في الثورة والقابلية للثورة
يستعرض عزمي بشارة في كتيِّب "في الثّورة والقابليّة للثّورة" -الذي لا
يتجاوز عدد صفحاته المئة- أهمّ ما ينبغي أن يُعرف عن الثّورات، من حيث
فلسفتها النّظريّة وممارستها العمليّة وتاريخها؛ وذلك بطريقةٍ مختصرة
ومفيدة. وهو بذلك يقيم الدليل على قوّة النّهج الذي ألمح إليه أساتذةٌ
وكتّابُ كبار بأنّ أعمق الأفكار يمكن تقديمها والتّعبير عنها من دون الحاجة
إلى إسهاب. ويذكّر هذا الكتيّب بنوعٍ من الأدبيّات السّياسيّة؛ كان قد
انتشر في أوروبا، وظفِر بشعبيّة كبيرة، خصوصًا في مطلع القرن العشرين. وهو
الذي عمّمته الأدبيّات الماركسيّة بالخصوص، وكان لماركس وإنغلز نصيب فيه،
ثمّ تبعهما في ذلك العديد من المنظّرين الثّوريّين.
ويبدو بشارة في هذا الكتاب حريصًا على أمرين مترابطين؛ أوّلهما: العمل على إضاءة ما يجري في الوطن العربي، منذ أحرق ذلك الشابّ الفقير نفسه في بلدة سيدي بوزيد التّونسيّة، مشعلًا بذلك الثّورة في بلاده وفي البلدان ذات الأنظمة المشابهة، دون أن يكون قد قصد ذلك؛ وثانيهما: أن لا تكون تحديدات الكاتب للثّورة وللحالة الثّوريّة تطبيقات فوقيّة سطحيّة ومتعسّفة لنظريّات أجنبيّة على واقعٍ اجتماعي وثقافي مختلف.
وعلى الرّغم من إمكانيّة إدراج هذا الكتاب ضمن التّراث الإنساني الأوسع للأدبيّات الثّورية؛ فإنّه يتميّز بخاصيّات نوعيّة، تجعله "يتيمًا" -تقريبًا- في أدبيات العلوم الاجتماعية العربية الحديثة. وليس هذا الأمر بغريب، فعلى الرّغم من أنّ الثّورة ليست ظاهرة جديدة في التّاريخ العربي، فقد ظلّ التنظير متخلّفًا شيئًا ما، حيث نرى أغلب الكتب التي أُلِّفت عن الثّورة -كفكر وممارسة في الوطن العربي- إمّا أنّها تنحو تجاه الكتابة التّأريخية التّسجيلية والسّرد الحدثي (كجلّ ما كُتب مثلا عن الثّورة العربية الكبرى ضدّ العثمانيّين، وثورة عرابي، وثورة الأمير عبد القادر، وثورة علي بن غذاهم، والثورات الوطنية ضدّ الاستعمار...)، أو أنّها تستوحي النموذج الماركسي-اللينيني أو الماركسي-الماوي من دون أن تقدّم إضافةً نوعيّة تجعل العرب مساهمين فاعلين في هذا التّراث الإنساني لا مستهلكين. وحين شذّت الكتابات عن هذين النّمطين، وقعت تحت تأثير الأيديولوجيا "المغناطيسي"، فقدّمت لنا "أيديولوجية ثورية" على هيئة "نظريّة قوميّة عربيّة" أو "إسلاميّة" عن الثّورة، وليس بالضّرورة معرفة علميّة.
حتّى الثّورة الفلسطينية نفسها، وعلى الرّغم من أهميتها وخطورتها وعراقتها، ظلّت أسيرة القوالب الجامدة والتّفكير الدوغمائي أو البراغماتية المسطّحة والانفعالات السياسوية التي لا ترقى إلى مستوى الفكر العلمي والنّظريّة الاجتماعية. وهذا بلا شكّ، يمثّل جزءًا من المعضلة الفلسطينيّة والتّحدّيات التي واكبت القضيّة، واستمرّت ملازمة لها إلى اليوم. وكثيرًا ما ذكر الفلسطينيّون الثّورة الجزائريّة أو الفيتناميّة كنموذج، ولكن الأولى لم تُنتج نظريّةً ولم تستند إلى نظريّة، على الرّغم من محاولة إلصاقها بأفكار فرانتز فانون، ولم يكن هذا الأخير جزائريًّا، وإنّما كان كاتبًا متعاطفًا فحسب. وأمّا الثّورة الفيتنامية، فقد كانت منذ البداية مؤسّسة على الفهم الأيديولوجي الماركسي للتاريخ. وهو فهم سقط في الامتحان العربيّ، ولم يكتب له النّجاح والاستمراريّة في العالم.
ويبدو بشارة في هذا الكتاب حريصًا على أمرين مترابطين؛ أوّلهما: العمل على إضاءة ما يجري في الوطن العربي، منذ أحرق ذلك الشابّ الفقير نفسه في بلدة سيدي بوزيد التّونسيّة، مشعلًا بذلك الثّورة في بلاده وفي البلدان ذات الأنظمة المشابهة، دون أن يكون قد قصد ذلك؛ وثانيهما: أن لا تكون تحديدات الكاتب للثّورة وللحالة الثّوريّة تطبيقات فوقيّة سطحيّة ومتعسّفة لنظريّات أجنبيّة على واقعٍ اجتماعي وثقافي مختلف.
وعلى الرّغم من إمكانيّة إدراج هذا الكتاب ضمن التّراث الإنساني الأوسع للأدبيّات الثّورية؛ فإنّه يتميّز بخاصيّات نوعيّة، تجعله "يتيمًا" -تقريبًا- في أدبيات العلوم الاجتماعية العربية الحديثة. وليس هذا الأمر بغريب، فعلى الرّغم من أنّ الثّورة ليست ظاهرة جديدة في التّاريخ العربي، فقد ظلّ التنظير متخلّفًا شيئًا ما، حيث نرى أغلب الكتب التي أُلِّفت عن الثّورة -كفكر وممارسة في الوطن العربي- إمّا أنّها تنحو تجاه الكتابة التّأريخية التّسجيلية والسّرد الحدثي (كجلّ ما كُتب مثلا عن الثّورة العربية الكبرى ضدّ العثمانيّين، وثورة عرابي، وثورة الأمير عبد القادر، وثورة علي بن غذاهم، والثورات الوطنية ضدّ الاستعمار...)، أو أنّها تستوحي النموذج الماركسي-اللينيني أو الماركسي-الماوي من دون أن تقدّم إضافةً نوعيّة تجعل العرب مساهمين فاعلين في هذا التّراث الإنساني لا مستهلكين. وحين شذّت الكتابات عن هذين النّمطين، وقعت تحت تأثير الأيديولوجيا "المغناطيسي"، فقدّمت لنا "أيديولوجية ثورية" على هيئة "نظريّة قوميّة عربيّة" أو "إسلاميّة" عن الثّورة، وليس بالضّرورة معرفة علميّة.
حتّى الثّورة الفلسطينية نفسها، وعلى الرّغم من أهميتها وخطورتها وعراقتها، ظلّت أسيرة القوالب الجامدة والتّفكير الدوغمائي أو البراغماتية المسطّحة والانفعالات السياسوية التي لا ترقى إلى مستوى الفكر العلمي والنّظريّة الاجتماعية. وهذا بلا شكّ، يمثّل جزءًا من المعضلة الفلسطينيّة والتّحدّيات التي واكبت القضيّة، واستمرّت ملازمة لها إلى اليوم. وكثيرًا ما ذكر الفلسطينيّون الثّورة الجزائريّة أو الفيتناميّة كنموذج، ولكن الأولى لم تُنتج نظريّةً ولم تستند إلى نظريّة، على الرّغم من محاولة إلصاقها بأفكار فرانتز فانون، ولم يكن هذا الأخير جزائريًّا، وإنّما كان كاتبًا متعاطفًا فحسب. وأمّا الثّورة الفيتنامية، فقد كانت منذ البداية مؤسّسة على الفهم الأيديولوجي الماركسي للتاريخ. وهو فهم سقط في الامتحان العربيّ، ولم يكتب له النّجاح والاستمراريّة في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق