البحرين بركان على جزيرة
دراسة تحليلية للحركات الدينية الشيعية في البحرين وعلاقاتها الخارجية
أصدر الأستاذ أحمد فهمي كتاباً
متميزاً حول الحركات الشيعية في البحرين بعد كتابيه السابقين "حزب الله
وسقط القناع" و"صراع المصالح في بلاد الرافدين"، وتمتاز كتابات الأستاذ
فهمي بكثرة المعلومات الموثقة من المصادر الشيعية، والمتابعة الدقيقة
لتحركات القوى موضع الدراسة، مما يجعل من كتاباته مادة ثرية لا يستغني عنها
الباحثون المتخصصون في قضايا التشيع وإيران والجماعات المرتبطة بها، وتصل
بعض فصول كتبه لتكون كتباً مستقلة.
ولكن هذه الكتابات لم تأخذ حظها من
الانتشار والاشتهار، وقد يكون ذلك بسبب أن لغتها سياسية بحتة مع غزارة
النقولات والغوص في التفاصيل والدقائق، وهو ما لا يجد قبولاً من القارئ
العادي، كما أن عدم توفر نسخ مجانية الكترونية من كتبه جعل انتشارها
محدوداً في نقاط البيع القريبة من مجلة البيان الإسلامية والتي تتولى إصدار
كتبه، وهذا خلل يجب أن يعالج.
والكتاب صدر في مطلع سنة 2011 ضمن منشورات
مركز البحوث والدراسات التابع لمجلة البيان، ويقع في 340 صفحة من القطع
الكبير، وهو مكون من أربعة فصول.
كشف المؤلف عن غاية الدراسة بقوله: "تهدف
هذه الدراسة إلى تحليل التوجهات السياسية للمجتمع البحراني من خلال دراسة
تياراته السياسية ذات البعد الديني من منظور تاريخي، من أجل تحديد
إمكاناتها وقدراتها الحقيقية على الفعل والتأثير السياسي، كما تتناول
احتمالات تطور الحالة السياسية في البحرين بعداً أو اقتراباً من مسارات
المشروع الإيراني، وتنطلق هذه الدراسة في معالجتها هذه القضايا من موقف
سياسي رافض للتمدد الإيراني الذي يستهدف إضعاف الدور السني متمثلاً في
السعودية الدولة الأكبر في الشرق العربي".
في الفصل الأول (أصليون وغرباء) والذي
بمثابة التمهيد تناول المؤلف قضية حجم وأصل الوجود الشيعي في البحرين، وخلص
إلى أن مزاعم الشيعة بأنهم أغلبية سكان البحرين عبر التاريخ هو أمر غير
صحيح، وقد فات المؤلف الإطلاع على بعض الكتب الخاصة بذلك من وجهة نظر سنية
مثل كتاب "الشيعة في البحرين من أين أتوا؟ خرافة السكان الأصليين" وهو من
إصدار هيئة الدفاع عن عروبة وتاريخ البحرين.
أما بخصوص السكان الأصليين فيبين المؤلف
عبثية هذا المعيار، لكون أغلب الدول والشعوب تكونت نتيجة هجرات متعددة في
أزمان مختلفة، فأي معيار سنعتمد كون مجموعة عرقية أو دينية هي الأصل؟
ويلفت النظر إلى أن الشيعة يتناقضون حين
يزعمون أنهم الأغلبية وأنهم السكان الأصليون، لأن توصيف الأمم المتحدة
للسكان الأصليين هو: "فئة غير سائدة في المجتمع"!!
وفي قضية التجنيس التي يشتكي منها الشيعة
فاعتبرها قضية دعائية لأغراض سياسية، لكنها قابلة للنمو والتطور والاستغلال
السيئ ضد البحرين كدولة.
أما الفصل الثاني والذي جاء بعنوان
(الخريطة الدينية للمجتمع الشيعي في البحرين) فقد خصصه لموضوع الإخبارية
والأصولية، وموضوع تيار الشيرازي الرساليين.
فتناول في موضوع الإخبارية والأصولية
نشأتهما والصراع بينهما ودور ثورة الخميني في حسم الصراع لصالح الأصوليين،
مما خفف مظاهر العداء بينهما بسبب ضعف الإخباريين لا سيادة روح الوئام
بينهما!
والآن ضعفت الإخبارية في البحرين بعد أن
كانت متجذرة ومتربعة على قلوب شيعة البحرين، حتى ظهر ما سمي بالتيار الثالث
"الهجين" وهو شباب الإخباريين الذين انخرطوا في جماعات وأحزاب الأصوليين
التابعة للشيرازي أو باقر الصدر أو الخميني، وأصبحوا اليوم قادة شيعة
البحرين.
وفي المبحث الثاني استعرض المؤلف تاريخ
التيار الرسالي (المدرسي- الشيرازي) بداية في العراق، ومن ثم وصوله
للبحرين، والصراع الداخلي بين الشيرازي وأبناء أخته: محمد تقي وهادي
المدرسي اللذين أسّسا فرع البحرين، وهذا التيار كان سباقاً في تشكيل وعي
شيعي متطرف في البحرين دينياً وسياسياً، لكن بعد محاولته الفاشلة في
الانقلاب على الدولة سنة 1981، بدأ يتقلص دوره السياسي وأصبح هامشياً.
وفي الفصل الثالث (الخريطة السياسية
للمجتمع الشيعي) وهو أكبر الفصول ولب الكتاب، فهو استعراض لمسيرة الحركات
السياسية الشيعية على مدار 45 عاما منذ منتصف الستينيات وإلى يومنا هذا،
والتي يقسمها إلى ثلاث مراحل:
1- الأولى: من منتصف الستينيات وحتى عام 1983 والذي تم فيه حل حزب الدعوة الشيعي العراقي.
2- الثانية: تمتد حتى عام 2000، مع بداية الاصلاح السياسي في البحرين.
3- تمتد إلى يومنا هذا.
في البداية ينبّه المؤلف للدور المركزي
الذي يلعبه الخارج (العراق/ إيران) في خيارات وسلوك شيعة البحرين، وأن شيعة
البحرين هم في الواقع صدى ورد فعل وليس فعلاً مستقلاً.
يبدأ المؤلف بالجبهة الإسلامية لتحرير
البحرين والتي تأسست في نهاية الستينيات على يد هادي المدرسي مبعوث
الشيرازي، لتكون واجهة التيار الرسالي.
فيستعرض نشأة التيار في العراق والبحرين
وعلاقته بالخميني في العراق وعقب الثورة، ثم يدرس ويحلل استراتيجية هادي
المدرسي التي قامت على الاختراق والتدرج والتثوير تجاه ثلاثة قطاعات هي:
العلماء وطلبة العلم، جموع الشباب وعامة الناس، الأجهزة الرسمية للدولة.
ومن أجل تحقيق ذلك قام بإنشاء العديد من
الواجهات لتقوم بالمهمة مثل حركة الكفاح الثوري، الصندوق الاجتماعي
الحسيني، جمعية الإرشاد وجمعية الشباب وغيرها.
وبعد ثورة الخميني حاول المدرسي تطبيق
الفكرة في البحرين بانقلاب لكنه فشل، ومن ثم تحول لفكرة ثورة شيعية من
الخارج من القطيف والإحساء تستولي على البحرين لكنها فشلت أيضا، فتحول
للتواصل مع المنظمات الغربية وحقوق الإنسان.
ثم تناول المؤلف حزب الدعوة، من خلال
استعراض نشأة الحزب في العراق وتطوراته، ومن ثم وصوله للبحرين من خلال
سليمان مدني، وقد استطاع هذا التيار التحالف مع الدولة في السبعينيات ضد
الشيوعية، وقد كان للحزب بعض الواجهات التي تعبر عنه مثل جمعية التوعية
ومجلة المواقف.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية حدث تطور جذري
في منهج الحزب بالذوبان في الخميني ونظامه بعد عدائهم له، ويكفى أن نعلم أن
علي الكوراني – اللبناني الذي يظهر في الفضائيات – وصف الخميني في تلك
الفترة بأنه "حمار يمتطيه الشيوعيون"!!
وبعد ضرب الجبهة والحزب بسبب تنظيمهما
السري ومحاولة زعزعة الأمن، ظهر بين معتقلي الطرفين تنظيم شيعي جديد عرف
باسم "جماعة السفارة" أي السفارة عن الإمام المهدي، وتعبر عنهم اليوم جمعية
التجديد في البحرين.
ثم ينتقل المؤلف لرصد وتحليل مواقف هذه
الأحزاب في المرحلتين الثانية والثالثة، تجاه الدولة والعلاقة مع الخميني
وإيران، والتطورات الداخلية لهما، وصعود بعض الأسماء الجديدة مثل: علي
سلمان، زعيم جمعية الوفاق.
وهذا الفصل مليء بالتفاصيل والمعلومات
المهمة للمتخصصين، والتي تكشف مقدار الجهد والمتابعة اللذين بذلهما المؤلف
للخروج بهذه الدراسة.
وقد خصص المؤلف الفصل الرابع والأخير
(العلاقة مع إيران)، لكشف آلية استقواء الحركات الشيعية البحرينية بإيران،
خاصة أن أطماع إيران بالبحرين لم تتوقف قط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق