الاحتساب المدني
دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب
من الممكن أن يموت الإنسان في سبيل المبدأ من دون أن يواجه الظلم بالتخطيط المسلح، ومن دون أن يحمل على عاتقه السلاح ليواجه جور الحكام برصاص البنادق.
هذا الممكن هو نص حديث النبي
عليه السلام (أعظم الشهداء عند الله تعالى حمزة ورجل قام إلى ذي سلطان جائر
فأمره ونهاه فقتله)، وحديث غلام بني إسرائيل. وهما العينتان الناطقتان
باسم الاحتساب المدني:
والحديث الأول، يكشف عن مصدر
العنف المسلح ويضعه في جانب السلطان الجائر، فهو القاتل، بينما المقتول
يجاهد بالكلمة جهاداً مدنياً متجرداً من كل أدوات العنف بل يفتح صدره
لاستقبال الرصاص.
أما حديث غلام بني إسرائيل، فقد حقق
انتصاراً لقضيته بمقتله على يد الحاكم، بعد أن اجتمع الناس فرأوا تضحيته
في سبيل رسالته فانتهى المشهد بإيمانهم ودخولهم فيما كان يدعوهم له من دون
أن يرفع سيفاً أو يكسر سوطاً لحاكم!
إننا نسعى في هذه
الدراسة لبناء الاحتساب المدني في فضاء مقاصد الشريعة، لكي نثبت بها
مقدرته على تحقيق خيرية الأمة. تلك الخيرية التي لا تتحقق بأجهزة الاحتساب
الحكومية، مهما طورت في قدرات العاملين في ميدان الاحتساب. لأن مبنى
الخيرية على تحقيق الضرورات، وما تقوم به أجهزة الاحتساب الحكومية لا يحقق
إلا المكملات أو الحاجيات.
وقد أشار الإمام الشاطبي
رحمه الله تعالى إلى أن قيام الحاجي أو التكميلي لا يغني عن قيام الضروري،
بخلاف ما إذا قام الضروري ولم يقم الحاجي أو التكميلي.
إن نشر ثقافة الاحتساب المدني سوف تحل بدلاً عن أخطر الوسائل في الإصلاح، وأخطر الوسائل الوهمية في الإصلاح ما يلي:
أولها:
الصمت الذي دلت مفاسده على فداحة الأضرار التي تضاعفت، ولم يكن السكوت
حكمة وسياسية ومصلحة، كما ادعت بعض الأيدلوجيات السلفية في تقنياتها
السياسية مع الحكام.
ثانياً: عن العنف المسلح، الذي يقود إلى هتك الاستقرار.
ومن الأسباب التي تدعو لنشر ثقافة الاحتساب المدني:
أن
التدين يخلق انفعالات نفسية وينقل المرء من حالة إلى حالة أخرى يتعبأ
شعورياً ضد كل منكر، ويأنف من وجوده، وتزداد أنفته في المجتمعات المغرورة
التي ترى أفضليتها المطلقة على كل المجتمعات، فالثمن الباهظ للغرور يتسبب
في نزعات عنف دائمة، بسبب حساسية المنكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق