إلى إفسادٍ في الأرض وإهلاكٍ للحرث والنسل.
33- وليس المراد بذلك المحافظة على نظام قائم من الاختلال فقط، بل يُراد أيضًا أنه حتى في حالة تغيير نظام قائم لابد من وجود القدرة على بناء نظام بديل يحرس الأمن والعدل والقوة ليتأسس عليه تطبيق الشريعة.
34- الحد الأدنى من النظام العام مأمور به كله، ولو تضمن في بعض تطبيقاته ما يخالف بعض نصوص الشريعة.
35- وظّفت الشريعة الإسلامية "سنة التدافع" في حمل لواء الإصلاح والدعوة للمنهج الحق عند استقرار النظام العام في المجتمع الإسلامي وقوته. فإذا ما تعرّض هذا المجتمع للخطر تحوّلت وظيفة "سنة التدافع" إلى حماية نظامه العام والذبّ عنه.
36- من أهم صور "سنة التدافع" وأعظمها: فريضة الجهاد، ولا يختلف أهل العلم في أنها مشروطة بالمحافظة على النظام العام في المجتمع المسلم، مثلها مثل أحكام الشريعة الأخرى.
37- صياغة التشريعات والتصرفات التي بها ينخرم النظام العام من اختصاص المجتمع ككل وليست من اختصاص فصيل معيّن أو طائفة مخصوصة. وهذه نقطة حساسة وجوهرية.
38- يُعتبر مفهوم الولاية من أهم الأصول الشرعية التي عالجت موضوع الاختلاف والتنازع، إلا أنه لم ينل حظه الكافي من التنظير الفقهي والعقدي، حيث انصبّت عناية كثير من أهل العلم على شكل الولاية أكثر من العناية بجوهرها.
39- تتفق كلمات فقهاء السياسة الشرعية بأن مقصود الولاية هو حراسة الدين وسياسة الدنيا، وهذا المعنى يتساوى مع مفهومي: الجماعة والنظام العام، ذلك أن هذه المفاهيم الثلاثة "الولاية والجماعة والنظام العام" تتجه نحو تقرير فكرة واحدة، وهي بناء نظام الدنيا وفق أحكام الكتاب والسنة.
40- مفهوم الولاية أوسع بكثير من اختزاله في مفاهيم "الطاعة" أو "النصيحة" أو "الحاكمية" كما هو متداول في الدرس الشرعي السائد، بل مقصده الأساسي حفظ نظام المجتمع من الاختلال والفوضى وفق نظام الدين.
41- الآلية الصحيحة لبناء نظام الولاية "النظام العام" وفق مقاصده وأهدافه التي شُرع من أجلها هي الشورى والتوافق بين مكونات المجتمع المختلفة. وفي المقابل فإن الجو الأمثل لنشوب صراعات داخلية هو الاستبداد والتفرّد بالرأي.
42- وكما أن صياغة نظام الولاية مسئولية مشتركة، فكذلك حمايته هي الأخرى مسئولية مشتركة، فعلى صاحب الولاية واجبات تجاه المجتمع وعلى المجتمع واجبات تجاه صاحب الولاية.
43- نظام الولاية ليس مفهوما واحدا، وإنما هو عبارة عن دوائر متداخلة ومتقاطعة، أي بينها عموم وخصوص مطلق أو عموم وخصوص وجهي، ويتوجب على كل دائرة أن تضع علاقات نظامية مع الدائرة الأكبر منها.
44- السلسة التي ينبغي أن تَنْظِم هذه الدوائر كلها هي قاعدة الحدّ الأدنى من النظام العام وتقديم المصلحة العليا على ما دونها من المصالح، مع أهمية العمل على التنسيق بين هذه الدوائر والتقريب بينها عبر المسار الدعوي والإصلاحي.
45- المعنى الكلي للولاية بكافة درجاتها ومستوياتها هو: الحفظ والرعاية ووضع التدابير اللازمة لمنع التنازع والفرقة والضياع.
46- ومن ثمّ فكل موضع يحتاج إلى حفظ ورعاية أو كان مظنة تنازع وفرقة؛ تُشرع فيه الولاية. وتزداد درجة المشروعية بقدر حاجة الناس إليها وبقدر إثارة الظن بوقوع الفتنة عند غيابها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق