الثلاثاء، 18 مارس 2014

منهجية التكامل المعرفي

منهجية التكامل المعرفي

مقدمات في المنهجية الإسلامية






 منقول من مركز نماء
بين يدي الكتاب

يشكل كتاب "منهجية التكامل المعرفي: مقدمات في المنهجية الإسلامية" الذي ألفه الدكتور فتحي حسن ملكاوي، واحدا من المشاريع الفكرية التأصيلية والمعرفية، وتتجلى قيمة هذا المؤلف، في كونه يتناول قضية إشكالية، ذات أبعاد ابيستيمولوجية ومعرفية، حيث أن الكثير من الدراسات والأبحاث الصادرة مؤخرا، من طرف مفكرين وباحثين كبار، بدأت تطرح إشكالية التكامل المعرفي بين العلوم، سواء على المستوى النظري أو المستوى التطبيقي، فالتقرير العالمي للعلوم الاجتماعية، الصادر عن منظمة اليونسكو سنة 2010(1)، تحدث في إحدى توصياته، عن ما سماه ب "موجة ما بعد التخصصات" "والتي تقتضي نهج مقاربة جديدة ومبدعة، تستحضر جميع التخصصات، سواء منها في حقل العلوم البحثة أوالطبيعية أو في العلوم الإنسانية".

بيد أن الكتاب الذي نقدم له في هذه القراءة، لا يستحضر هذا التكامل المعرفي في بعده الدمجي بين التخصصات فحسب، بل إنه يطرح قضية تجديدية في العقل المعرفي الإسلامي، وذلك بالنظر إلى الطموح الذي يرنو إليه صاحب المشروع، "فالمؤلف،يحاول ان يقتحم عقبة التأليف في هذا الموضوع، ليبني برنامجا للتمكين للوعي بعلم المنهجية، وللتدريب على التفكير والبحث في قضاياها، ولممارسة هذه المنهجية في التعامل الرشيد مع مسائل العلم والمعرفة في المجالات المعرفية المختلفة، فهما وتوظيفا وتطبيقا". ولعل المؤلف؛ حينما أراد اقتحام هذا المجال، فإنما كان  يستحضر من بين ما يستحضر، الإشكالية الابيستيمولوجية التي يتخبط فيها العلم المعاصر؛ حيث أن عهد الحداثة؛ وإن كان ناجحا في تحقيق وعوده في زيادة المعرفة والتقدم في متطلبات الحياة المادية الخارجية، فإنه بالمقابل خلف آثارا سلبية في عدة مجالات، ومن بينها المجال المعرفي والعلمي، حيث  أن تغير البراديغم الحاكم للعلوم، في اتجاه التجزئة المستمرة للمعرفة، والإغراق في التخصصات الدقيقة، " ولد أنظمة تربوية تبحر في أجزاء الحقيقة المختزلة؛ والراهنة؛ والمباشرة؛ لكنها مفتقدة للوحدة التاريخية للصورة الكبيرة الكلية" ولعل القولة التي استلهمها المؤلف من أحد الابيستيمولوجيين المعاصرين "أوتيكي" تعبر عن هذا الواقع المعرفي المتسم بالتجزيئية المعرفية، والتي تقول: "في الوقت الذي أصبحنا فيه أناسا نعرف أكثر فأكثر عن الأشياء الأقل فالأقل، فإننا في الوقت نفسه للأسف أصبحنا أناسا نعرف  أقل فأقل عن الأكثر فالأكثر".

يقدم الدكتور "فتحي حسن ملكاوي" في هذا الكتاب أطروحة تجديدية وتجاوزية واستيعابية، تجديدية للعقل المسلم؛ في إطار الدعوة للإبداع المعرفي، القائم على القراءة المنهجية للنص الديني: القرآن والسنة النبوية الشريفة، وكذا التعامل الخلاق مع التراث، والذي يشمل التراث بنوعيه: الإسلامي والإنساني العام. وتجاوزية للفكر الغربي الذي أخفق في تشكيل رؤية تكاملية للمعرفة، وفي نفس الوقت فهي استيعابية؛ بمعنى التفاعل الإيجابي مع ما تراكم من معارف وعلوم.

ويقصد الدكتور فتحي ملكاوي بمفهوم التكامل المعرفي في المنهجية الإسلامية،  التكامل في المصادر والتكامل في الأدوات؛ والتكامل في المدارس؛ والتكامل في الطبائع والوقائع المشهودة،  والمثل والقيم المنشودة؛ والتكامل بين الوصف الكمي بالتقدير والحساب الدقيق لموضوع التفكير أو لمشكلة البحث، والوصف الكيفي الذي يعطي الدلالات والمعاني العميقة؛ وغير ذلك من وجوه التكامل المعرفي والتعامل المنهجي".

يتوزع الكتاب على سبعة فصول، شكل الفصل الأول، المحددات المفاهيمية للتكامل المعرفي، وتوقف الفصل الثاني؛ عند المنهج والمنهجية، نظرا لما يطبع هذين المفهومين من تداخل. أما الفصل الثالث فقد تحدث عن الوعي المنهجي ومظاهر الخلل في واقع الأمة. بينما تدارس الفصل الرابع، مفهوم المنهج في الفكر الإسلامي والفكر الغربي، من خلال قراءة مقارنة. في حين تطرق الفصل الخامس، لأهم المدارس المنهجية الإسلامية، شرحا وتفصيلا. وتناول الفصل السادس، إشكالية مصادر المنهجية وأدواتها. وفصل الفصل السابع، المبادئ والقيم المنهجية، وختم الكتاب بملاحق؛ عبارة عن عناوين كتب تضمنت ألفاظ المنهج والمنهاج والنهج، بالإضافة إلى  دليل للتخطيط لبرنامج تدريبي في موضوع منهجية التكامل المعرفي.

لعل أهم ما يمكن ان يستخلصه القارئ، من هذه الفصول، هو الطابع المنهجي المجدد، الذي جمع بين التصور النظري، وذلك من خلال العرض المفاهمي، لمفاهيم التكامل المعرفي، وللمنهجية والمنهج والوعي المنهجي، ثم الطابع العملي لتطبيق مفهوم التكامل المعرفي، وبالتالي فالكتاب يقدم خدمة هائلة للمفكرين ولمراكز الأبحاث والمشتغلين في حقل الإيبستيمولوجيا، وذلك لتنزيل هذه الرؤية على  مشاريع واقعية، خصوصا في الحقل التعليمي الذي يعاني أزمة مركبة في المجتمعات العربية الإسلامية.

الفصل الأول:مفاهيم في التكامل المعرفي.

نظرا للتداول الكبير لمفهوم التكامل والوحدة بين العلوم، وسط الباحثين؛ لدرجة تفقد في بعض الأحيان هذه المفاهيم دلالاتها الحقيقية، فقد انتهج المؤلف أسلوب التحديد المنهجي في مفتتح كتابه، مقدما تعريفه الخاص لمفهوم التكامل المعرفي وعلاقته بمفهوم الوحدة، حيث يعتبر أن التمييز بين وحدة العلوم وتكاملها لا يثبت صفة لينفي أخرى، "فالقول بوحدة العلوم لا ينفي تكاملها، وكذلك العكس، لكن استخدام أحد المفهومين يتعلق بمنهج المعالجة، فيكون القول بوحدة العلوم أقرب إلى وصف العلاقة بين هذه العلوم على المستوى الوجودي، وتتوجه المعالجة وجهة ميتافيزيقية نظرية، في حين يكون القول بالتكامل أقرب إلى وصف العلاقة بين العلوم على المستوى المعرفي (الإبيستمولوجي)، وعندها تأخذ معالجة الموضوع وجهة منهجية عملية وتعليمية".

ولتوضيح هذه الرؤية أكثر، فقد تضمن الفصل بعض الأمثلة التي تبين ما المقصود بمفهوم التكامل المعرفي، فمثلا يسهل القول بضرورة تكامل جهود العلماء من التخصص العلمي نفسه، الذين يسعون إلى حل مشكلة علمية معينة وتحقيق إنجاز فيها. ويكون التكامل هنا منصبا على اجتماع الجهود الفردية للعلماء، لبناء رؤية أكثر عمقا واتساعا وموضوعية، مما يعين على تحقيق إنجاز ملموس، ويسهل أمر قبوله والاعتراف به من (الجماعة العلمية) بتعبير "توماس كوهن".

لا يقتصر التعريف السابق على مفهوم التكامل، فقد يعني "تكامل جهود العلماء من تخصصات مختلفة، ولكنها ضرورية لمعالجة مشكلة معينة، وبخاصة في القضايا الإستراتيجية الكبيرة والتطوير العلمي والتكنولوجي المعاصر في مجالات مثل الطب وغزو الفضاء، وقد يتعلق أحد الجوانب الأساسية في هذا النوع من التكامل، بإدارة المشروع العلمي وتنظيم أدوار العاملين فيه، لتوفير المعلومة الضرورية لكل خطوة من خطوات المشروع في الوقت المناسب (مثلا، مشروع "منهاتن" في تصنيع القنبلة الذرية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1946، ومشروع وصول الإنسان إلى القمر سنة 1969)".

ولا يمكن  فهم التكامل المعرفي الذي طرحه المؤلف؛ في أبعاده الشمولية، إلا بتوسيع صور هذا التكامل "ليتضمن تكامل جهود العلماء  في الأجيال المختلفة، بحيث يبني كل جيل على خبرة الجيل الذي سبقه، حتى  إنه ليصعب تصور تحقيق إنجازات جيل لا حق لو لم يعتمد على  إنجازات الجيل السابق. وكذلك الأمر في تكامل جهود الشعوب والأمم".

بهذه الرؤية المنفتحة والاستيعابية والتجديدية، يمكن أن نفهم التكامل المعرفي، الذي طرحه الباحث، خصوصا وأنه في إطار توضيحه لهذا المعنى، توقف عند الجهود التي قام بها بعض المفكرين المسلمين، أمثال: إسماعيل الفاروقي، وعثمان بكر،وعبد الحميد أبو سليمان،وغيرهم، ممن ساهموا في التنظير للمفهوم وربطوه بالبناء الحضاري الإسلامي لنهضة الأمة.

الفصل الثاني: المنهج والمنهجية: طبيعة المفهوم واهمية البحث فيه.

يمكن اعتبار الفصل الثاني؛ امتدادا للفصل الأول من حيث توقف الباحث عند المسألة المفاهيمية،وذلك نظر لما يتطلبه الأمر من تقعيد علمي للعديد من المفاهيم المتداولة بين الباحثين، والتي  لا  يتم تمحيص دلالاتها وأبعادها، إلا نادرا،  ومن بين هذه المفاهيم، نجد مفهوم المنهج والمنهجية ورؤية العالم والنموذج التفسيري؛ والبراديغم والنظام المعرفي؛وعلاقة هذه المفاهيم بالمنهجية.

ولعل أهم ما يشدنا في الفصل، هو التركيب الذي انتهجه الباحث؛في الربط بين دلالات المفاهيم السابقة، والدلالات داخل النسق القرآني الكريم، إذ يتبنى الباحث مرجعية قرآنية في النظر للمفاهيم، نظرا لما يتصف به الهدي القرآني من شمول وعموم في الرؤية. وعليه فإن الفصل أقام رؤية تأصيلية لمفهومي المنهج والمنهجية، حينما اعتبر أن منهج الصحابة رضوان الله عليهم، هو منهج التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمنهاج هو السنة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، لأن السنة منهج لبيان القرآن الكريم، وهي منهج لضبط عملية اسنتباط الأحكام الشرعية العلمية من مصادرها الأصلية،" ويقدم الباحث كأمثلة دالة على هذا التعريف، علم أصول الفقه، الذي  يجسد المنهج، وعلوم الحديث علوم منهجية توظف جملة من عمليات الضبط والتدقيق والتوثيق والنقد في سند الرواية وفي متنها، وهذه كلها عمليات منهجية".

ويضيف د.فتحي حسن ملكاوي، بالقول، بأن "المنهج جملة من القواعد العامة التي تضبط الفكر الإنساني في تعامله مع قضايا المعرفة وموضوعاتها، وله قواعد خاصة بكل علم من العلوم. وبعض القواعد تتأسس على رؤية العالم التي يتبناها العلماء والباحثون، فيتصف المنهج-بالضرورة- بصفة هذه الرؤية، فثمة منهج وضعي يتبنى مقولات الحداثة، وهناك منهج وضعي آخر، لكنه يتبنى مقولات ما بعد الحداثة، وثمة منهج ديني مسيحي، ومنهج ديني إسلامي... وهكذا".

بعد هذه التوطئة المفاهيمية، يستخلص الباحث من  خلال تتبعه للعديد من النماذج التي تم الاشتغال عليها من قبل باحثين مرموقين في مجال المنهجية المعرفية، أنماطا محددة، استطاعت ان تفرض ذاتها في الساحة الفكرية، من بينها،  المنهجية التي اعتمدها المرحوم "إسماعيل الفاروقي" أو التي انتهجها "الدكتور طه جابر العلواني" والمسماة "بالمنهجية القرآنية الكونية". أو تلك  التي أصل لها الفقيه المقاصدي، الدكتور أحمد الريسوني، خصوصا فيما أطلق عليه:" المقاصد والمنهج المقاصدي". وأيضا من خلال الوقوف عند منهجية الدكتور: طه عبد الرحمن، والتي عرفت بمنهجية "المناظرة"، القائمة على علمي المنطق واللسانيات. أو حتى من خلال المنهجية التي وطنها الدكتور عبد الحميد أبو سليمان، والتي تقوم على: فهم النصوص على أساس مقاصد الدين، والجمع بين جميع النصوص التي تختص بموضوع البحث، وفهمها في الإطار الزمني والمكاني ، لاستلهام حكمة تنزيلها على الواقع المعاصر. وغني عن البيان أن هؤلاء المفكرين قاموا بجهد معتبر في تطوير المعرفة الإسلامية، والتي يشكل المعهد العالمي للفكر الإسلامي واحدا من ثمراتها.

إلا أنه وبالرغم من هذه الإضافات النوعية التي حققت نوعا من التراكم في المنهجية المؤصلة والمبدعة، فإن الباحث، يؤكد بالمقابل على ملاحظات أساسية تعيق تطور هذه المنهجية، منها:

·        أن أكثر البحوث والدراسات في الممارسة السائدة تتبع أعرافا وتقاليد وإجراءات لم يحاول الباحثون تأصيلها والبحث عن مرجعياتها، مكتفين بأنها مناهج مطروقة وأساليب مسلوكة، أو أنها لا تنهج نهجا محددا يمكن وصفه وتحديده.

·        أن البحوث والدراسات التي يمكن أن نعدها تطبيقات مباشرة للمنهجية الإسلامية نادرة جدا، ويقصد الكاتب بذلك، البحوث والدراسات التي تنهج بصورة واعية وتلتزم مبادئ المنهجية الإسلامية.

·        من جهة أخرى، يقتصر الحديث عن المنهج والمنهجية في الغالب على البحوث والدراسات الأكاديمية والمهنية، ولا يتسع الحديث ليشمل تطبيقات المنهجية الإسلامية في التفكير، والبحث، والسلوك.

الفصل الثالث: الوعي المنهجي والخلل المنهجي.

لاشك أن أولى خطوات تحقيق النهضة، واستعادة الأمة  لعافيتها، يقوم على الوعي بذلك، والوعي المنهاجي الذي عقد له الباحث الفصل الثالث، إنما يشكل المدخل الطبيعي للإقلاع الحضاري،إذ أن الوعي المنهاجي هو الطريق والخطة والاستراتيجية، "والذي يتطلب بالضرورة وضوحا في خطوات البناء المنهجي، وفي سبل السعي للإنتقال من غاية إسلامية المعرفة ومبتغاها إلى الأخذ بالأسباب وتنفيذ البرامج، ويتطلب هذا الوضوح قدرة على التمييز بين عملية بناء المفاهيم وعملية بناء الأطر المرجعية للتحقق من فعالية تلك المفاهيم ولتحقيق غاية المنهجية".

ويشرح لنا المؤلف، أسباب ضمور هذا الوعي المنهاجي في الأمة، وذلك  بارجاعه إلى سلسلة الهزائم  العسكرية والسياسية التي أطاحت بالعديد من الطموحات الفردية والجماعية للأمة، وحتى عندما كان هذا الوعي يبرز في بعض الخطابات الإصلاحية مثلا، لم يكن يذهب لعمق الإشكاليات التي تواجه الأمة، فهذا الوعي تجسد فيما سماه الباحث ب"منهجيات أحادية قاصرة" حيث كان البعض يدعو إلى منهج سلفي لحتمه تقديس الماضي والثناء على السلف، وسداه القطيعة مع مناهج الغربيين وبيان عوراتهم ومثالب إنجازاتهم... . ومنهم من دعا إلى منهج حديث اعمل فيه فنون جلد الذات، والاختيار الإنتقائي من التاريخ الإسلامي...والدعوة إلى القطيعة معه، والإرتماء في أحضان الغرب لما له من عبقرية وسيادة.." كل هذه النماذج من الوعي لم تستطع أن تنهض بديلا عن واقع متخلف متهالك، لهذا تصبح الدعوة إلى تجديد الوعي المنهاجي حاجة حضارية ماسة.

أما عن الاختلالات المنهجية التي أصيبت بها الأمة، فقد حددها في الشق الثاني من هذا الفصل، في أربعة مظاهر :

1) الخلل في رؤية العالم: وقد تجسد في فقدان الرؤية الصحيحة، التي تقدر الأشياء بحسب أحجامها الحقيقية، فما هو جزئي يقدر على أنه كلي كبير، وما هو تابع يقدم على أنه أولوية... وهكذا ينعكس هذا النوع من الخلل المنهجي على قدرة الإنسان على فهم مبادئ الواقعية والسببية والشمولية، مما يشكل عائقا أمام الإقلاع الحضاري".

2) الخلل في فهم الواقع والتعامل معه: ولعل هذا الخلل المنهجي، كان سببا في نقض الواقعية في الفكر والواقعية في التعامل، وهو اتجاه نفسي ينتهي عادة إلى الرفض المطلق دون اعتبار التفاصيل والمعطيات.

3) الخلل في ربط الأسباب بالنتائج: وذلك في التخلي عن الأخذ بالأسباب والتعامل معها  باتكالية،وبالتهرب من المسؤولية، وعدم اكترات بالنتائج، لأنها حسب منتسبي هذا  النهج، من عند الله.

4) الخلل في معرفة الحقيقة والعمل ضد مقتضياتها: ويعطي كمثال من آلاف الأمثلة على هذا الخلل، آفة التدخين التي انتشرت كالنار في الهشيم، في دولنا العربية والإسلامية، دون ان تكون للحكومات إرادة سياسية لوقف هذا النزيف الذي يتهدد الآلاف.

الفصل الرابع: تطور المنهج في الفكر الإسلامي والفكر الغربي.

نظرا للأهمية البالغة للمنهج المقارن في إبراز أهم الخصوصيات التي تميز كلا من الفكر الإسلامي والفكر الغربي، فإن الباحث، يقدم في هذا الفصل، كرونولوجيا لتطور مفهوم المنهج ودلالاته في كلا الفكرين، ففي التجربة الإسلامية، تشكل المنهج في عدة ميادين، انطلقت من التفكير المنهجي في أصول ومبادئ  القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي تمثلاته عند الصحابة رضوان الله عليهم، وبعد ذلك في تصنيفات المتكلمين والفلاسفة  والمؤرخين والصوفيين، لكن المجال الذي برز فيه بشكل قوي المنهج، هو علم أصول الفقه، بل يذهب أحد الباحثين، إلى أن هذا "العلم، احتوى قواعد مناهج البحث الحديثة".

أما في التجربة الغربية، فقد شكلت البدايات لتطور المنهج، في البدايات الأولى للفكر اليوناني ، مرورا بالعصر الحديث في أوربا،خصوصا مع إسهامات كل من "فرنسيس بيكون" ومن بعده "روني ديكارت" وصولا إلى مرحلة الوضعيين مع "أوكست كونت" ودوركايم" ، في حين شكلت مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة، تطورا في المنهج، تمثل على الخصوص، في البنيوية، والتأويلية، والتفكيكية، والشكلانية، والظاهراتية،وغيرها.

ولعل ما يمكن استنتاجه؛ في هذا الفصل؛ هو أن تطور مفهوم المنهج خضع لتطور الخبرة عبر الأجيال. لكن ما يلفت انتباهنا في هذا الفصل، هو الإشارة التي استرعت اهتمام المؤلف،عندما أكد أن "بعض انجازات المسلمين عرفناها بعد أن كشف لنا الغربيون عنها، ومن هؤلاء "ابن الهيثم" الذي عرف له أكثر من مائتي كتاب في مجالات العلوم المختلفة، فضلا عن صياغته الدقيقة للمنهج العلمي التجريبي القائم على المشاهدة والتجربة والبرهان".

الفصل الخامس: مدارس المنهجية الإسلامية.

يتتبع هذا الفصل، أهم المدارس المنهجية التي اشتهرت في تاريخ الأمة الإسلامية، والتي تتمثل في أربع مدارس: مدرسة المنهج العقلي –الكلامي الفلسفي، ومدرسة المنهج الذوقي الصوفي، ومدرسة المنهج العلمي التجريبي، ومدرسة المنهج الفقهي والمنهج الأصولي.

ومما أكد عليه الباحث، هو أن هذه المدارس تعبر بتنوعها وتعددها عن منهجية التكامل المعرفي في الرؤية الإسلامية، من حيث التزامها بالمبادئ العامة والقيم العليا للمنهجية الإسلامية، واستمدادها من المصدر نفسها: العقل والحس، مع بعض التفاوت في درجة التركيز على أي من هذه المصادر أو الأدوات. وقد تبين أن  هذه المدارس لا تغني الواحدة منها عن غيرها، إلا  للغرض الذي تمارس فيه، وللشخص الذي يفضل أن يختارها.

وقد وسم الدكتور فتحي حسن، تعددية وتنوع المدارس المنهجية في التجربة الإسلامية، بالرؤية "التوحيدية" التي تعتمد التكامل وتتصف به، في مقابل الرؤية "الواحدية" التي لا ترى الحق إلا في مدرسة واحدة من هذه المدارس أو غيرها.

الفصل السادس: مصادر المنهجية وأدواتها.

تتشكل المصادر المنهجية التي يستقي منها المسلم معارفه، في الوحي والعالم بوصفهما مصدرين متمايزين في خصائصهما. فإذا كان الوحي، يشير إلى القرآن والسنة النبوية الطاهرة، فإن العالم يتمثل في:

·        العالم الطبيعي؛ عالم الأشياء المادية في الكون.

·        العالم الاجتماعي، عالم الناس أفرادا وأسرا، وشعوبا وقبائل ولغات، وما يكتسبه هذا العالم من ثقافات ويبنيه من حضارات.

·        العالم النفسي، عالم النفس الإنسانية عقلا وروحا وفكرا وسلوكا، وما يعج به من المعلوم والمجهول، وما ينتابه من المشاعر خيرها وشرها.

وإذا كان الحديث عن المصادر والأدوات في الرؤية الإسلامية، من منظور كلي عام، فإن تفاصيل التعامل مع المصادر والأدوات تتيح للإنسان أن يطور من المصادر الفرعية والأدوات التفصيلية ما يصل إليه بالخبرة والتجربة.

الفصل السابع: المبادئ والقيم المنهجية.

لاشك ان المنهجية المتأصلة والمبدعة لكل تكامل معرفي، تقوم على مجموعة من القيم، فبدونها لا يمكن الحديث عن أسس ومنطلقات هذه المنهجية، وقد حدد الباحث في آخر فصوله، ثلاثة ركائز أساسية: التوحيد، والتزكية، والعمران. وهذه المنظومة تتصف بالتكامل والشمول، وإمكانية اشتقاق الكثير من المبادئ الفرعية من كل قيمة من هذه القيم.

"فتوحيد الله الخالق سبحانه، وتزكية حياة الإنسان وتطهيرها وترقيتها على مستوى الأفراد والجماعات والأمة، والعمران البشري للحياة وتطوير أساليبها وأسبابها تشكل منطومة قيمية، تحتاج امتنا على اعتمادها مبدأ في منهجيتها في الفكر  والعلم والسلوك، ومصدرا لسائر الضوابط والمعايير الحاكمة لهذه المنهجية المرشدة لتطبيقاتها".

لكن المنظومة القيمية التي تؤطر هذه المنهجية التكاملية، تحتاج إلى مزيد من التأصيل، عبر العديد من الدراسات والبحوث، والتي تعمق الفهم.  ولعل المهمة التي ينبغي الانتباه إليها، هو التفكير في عملية نقل منظومة القيم من حقلها التداولي في مجال الدعوة والموعظة ومجال الشريعة، إلى مجال التأسيس للعلوم الإنسانية والاجتماعية والكونية. والعمل على نحت تجارب رائدة في المجتمعات المسلمة لتكون لها الريادة في العالم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق